بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 22 يونيو 2013

القانون الدولي.. صراع في النيل -عادل درويش


 تدهور وضع مصر المتميز تاريخيا في حق استخدام مياه النيل، ووضعها السياسي كصاحبة القرار في ضمان تدفق المياه وفق معاهدة 1929. سلسلة الأخطاء التاريخية بتقصير نظام العسكر (المعروف بنظام يوليو 1952) تفاقمت بأخطاء دبلوماسية وغياب استراتيجية سياسة أفريقية واضحة في الثلاثين عاما الأخيرة.

إهمال جسيم بغياب تنسيق مصري - سوداني لتأسيس منظومتي تعاون للبلدان النيلية كمجموعتين نهريتين؛ بعد أخطاء نظام مبارك في تفسير ترديد البلدان لنغمة «معاهدة 1929 فصلها الإنجليز على مقاس المصالح المصرية»، رغم عدم قانونية الادعاء أصلا، وللأسف غذى عسكر 1952 هذا الادعاء بمهاجمة بريطانيا وترديد شعارات ببغائية عن الاستعمار.

خذ لترا من نيل مصر أو السودان يستحيل معرفة ماذا كان مصدره النيل الأبيض أم الأزرق، وهو دليل مادي وجغرافي في القانون الدولي لتعريف مصر والسودان، بجمهوريتيه، كبلدان نهرية Riparian states في كل من النيل الأبيض والأزرق. كان يجب أن ترسم مصر استراتيجية لمجموعتي دول نهرية مشتركة المصالح.
أوغندا وكينيا ورواندا وتانزانيا وبوروندي، والكونغو الديمقراطية لا تتأثر بالنيل الأزرق وتدخل مع مصر والسودان بجمهوريتيه في مجموعة النيل الأبيض.
وتضم مجموعة نهر النيل الأزرق مصر والسودانين وإثيوبيا وإريتريا والأخيرتان لا تتأثران بالنيل الأبيض.
تقصير الحكومات المصرية بأقسامها القانونية والدبلوماسية في عدم تأسيس المجموعتين تفريط لا يغتفر في الأمن القومي المصري.
المعاهدات وبروتوكولات استخدام المياه ضرورية بسبب ثغرات القانون الدولي، بشكله الحالي، في حل نزاعات موارد المياه العابرة للحدود. وهي ليست نكتة لكن لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة تجد صعوبة في وضع تعريف قانوني محدد للمياه.
قوانين تنظيم استخدام المياه تختلف من البحيرة، إلى النهر، إلى البحر، عندما تختلط قوانين الملاحة (وبدورها تختلف من نهر إلى بحيرة إلى بحر) مع قوانين الصحة العامة وحقوق الإنسان والاتفاقيات التجارية ولوائح تنظيم الزراعة والري والصرف، والحقوق الروحية أو الثقافية (كسب السكان الأصليون في مستعمرة سييلكيرك حكما قضائيا لأن النهر الأحمر الذي يعبر حدودا مشتركة بين كولومبيا البريطانية في كندا وولاية واشنطن الأميركية هو المكان الطبيعي لصنف من أسماك السلمون تعتبرها القبيلة أجدادها الروحية) بينما الينابيع حيث تمتد المياه الجوفية لأميال، تشكل ساحة صراع قانوني للمحامين، فالقوانين التي تنظم ملكية الأرض والموارد، كالمناجم، لا تصلح للمياه التي لا يمتلكها أحد.
وأصل القانون الدولي أن إدلاء إناء في بئر، أو بحيرة يمنح صاحبه حق ملكية ما يملأ الإناء فقط. منذ نزاعات الثلاثينات في القرن الماضي، وسع المحامون تعريف الإناء المتدلي في البئر لتشمل مواسير نقل، أو طلمبات ضخ، وأحيانا السدود، ليصبح صاحب المياه «الجهة المتحكمة في وسيلة نقل المياه وتوزيعها للاستخدام الإنساني».
ويرجع التعريف تاريخيا إلى سكان جنوب الجزيرة العربية في صياغة قواعد استخدام واستهلاك المياه كمورد طبيعي قدروا قيمته لشحه، بقواعد عرفت «بشرعة الماء»، وانبثق عنها في اللغة العربية كلمات كالتشريع، والشرعية، والشريعة، لأن الحاجة لتنظيم استخدام هذا المورد للاستمرار على قيد الحياة سبقت الحاجة لتنظيم المشاركة في الموارد الطبيعية الأخرى.
وتضاعفت صعوبات تنظيم الاستفادة الأمثل للمجتمعات المشاركة في استخدام المياه، والمستفيدة أو المتضررة من مشاريع تطوير استخدام المياه بعد إدخال وسائل نقل وتخزين ضخمة تحت إطار التعريف القانوني لوعاء رفع المياه من المصدر كالسدود، لتتفاقم النزاعات أمام المجتمع الدولي في مجاري المياه أو البحيرات العابرة للحدود. ابتكر البنك الدولي الوسيلة الأمثل (حتى الآن)، عندما تلجأ إليه الحكومات لتمويل المشاريع الهيدرولوجية، كالسدود. ففي 1949 أصر البنك أن يعاد تصميم مشروع سد في شمال الهند كي تشارك المجتمعات الريفية في كل من الهند وباكستان في فوائده، وانصاعت الحكومتان للأمر. وتكرر الأمر في منتصف الخمسينات بين تركيا وسوريا، برفض تمويل مشاريع السدود التركية بلا ضمان استفادة المزارعين السوريين منه.
وطلب البنك الدولي لتمويل بناء السد العالي في مصر، أن تتوصل القاهرة إلى اتفاق مع البلدان المجاورة (السودان والحبشة) التي قد يؤثر المشروع عليها، سواء بتقديم زيادة في حصصها المائية من الخزان وراء السد، أو بمد أسلاك كهرباء من محطة التوليد لتزويدها بالطاقة. ولو كان نظام عسكر يوليو قبل سياسة البنك الدولي المعقولة، في إطار معاهدة 1929 بامتيازاتها الكبيرة لمصر، لكان المحامون الدوليون المصريون أرسوا قواعد نظام قانوني هيدرولي لحوضي النيل الأبيض والأزرق بشروط إيجابية لمصر، وكان البنك الدولي على استعداد وقتها لتمويل مشروع تعميق مجري النيل الأبيض في أقاصي جنوب السودان حيث يزيد ما يفقد من التبخر في موسم واحد، لضحالة المجرى وارتفاع الحرارة، على أضعاف ما قد تخزنه الحبشة في عامين من سد النهضة. الغريب أن النظام الناصري أخفى هذه المعلومات عن الشعب وادعى أن البنك الدولي رفض التمويل، ودخل مغامرة تأميم قناة السويس تسع سنوات قبل انتهاء عقود الامتياز، فأدت إلى حرب السويس، ثم التنازل عن حقوق مصر التاريخية في اتفاقية 1959 لاستعمال مياه النيل.
ولا بد من دراسة الحقائق والمعلومات التاريخية (وليس البروباغندا الناصرية التي لا علاقة لها بالأحداث على أرض الواقع) والخروج بصياغة قانونية في إطار الحقوق التاريخية وما يمكن أن تقدمه مصر من مساعدات كحسن نوايا قبل الإقدام على خطوات حل النزاع في المحاكم الدولية، وهذا حديث قادم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق