بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 يوليو 2014

محاولة لإخراج فلسطين من النفق

بعد مذابح لا عد لها ولا حصر في العالم العربي لم تغيّر في خطوط الطول والعرض السياسية العالمية على المقاومة الفلسطينية ألا تراهن كثيراً على «ضمير العالم» وارتباكه أمام الوحشية الإسرائيلية، ولربما عليها أن تستنتج العكس وهي المعتبرة إرهابية (ونتحدث هنا عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و»الجهاد الإسلامي» وعموم الفصائل التي تقاوم إسرائيل بالسلاح) لدى الدول الكبرى (بما فيها، عملياً، روسيا).
الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، أعلنوا فعلياً تأييدهم للعملية العسكرية الإسرائيلية، بمرحلتي القصف الجوي والبحري والبرّي، ثم مرحلة الاجتياح، طالبين من تل أبيب «توخي الحيطة والحذر» أثناء قيامها بمذبحتها الجماعية للفلسطينيين، بينما تشاغل الباقون بتسجيل حضور دبلوماسيّ هنا أو هناك لتسليك «المبادرة المصرية» التي طبخت في القاهرة برعاية «كريمة» من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ومعرفة الخارجية المصرية والطاقم الإسرائيلي الأعلى رتبة، وقيل (على ذمة البعض) إن الرئاسة الفلسطينية «أخذت علماً» بها.
لا يعني ذلك، بالتأكيد، أن قصص الإجرام الإسرائيلي، التي يقوم الإعلام الغربي بتغطيتها (حتى لو كانت تغطية تفتعل المهنية وتمرّر حجج تل أبيب حول «حقها في الدفاع عن نفسها») لن تؤثر في الرأي العام وفي إحصائيات «غوغل» ورسائل «تويتر» و»فيسبوك»، وكلها عوامل تدخل في حسابات الدبلوماسية الغربية، ولكن الدروس العربية تدلّ أن تلك طواقم الدبلوماسية الغربية صارت في حاجة لمكر أكثر لتمرير أكاذيب مفضوحة عن «إرهاب» حماس و»دفاع» إسرائيل عن نفسها فيما ميزان الدم يفيض بجثامين مئات الفلسطينيين، وأن تلتحف بجلد التماسيح نفسه الذي احتاجته خلال مرورها على مذابح العرب الأخرى.
اعتبار إسرائيل دولة اليهود الهاربين من النازية الأوروبية، الذي استخدم لعشرات السنين في تبرير فتكها بالفلسطينيين والعرب، والذي استبطنه الوعي الغربي معتمداً ماكياج الضحية بدل وجه الجلاد، وكذلك اعتبارها المزعوم جزءاً من «العالم الغربي» و»ديمقراطياته»، يحمّلان هذا الوعي الزائف ثقلاً كبيراً ومسؤولية إنسانية كما يفسّر الكره العصابيّ المتولد لدى العرب لما يأتي من الغرب وعدم الثقة فيه عموماً.
على الجبهة العربية والإقليمية تجد حماس والفصائل نفسها محاصرة، بداية، من مصر الجديدة (القديمة)، التي تحاكم رئيسها السابق بتهمة «التخابر مع حماس»، مروراً بمحور إقليمي واسع تقف على رأسه السعودية، في مواجهة محور إقليمي آخر يستند الى تركيا وقطر.
والحال أن مأزق حماس والفصائل لا يعادله إلا مأزق إسرائيل، من جهة، ومحور مصر – السعودية من جهة أخرى، فالدولة العبرية الهجينة لن تستطيع أبداً الخروج من الصور التقليدية التي تأسست عنها عبر السنين، فهي «غيتو» يهودي يقوم على عداء محيطه الواسع، وهي دولة عسكرية لا تخرج من حرب حتى تدخل أخرى، وهي دولة مارقة لا تلتزم بالقوانين الدولية ولا تنفذ قرارات الأمم المتحدة، وهي مسؤولة، بشكل أو بآخر، عن كل ما يحصل في المنطقة العربية من كوارث، بشكل يعطّل دائماً هذه المنطقة ويحوّل بلدانها الى دول فاشلة؛ ومأزق مصر والسعودية كامن، باختصار، في أن تحالفهما الموضوعي مع إسرائيل ضد عرب ومسلمين كفيل بإسقاط شرعية أي حاكم فيهما.
مأزق حماس في غزة مع مصر، هو مناسبة لمراجعة مصر لقرارها المضاد للطبيعة والمنطق والتاريخ ـ باستئصال جماعة «الإخوان المسلمين» وهو قرار لم يستطع جمال عبد الناصر، والذي كان يحمل شرعيّة عربية «عظمى» بمقاييس الخمسينات والستينات، أن ينجح فيه.
مقاومة حماس والفصائل لإسرائيل بينت للحكم المصري انكشاف سياستيه الداخلية والخارجية وارتباطهما ببعض، و»المبادرة المصرية»، على مساوئها، دلّلت على زيف فصل الداخل والخارج، وقدّمت للمحور المصري السعودي طريقين لا ثالث لهما: إما احتضان حماس والدفاع عنها ضد إسرائيل، أو الشد على يد اسرائيل في حربها على الحركة لأنها منظمة «إرهابية».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق