بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 21 يونيو 2013

رحلة الى الحدود التركية السورية - أنشل بابر - صحيفة هآرتس الصهيونية


أول ما يلاحظه المرء عند الدخول الى مدينة ديار بكر هو زخم البناء الهائل. أرتال من الجرافات والاليات الضخمة تشق الطرق ومئات أبراج السكن تبنى في أرجاء المدينة الكبرى في الاقليم الكردي جنوب شرق تركيا. وفي نظرة ثانية يرى المرء جموع المدمنين على المخدرات ينبطحون على مدى ساعات النهار في كل حديقة عامة، في زوايا الشوارع وفي بوابات سور المدينة القديمة الهائل. المدمنون على المخدرات هم الدليل الاوضح الذي تبقى من نحو ثلاثة عقود من الحرب المضرجة بالدماء بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني المعروف أكثر بالاحرف الاولية من اسمه الـ’ ب.ك.ك’.
المدمنون هم في معظمهم لاجئون جاءوا الى ديار بكر من الاف القرى الكردية التي هجرت في سنوات القتال. وهم لم يجدوا عملا في المدينة، ولكن المخدرات الرخيصة كانت وفيرة. واتهم الحكم التركي الـ ‘ب.ك.ك’ في أنه مول اعماله من تجارة المخدرات، وبالمقابل، اتهمت منظمات المعارضة الكردية ضباطا أتراكا كبارا بادارة شبكات تهريب المخدرات. وعلى حد قولهم، كانت للسلطات مصلحة في تخدير الشباب الاكراد. ولكن يبدو أن الطرفين شاركا في التجارة. عمليات استعراضية للشرطة التركية في السنتين الاخيرتين، وضعت فيها اليد على الاف الكيلوغرامات من الهيروين والماراغوانا، لم تغير حقيقة أن ديار بكر هي مركز عالمي لتجارة المخدرات. وقد انتهت حملة الارهاب الكردية والقمع الاجرامي التركي رسميا، ولكن عشرات الاف المخدرين في شوارع المدينة بقوا إرثا للحرب.
قبل ثلاثة اشهر نشر الزعيم المحبوس لحزب العمال الكردي، عبدالله اوجلان بيانا عن انهاء الكفاح المسلح ضد تركيا. وأعلن رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان عن عملية المصالحة، ومئات الاف الاكراد ملأوا شوارع ديار بكر وهتفوا للسلام. وتدفع الحكومة الان مبالغ هائلة نحو تنمية المدينة والمنطقة، واختفت الحواجز العسكرية على الطرق المركزية في الاقليم، ولم يعد الجيش يظهر في الشوارع. بعض من افراد الشرطة لا يزالون يقودون سيارات جيب محصنة، ولكن معظمهم باتوا يسافرون في سيارات دورية عادية.
مصالح عديدة حركت الطرفين للاتفاق على وقف النار والمواظبة في عملية المصالحة ليس فقط تعب ملايين المواطنين الاكراد من العنف الذي لا يتوقف والرغبة في تنمية المنطقة المهملة. فتركيا توثق علاقاتها مع الحكم المحلي لاقليم كردستان في شمال العراق، وفي الشهر القادم سيدشن انبوب نفط جديد، مليونا برميل نفط ستتدفق فيه كل يوم في غضون بضع سنوات، يفترض بها أن توفر كل احتياجات الطاقة للاقتصاد التركي المزدهر. وتخدم الشراكة التركية في تنمية حقول النفط الهائلة للعراق (مع مستثمرين من الصين) الطرفين إذ تمنح الحكم الكردي الاقليمي درجة من الاستقلالية عن الحكم الشيعي المركزي في بغداد، وتهدئ ايضا الاصوات للاستقلال الكردي داخل تركيا.
مَن مِن شأنه أن يخرق هذه الحالة المثالية هو الضلع الثالث في الامة الكردية سورية. في الاسابيع الاخيرة اصبح الاقليم الكردي في شمال شرق سورية، الذي حافظ في السنتين الاخيرتين على هدوء نسبي، ساحة صراع عنيفة بين حزب PYD ، الجسم الكردي السياسي المركزي في سورية، والثوار السوريين الاسلاميين. فـ PYD يتهم من بداية الحرب الاهلية في أنه يتعاون مع نظام الاسد ورجاله يسيطرون على مواقع أخلاها الجيش السوري قبل سنة. ويعتبر الـ PYD حليفا لـ ‘ب.ك.ك’ وحزب PUK العراقي، المعارضة المركزية للحكومة الكردية برئاسة مسعود بارزاني.
وتوسط بارزاني بين الاحزاب الكردية السورية الاخرى كي يخلق المجلس الكردي الوطني الذي سيحاول الدفع الى الامام بسياق من الحكم الذاتي الكردي، ومنع الحرب الاهلية من المس بالمنطقة الكردية. ولكن في هذه الاثناء، بقي هذا الجسم ضعيفا وعديم القوة العسكرية ذات المغزى.
في محاولة استفزاز لتركيا وبارزاني، رفع رجال PYD اعلان الـ ‘ب.ك.ك’ على مبانٍ عامة تحت سيطرتهم. وأدى الاستفزاز الى تهديد من جانب رئيس الوزراء اردوغان، بانه ‘لن يسمح باقامة شبكة ارهاب’ على حدود تركيا، الامر الذي فسر كتهديد بالهجوم.
‘تركيا تحاول التعامل مع الاكراد على أساس فرق تسد’، قال ناشط كردي يتماثل مع ال’ ب.ك.ك’ طلب عدم ذكر اسمه. ‘هم يواصلون سياسة عشرات السنين من قمع الشعب الكردي والان رغم الاحاديث عن السلام، فانهم مستعدون لمقاتلة الاكراد في سورية اذا ما رفعوا الرأس′.
أكراد كثيرون في تركيا مقتنعون بانهم اذا أعربوا عن تضامنهم مع الاكراد في سورية، فانهم سيتعرضون للاعتداء ليس فقط من قوات الاسد، بل وايضا من الشيعة من لبنان ومن العراق، بدعم الايرانيين. ويقول الناشط ‘مع أن اردوغان بطل كبير ضد الاسد، ولكنه لن يحمينا من حزب الله’. ومن الجهة الاخرى يدعي معارضو الـ ‘ب.ك.ك’ ضدهم بانهم عقدوا حلفا مع الاسد وايران. خليل، لاجئ كردي وصل الى تركيا قبل بضعة اسابيع من مدينة القامشلي في سورية، القريبة من مثلث الحدود سورية تركيا العراق، يدعي انه ‘في المدينة يوجد منذ الان شيعة من العراق وضباط ايرانيون وهم يقاتلون ضد المنظمات الكردية المؤيدة للثوار’.
لمخاوف اردوغان من انتشار التوتر الكردي الداخلي في الطرف السوري الى تركيا يوجد أساس. فالنظام الشيعي في العراق يحاول السيطرة على مشروع النفط، وسيسر ايران ان تنتقم من تركيا على دعمها للثوار في سورية، وبين الاكراد الاتراك لا يزال هناك كثيرون يشعرون بان تصريحات المصالحة الصادرة عن اردوغان هي من الشفة وخارجا. أحمد قدير، طالب في البلدة الجبلية مردين نحو 30 كم عن الحدود السورية، يدعي ان التمييز ضد الاكراد في تركيا لم ينتهِ’. مردين، التي مثل مدن اخرى في المنطقة كثيرة المباني التاريخية القديمة تشهد الان فترة ازدهار مع وصول الاف السياح وافتتاح الفنادق الجديدة. ولكن قدير يدعي ان ‘من يستفيد من هذا اساسا هم الاتراك من اسطنبول وليس الاكراد المحليين’.
وينظر الكثير من الاكراد بشك الى الخطط الكبرى لحكومة أنقرة لتنمية المنطقة. مشروع سد اليسو مثلا يفترض ان يسمح بري اراض واسعة في المنطقة،

ولكنه يهدد ايضا باغراق مواقع تاريخية في البلدة القديمة حسنكيف. كما تخطط الحكومة لاقامة قاعدة اخرى للجيش التركي في الاقليم. وبالمقابل فان الكثيرين ممن تعبوا من سنوات القتال يدعون ان اغلب الاكراد معنيون الان بالاقتصاد وبالتنمية، وليس باحلام الاستقلال. وعلى حد قولهم، فان الاكراد في معظمهم لم يؤيدوا في اي مرحلة الـ ‘ب.ك.ك’.

‘السد سيجلب ازدهارا هائلا للمنطقة’، يقول مدير شركة سياحية في ديار بكر، محمد عريف. ‘خسارة أن هذا سيضر بعدة مواقع تاريخية، ولكن أغلب الناس هنا يريدون ببساطة أن تتقدم المنطقة وتتمتع بالازدهار القائم في باقي تركيا. نحن لا نحب اردوغان، ولكننا لن نقف في طريقه حتى لو قرر ضرب عدة ارهابيين أكراد سوريين يحاولون تدميرنا جميعا’.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق