بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 25 يونيو 2013

مصر من خريف الغضب إلى صيف التذمر - إميل أمين *

هل مصر اليوم تعيش صيف التذمر كما عاشت في أواخر 1981 خريف الغضب؟
علامة استفهام تملأ الشارع المصري، وتشغل العالم من حوله، لا سيما في ظل حالة التشظي الإيديولوجي التي تعيشها البلاد بين فريق رافض لحكم الإخوان المسلمين ومُطالب برحيل الرئيس محمد مرسي، وآخر يذهب في اتجاه مضاد فيرى أن المساس بمكان الرئيس ومكانته انقلاب على الشرعية.
يحمل صيف 2013 لمصر حالة من التذمر التي تكاد تلامس حدود الانفجار إن لم تتدارك معجزةٌ ما مصر، بخاصة في ظل غياب المثل والرمز، واختفاء الأيقونة التي يسير من خلفها المصريون مشددين ومعضدين، لا سيما ان الرئاسة فرض قانون في حين أن الزعامة حرية اختيار، والزعيم الأصيل والنموذج التاريخي منه خصوصاً لا تتحقق زعامته بادعائه، وإنما تثبت تلك الزعامة وتترسخ من خلال القبول الطوعي به من أطراف أخرى قد لا تتفق ومجمل توجهاته.
هل غابت عن مصر هذه الزعامة طوال العام الماضي؟
الحال يغني عن السؤال وأزمات مصر شاهدة، تنقسم إلى مسارين، الأول سياسي اجتماعي يتمثل في انقسام مجتمعي أفقي ورأسي معاً، وتحلل وتفكك للنسيج القومي المصري الذي ظل مضرب الأمثال لآلاف السنين، والثاني اقتصادي مالي مأزوم حتى الاختناق يتجلى في أزمات وقود وبطالة متزايدة وارتفاع في أسعار السلع والخدمات واحتياطي نقدي متآكل وديون خارجية وداخلية غير مسبوقة.
يجري هذا كله في إطار استقطاب سياسي عام يلف شمل جميع المصريين بالمقدار نفسه الذي كانت عليه البلاد عشية خطاب الرئيس الراحل أنور السادات في 5 أيلول (سبتمبر) 1981 والمعروف بخطاب الاعتقالات الشهير.
هل من سبيل للخروج من «صيف التذمر»، والتعبير هنا للموضوعية والأمانة العلمية للباحث الأميركي اريك تراجر، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى؟
واقع الحال يشير إلى أن هناك حالة انسداد تاريخي حقيقي واقعة فيها جميع الفصائل المصرية، ولهذا تبدو آفاق العودة إلى نقطة الصفر عشية ثورة 25 يناير قائمة من جديد، مع مخاوف من احتراب أهلي وطائفي ومواجهات دموية لم تألفها مصر... فهل تسمح القوى الدولية وفي مقدمها واشنطن بحدوث اختلالات هيكلية كهذه في جسد دولة محورية مثل مصر، مع مراعاة استحقاقات تلك الاضطرابات على بقية دول الشرق الأوسط المثخنة بالجراح، من سورية إلى العراق مروراً بلبنان والأردن وصولاً إلى ليبيا والسودان؟
الثابت أن الرئاسة والحكومة في مصر بعيدتان كل البعد من فلسفة المواءمات السياسية أو التوافقات الحزبية، وخير دليل على ذلك تلك الذهنية التي جاءت بالمحافظين المصريين الجدد، وغالبيتهم من أهل الثقة الإخوانية وبعضهم سبّب للمصريين تعميقاً للشرخ النفسي كما في حال محافظ الأقصر، وأصاب مصر بانتكاسة واضحة في عالم السياحة.
معنى ذلك أن مصر على شفا صيف الانفجار بالفعل، وما يهم واشنطن وتل أبيب وبقية العواصم الأوربية يتمثل ولا شك في منطلقات ثلاثة:
أولاً: معاهد السلام المصرية-الإسرائيلية، وما يمكن أن يتهددها حال طرح فكرة الهروب الاخواني إلى الأمام، أي تصدير إشكاليات وصراعات الداخل إلى الخارج، والأوضاع في سيناء مرشحة بالفعل لذلك، بخاصة في ظل وجود عناصر غريبة عن الوطن ولا ولاءات لها لمصر.
ثانياً: ما يشغل العالم شرقاً وغرباً هو امن قناة السويس وسلامة الملاحة فيها، وهو أمر قابل للتأثر في شكل سلبي حال حدوث اضطرابات أهلية، وأحوال مدن القناة ملتهبة بالفعل ورافضة لسياسات الرئاسة والحكومة معاً.
ثالثاً: استمرار حالة التعاون المصري في مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، وقد بات الالتزام بهذا التعاون مصدر شك وقلق عند القائمين على أعمال المكافحة الدولية، لا سيما بعد خطاب الرئيس المصري الأخير وحديثه عن الجهاد في سورية، عطفاً على تنامي تيار الجهادية السلفية في البلاد، لتزداد بذلك المخاوف الأمنية.
هل لواشنطن والمجتمع الدولي أن يستكينا في مواجهة مثل هذه الأوضاع؟
حكماً، لم يكن من الغريب ولا المثير أن تخرج توصيات سياسية واستخباراتية أميركية إضافة إلى رؤى لمراكز بحثية ذات نفوذ تمضي في طريق إلزام واشنطن العمل مع القادة العسكريين المصريين لتفعيل خطط طارئة إذا ما اشتعل صيف التذمر الذي تمر فيه البلاد؟

هل باتت الجيوش لا القوى السياسية أو الأحزاب هي الجواد الرابح لواشنطن في المنطقة بعدما فشلت في شراء قوى الاعتدال نظراً الى قصر نظر رؤيتها الإستراتيجية وقصور فهمها للسياقات الإنسانية والتاريخية بل الدينية لشعوب هذه المنطقة من العالم؟
يمكن الجزم الآن بأن «الربيع العربي» قد أكد أن القوات المسلحة في العالم العربي أكثر المؤسسات استيعاباً للأحداث التي مرت وتمر بها بلدان الصحوة العربية، وعليه فإن العسكر اليوم بات من جديد وفي مصر تحديداً صمام الأمان، بعدما تعالت الأصوات الزاعقة وارتفعت الرايات الفاقعة بهتاف «يسقط يسقط حكم العسكر».
هل رسبت مصر في سنة أولى ديموقراطية؟

قد يتأكد الرد بالإيجاب مع الأيام القليلة المقبلة، غير انه حتماً باتت مخاوف صيف التذمر تخيّم على مصر والمصريين الذين يبحثون الآن عن شخصية كاريزمية تمشي على قدمين، وعن رجل نفوذ حقيقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق