بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 يونيو 2013

يا على غزة ... يا على المزّة - حسن البطل - رام الله


ما هو الفرق بين حبة: القُزحة" و"حبة البركة"؟ كلاهما سوداوان. في كل أيلول، أتذكر تلك القزحة، فمنها كانت الوالدة تعدّ عجينة حلوى يحبها أخوتي ولا أحبها. وهذه، بدورها، تذكرني بسجن المزة الشهير، الرابض على رابية من روابي دمشق.
سجن المزة الرهيب ذاته يذكرني باليوم التالي للانفصال السوري عن الجمهورية العربية المتحدة. كأنني كنت أنا المعني تماما بذلك الهتاف المنكر: "يا على غزة يا على المزة".
صرت أكره يوم 28 أيلول الأسود، لأنه يذكرني، كفلسطيني، بأحد خيارين: المزة أو غزة.. وسيّان ان كانت القزحة هي الحبة السوداء المباركة، أو بذرة تشابهها كما يشبه القمح الشعير، فهذه الحلوى التي ما أحببتها قط، صرت لا أطيقها قطعاً.
كان أخي سجينا في سجن المزة، لأنه كان قوميا سورياً، وكان يحب حلوى القزحة التي تجيدها أمي.. التي تضطر لتذوقها أمام الحارس الشكاك، مربدّ الوجه .. وتذويقي إياها، ليتأكد ان الحلوى السوداء ليست مسمومة.
لذلك، عندما هتف بضع عشرات من الانفصاليين السوريين في وجوه فلسطينيي سورية: إما على المزة؛ وإما الى غزة، تصورت نفسي نزيل ذلك السجن الرهيب، وتزورني أمي، مرّة كل شهر، حاملة لي ولأخي حلوى سوداء يحبها بقدر ما أكرهها.
خرج أخي من سجن المزّة قبل الوحدة السورية - المصرية، لكن قضباناً صارت تعزل بيني وبينه، منذ صبيحة 28 ايلول. هو "السوري القومي" كان مع الانفصال، وأنا العروبي "الناصري" كنت ضده. بل قمت، مع زميل فلسطيني وآخر جزائري في المدرسة الثانوية، بتهييج المدرسة والبلدة ضد الانفصاليين. سقط قتلى كثيرون وجرحى اكثر في "معركة دوما" ضد الانفصال؛ المقاومة الشعبية المسلحة الوحيدة دفاعا عن الوحدة. في سنوات لاحقة، سينقلب الطريق على الطريق .. وانقلب معه، وسيؤدي الطريق الجديد الى غزة، وأما "الوحدة طريق فلسطين" فستقودنا الى مذبحة في تل الزعتر.. وأشياء اخرى كبيرة (وتصغر باستمرار) او صغيرة (وتكبر باستمرار).
وجدت في حانوت برام الله شيئا سائلا في علبة، له لزوجة ثقيلة مثل "الطحينة".. لكنه اسود اللون. كان ذلك السائل "حبة البركة". اشتريت العلبة. فتحتها. أخذت "لحسة" .. ثم رميتها. لن يهددني أحد: غزة او المزة.
***
اذهب الى غزة كلما عنّ لي ان اذهب، فأنا أحب هذه المدينة لأسباب بينها كراهيتي لذلك الهتاف في ساحة "السبع بحرات" بدمشق، صبيحة 82 أيلول 1961
في صبيحة 18 تموز 1963 لم أعد ناصريا، منذ قاد الضابط الناصري جاسم علوان فدائيين فلسطينيين للهجوم على قيادة الأركان العامة السورية في "ساحة العباسيين" فقادهم الى فخ قاتل.. لم ينج منه أحد.
.. ثم لم أعد "عروبياً " او "وحدويا " منذ يوم 11 حزيران 1967، لأن جارا سوريا شاميا كان يشتم "الفلسطينيين الناصريين" في زمن الانفصال، صار يريد الهروب الى حلب.
عندما وصلت البنادق جامعة دمشق للدفاع عن المدينة، كانت من طراز 1936 الفرنسية، وكانت غارقة بالشحم. وتولى شاعر فلسطيني غزي (مغمور الآن) يدعى الهواري توزيعها، فإذا بمعظم البنادق تصل أيدي الطلبة الفلسطينيين، وبعضهم من غزة كان يدرس في الجامعة.
***
لم يسألوا الفلسطينيين في سورية رأيهم بالوحدة، او يسألوهم رأيهم في الانفصال.. لكن، شبيبة فلسطينية من جيلي لن تنسى ذلك، الهتاف: غزة أو المزة.
.. وأنا لن أشفى من كراهيتي لسجن المزة، أو لحلوى "القزحة " السوداء. لا يزال أخي يحبها. وذهب شجارنا حول الوحدة والانفصال إلى طي النسيان.
أي ولد احمق كنته في ذلك اليوم، ذلك العام.. في تلك الحقبة؟! كان الهتاف الفارغ يملأ رؤوسنا، ثم صارت أقسى الوقائع تمر علينا الهوينى. لكن، يبقى في الطفولة هذا الشيء العذب الوحيد: أن تكره بلا سبب مقنع، أو ان تحب بلا سبب مقنع. ويحصل ان تكره "الحبة السوداء" و"القزحة " وسجن المزة، والانفصاليين من حيدر الكزبري الى ناظم القدسي.
.. وربما وصلت غزة بفضل هتاف جماعتهم: غزة أو المزة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق