بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 2 يوليو 2014

عام على ثورة أم انقلاب 30 يونيو؟ - محمد شومان


صور مظاهرات مصر - صور مظاهرات ميدان التحرير
عنوان المقال يعبّر عن حالة الحيرة والصراع والاستقطاب السياسي في مصر وخارجها إزاء حدث تاريخي كبير، لا يوجد اتفاق على توصيفه أو نتائجه، والأهم لا توجد رؤية أو مسارات واضحة لشكل المستقبل الذي يجرى تصنيعه انطلاقاً من شرعية هذا اليوم والذي شهد خروج غالبية المصريين مدعومة من الجيش ضد حكم «الإخوان».

الحدث والذكرى لا يزالان موضوعاً للصراع، والتاريخ لا يزال حائراً في كتابة التفاصيل، لأن المنتصر كالعادة يكتب ما يشاء، وبالطريقة التي تخلق شرعيته وتعززها، ومع ذلك فإن انتصاره غير مكتمل ومثير للقلق والاستقطاب في المجتمع، حتى إنه - أي المنتصر - غير قادر على الاحتفال في الميادين بمرور عام على انتصاره! ربما خوفاً من عنف المهزوم، وربما لأن بعض حلفاء المنتصر غير راضين عن نتائج وتداعيات العام الأول على «30 يونيو». في المقابل يعيد المهزوم إنتاج فشله السياسي ويؤكد عجزه عن تجديد أفكاره وأساليبه في العمل والتنظيم، وبالتالي يواصل إنكار الحقائق على الأرض والصدام مع غالبية المصريين الذين تعاطفوا معه سنوات طويلة ومنحوه دعماً غير مسبوق في ثلاثة استحقاقات انتخابية أُجريت بعد 25 كانون الثاني (يناير). في هذا السياق يمكن إبداء الملاحظات الآتية:
أولاً: إن نتائج «30 يونيو» وما تلاها من أحداث غير واضحة المعالم على رغم نجاح عملية كتابة الدستور والانتخابات الرئاسية، فلم تتحسن أحوال المصريين على رغم التخلص من أخطار حكم «الإخوان»، ولم تقدم إجابات واضحة عن شكل النظام السياسي الجديد، ودور «الإخوان» والسلفيين فيه، وهل يتقدم النظام السياسي نحو التحول الديموقراطي أم ينقلب عليه لدواعي الأمن ومواجهة «الإخوان» والإرهاب، وهل يمكن الحد من العنف والاستقطاب في المجتمع من خلال حلول سياسية تقوم على الحوار والمصالحة أم أن لا بديل من الحل الأمني المكلف اقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً؟ كل هذه الأسئلة مشروعة لكنها تُطرح على استحياء في مناخ الاستقطاب والشعبوية المعادية والخائفة في الوقت ذاته من «الإخوان» والدول الخارجية التي تتآمر ضد مصر، هذا المناخ الذي برر ولا يزال ارتفاع معدلات العنف والقتل والسجن وأحكام الإعدام في العام الماضي بنسب غير مسبوقة في تاريخ مصر المعاصر! لكن الشعبوية بحكم طبيعتها قد تنقلب إلى النقيض إذا استمرت الأزمة الاقتصادية بكل تجلياتها، واستمرت معاناة المصريين من انقطاع الكهرباء والمياه وارتفاع الأسعار وغياب الأمن، ذلك أن خريطة الطريق والدستور وانتخاب الرئيس لا تعني الكثير بالنسبة الى غالبية المصريين التي لم تشعر بتحسن ولو طفيف في حياتها اليومية، بل إن معاناتها قد ترتفع في ظل رفع متوقع لأسعار الطاقة، وبالتالي أسعار السلع والخدمات الأساسية.
ثانياً: ضرورة تحليل وتقويم مسار الأحداث في العام الأول لما بعد «30 يونيو» بوعي نقدي لا يقع أسير الخوف من «الإخوان» والدولة الدينية فقط، ويرفض التضخيم من فكرة المؤامرة الخارجية التي تستهدف مصر وتحولها إلى نموذج شبيه بما يجري في العراق أو سورية أو ليبيا، لأن مصر مختلفة كثيراً عن بقية الدول العربية، ولا بد من أن يتجاوز الوعي النقدي في التعاطي مع «30 يونيو» ونتائجها خلال عام استلهام تجارب السوفيات أو الصينيين والانقلابات العسكرية في المنطقة العربية منذ الخمسينات، بما فيها الناصرية التي تبدو ملهمة لقادة 30 يونيو وللنزعة الشعبوية التي تسيطر على الفضاء السياسي المصري. بكلمات أخرى لا مجال لتحليل وتقويم ما يدور في مصر استناداً إلى تجارب ماضوية تقوم على الدور المركزي للدولة في الاقتصاد والحزب الواحد والزعيم الملهم، واستبدال أو حتى تأخير الحريات والديموقراطية لمصلحة مواجهة أعداء الخارج والتنمية والعدالة الاجتماعية. فكل هذه المداخل صارت مرفوضة بحكم الزمن والتطور الإنساني، لكن ما يثير المخاوف أن الخطاب السياسي في مصر منذ «30 يونيو» يميل إلى تفضيل الأمن ومواجهة مؤامرات الخارج على الحريات والتحول الديموقراطي الحقيقي، وغالباً ما يروج لذلك تحت عنوان استعادة قوة الدولة، أو التحول من الثورة إلى الدولة، من دون إشارات واضحة الى ضرورات إصلاح الدولة وتحديثها، بخاصة الأجهزة الأمنية التي عادت إلى صدارة المشهد نتيجة تصاعد العمليات الإرهابية واستمرار التظاهر وأعمال الشغب والإزعاج التي تقوم بها جماعة «الإخوان المسلمين».
ثالثاً: لا يمكن اعتبار 25 يناير 2011 أو 30 يونيو 2013 ثورتين، كما لا يمكن التسليم بمقولة إن «30 يونيو» هي الموجة الثانية المكملة لثورة 25 يناير، لأن الأخيرة ليست ثورة، بدليل أنه لم تحدث حتى اليوم تغييرات حقيقية في بنية السلطة والثروة، كما لم يتحقق العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية، وبالتالي تظل «25 يناير» انتفاضة شعبية أطاحت قطاعاً من النخبة الحاكمة. في السياق ذاته تعتبر «30 يونيو» انتفاضة شعبية أطاحت حكم «الإخوان»، كما يظل دور الجيش حاضراً في «25 يناير» و «30 يونيو»، ومع ذلك لا يمكن القول إنهما انقلابان عسكريان، فقد لعبت الحشود المليونية الدور الأهم في الانتفاضتين، وكان دور الجيش الحامي للشعب والفائز بالسلطة! مع ملاحظة أن دور الجيش كان أكثر تأثيراً وبروزاً في «30 يونيو» حيث عاد الجيش الى السياسة بقوة بعد أن أبعدته أخطاء المجلس العسكري الذي أدار البلاد بعد رحيل مبارك، وكانت عودته في شكل إحياء لبونابرتية جديدة جسّدها قائد الجيش ووزير الدفاع والرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.
لقد ادى ضعف القوى المدنية وأخطاء «الإخوان» وتعب غالبية المصريين من الثورة وعدم الاستقرار الى المساهمة في زيادة شعبوية السيسي وبررت كل هذه العوامل التعامل معه كبطل قومي أنقذ الوطن، وهي عوامل لم تتوافر للمجلس العسكري أو وزير دفاع مبارك المشير طنطاوي.
رابعاً: سرعة انهيار تحالف القوى المدنية المدعوم من الجيش والذي صنع «30 يونيو» وخريطة الطريق، حيث رفضت أو تحفظت غالبية القوى المدنية وشباب الثورة على الحل الأمني الذي لجأت إليه الدولة في مواجهة «الإخوان» والارهاب، ما سمح بعودة القوى القديمة المحسوبة على نظام مبارك (الفلول)، والذين شاركوا بفاعلية في «30 يونيو»، ونجحوا في استعادة مكانتهم وإقصاء القوى الشبابية الثورية وتشويهها في إطار عملية كبرى من الهيمنة على الإعلام، والتلاعب بعقول وعواطف الرأي العام لإعادة كتابة تاريخ أحداث 25 يناير وربطها بمؤامرة خارجية نفذها «الإخوان»، ما يعني صراحة أو ضمناً إبداء التعاطف والدعم لسياسات مبارك! والإشكالية هنا أن «الفلول» يتعاملون مع القوى المدنية الثورية بمنهج ثأري وإقصائي واستحواذي (منهج «الإخوان» في التعامل مع القوى المدنية و «الفلول») خصوصاً بعدما ربطوا أنفسهم أثناء الانتخابات الرئاسية بالسيسي، ما أدى إلى:
1- استقطاب وصراع بين «الفلول» والقوى الثورية يدور حول طبيعة «25 يناير» وعلاقتها بـ «30 يونيو»، والأمن أو الحريات والديموقراطية، وقوانين التظاهر والانتخابات البرلمانية والطعن على عقود الدولة وغيرها.
2- تعميق شعور قطاعات واسعة من الشباب بأن مسار ونتائج خريطة الطريق لا تعبر عن مصالحهم وطموحاتهم، ما يضاعف من مشكلات احتواء الشباب وتوظيفهم في مرحلة بناء النظام الجديد وتدعيم شرعيته، ويلاحظ هنا مقاطعة قطاعات واسعة من الشباب للاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية.
3- إضعاف معسكر الداعمين للرئيس السيسي، ما يصب في مصلحة «الإخوان المسلمين».
خامساً: تراجع العمل الحزبي والتضييق على المجال العام وحرية الإعلام، وتنامي دور الدولة والأجهزة الأمنية في مواجهة الأحزاب، ما يعني حصر الصراع السياسي بين الدولة (الجيش) و «الإخوان»، وتجريده من السياسة لمصلحة العنف والعنف المضاد، والحقيقة أن هذه هي معادلة السياسة والحكم في مصر منذ 1952، حيث كانت تلعب الأحزاب والقوى المدنية دوراً محدوداً وتابعاً لطرفي هذه المعادلة التي كانت نتائجها محصورة دائماً في إذعان «الإخوان» أو ترويضهم أو توظيفهم لمصلحة ضرب القوى المدنية وتبرير الاستبداد، وقد شهد العام الماضي إعادة الحياة الى هذه المعادلة التعيسة، حيث تحالفت الأحزاب والقوى المدنية وشباب الثورة مع الجيش للإطاحة بـ «الإخوان» في 30 يونيو، لكن سرعان ما تراجع دورها السياسي وصدرت أحكام بالسجن على عدد من أهم رموز شباب الثورة، فضلاً عن هيمنة إعلام الصوت الواحد.
ان تراجع السياسة بمعنى الاختلاف والتنافس واحترام الآخر لا يرجع فقط الى ضعف الأحزاب المدنية وأمراض النخبة وانقسامات شباب الثورة، لكنه يرجع في الأساس إلى تراجع الحريات تحت مبررات الأمن والاستقرار والحرب على «الإخوان» والإرهاب والتي تدعمها المخاوف الشعبوية التي يضخمها إعلام غير مهني، وموالٍ للسلطة الجديدة. لقد كانت «25 يناير» تحمل بدايات تغيير لمعادلة «الإخوان» – الدولة (الجيش) نحو صراع سياسي حقيقي في المجتمع، لكن هذه البداية تعثرت سريعاً بسبب طمع «الإخوان»، أي الطرف المهزوم تاريخياً أو الضحية في التماهي مع الجلاد وتقليد أسلوبه في الهيمنة وإقصاء الآخرين، إضافة طبعاً إلى مقاومة الدولة و «الفلول».
سادساً: الشعور العام بأن هناك إعادة إنتاج لدولة ورجال مبارك مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة، ويبدو أن هذا الشعور سينال مزيداً من الدعم في حال فاز «الفلول» بغالبية مقاعد البرلمان، وهو الاحتمال المرجح حتى الآن في ظل إجراء الانتخابات بنظام الدوائر الفردية مع تخصيص خمس المقاعد فقط للقوائم المطلقة، وهو نظام لا يدعم الأحزاب والقوى الثورية ولا يحقق المساواة بين المرشحين في كثير من النقاط، ما يعرضه للحكم بمخالفة الدستور. لكن النظام الانتخابي المقترح يسمح للقوى التقليدية في الريف والمال الانتخابي بالفوز في الانتخابات، وكانت هذه القوى تلتحق تاريخياً بحزب الرئيس (الحزب الوطني في حكم مبارك) المندمج في الدولة وبالتالي تدخل ضمن معادلة الدولة (الجيش) في مواجهة «الإخوان». لكن الإشكالية الآن أن الدولة أو الرئيس ليس لهما حزب، ويحسب للسيسي رفضه تشكيل حزب يدعمه، ما يربك القوى التقليدية ويدفعها إما الى بناء ائتلاف حزبي واسع من أحزاب متقاربة سياسياً، أو خوض الانتخابات كمستقلين، وفي الحالتين من المرجح أن يبحث النواب «الفلول» عن الحزب أو الائتلاف الأقرب الى الرئيس السيسي أو الأكثر تأييداً له، في الوقت الذي لن يرفض فيه الرئيس دعم غالبية البرلمان. القصد أن معادلة صراع الدولة (الجيش) ضد «الإخوان» ستستمر ولكن في صيغ وأشكال جديدة أهمها أن السيسي لن يكون رئيساً لحزب أو ائتلاف الغالبية في البرلمان.

 * كاتب مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق