بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 4 يوليو 2014

لبنان: التقشف المفقود والأزمة المالية الخانقة - عدنان الشهال

برزت شائعات مقلقة منتصف أيلول الماضي تفيد بأن الدولة اللبنانية عاجزة عن دفع رواتب القطاع العام نهاية الشهر، ولكن سرعان ما تبين بطلانها. على أن هناك إشاعة تأكدت مع الأسف، مفادها أن الدولة متوقفة عن دفع المساعدات المَرَضية والمدرسية للموظفين العاملين، وتؤكد أنها لم تصرف منذ السنة الماضية.
لا ندري من هي الجهات التي تقف وراء هذا السيل من الشائعات، إلا أن قرار الحكومة السابقة قطع الشك باليقين وقضى بتمويل الاعتمادات اللازمة لتغطية نفقات الرواتب وملحقاتها حتى آخر السنة. ويقول المثل المعروف: لا دخان من دون نار. فإن الإشاعات المغرضة كانت تشير إلى أن الدخان المتصاعد من خزينة الدولة يثير قلقاً لا سابق له. وتبين غياب اقرار موازنة للدولة حتى اليوم وأن نفقات الدولة تجري على أساس قطع حساب عام 2005. وجاء القرار المذكور بسد هذه الفجوة بين مستوى انفاق عام 2005 وانفاق عام 2013.
وهذه الطريقة في مقاربة الأمور المالية متبعة دائماً، إلا أن اعتمادها هذه المرة جاء متأخراً بعض الشيء. ونأمل في أن يكون قرار الحكومة السابقة شاملاً المساعدات المدرسية والمساعدات المرضية تحت عبارة: (وملحقاتها) وبخاصة بالنسبة الى المتقاعدين. فالمساعدات المرَضية والاستشفاء لا تقل أهمية عن الرواتب، علماً أن وزارة الصحة لم تتمكن في الماضي من وضع حد لاحتكار الدواء ولا تزال حتى اليوم تحاول لكن من دون جدوى. وليتها تقارن أكثر بين مستوى أسعار الدواء في لبنان وفي بعض البلدان المجاورة.

إن خزينة الدولة تعاني منذ سنوات طويلة عجزاً بين الداخل والخارج. ففي الانفاق تجاوز لقدرات الخزينة. فعلى صعيد الانفاق ليس هناك مشروع لضبطه وفي حالات مماثلة تلجأ الحكومات عادة إلى اعتماد سياسة تقشف تطاول الكماليات، أما بالنسبة للموارد فهناك تقصير في الجباية لا سيما بالنسبة الى كبار التجار والصناعيين. هذا ما يقوله أحد خبراء الحسابات، مؤكداً أن معظم الشركات الكبرى يتهرب من دفع ما يتوجب عليه من ضريبة الدخل. من ناحية ثانية فإن الدولة تدفع سنوياً فوائد الدَيْن العام بما لا يقل عن 4.5 بليون دولار، علماً أن الدَين العام بلغ اليوم 72 بليون دولار، منها 10 بلايين دَين لصندوق الضمان الاجتماعي.

فلماذا امتدت اليد إلى صندوق الضمان الاجتماعي وهو مخصص لشريحة عاملة من الشعب؟ بل لماذا وصل الدَين العام إلى هذا الحد الخطر وكيف السبيل إلى خفضه، والغاز والنفط ما زالا في عالم الغيب؟ أين صرفت أموال الدَين العام؟

نعرف أن الكهرباء في حال يرثى لها منذ زمن، وانقطاعاتها وهناك مشاريع تنموية عدة في حقول مياه الشفة والري والصحة العامة والتعليم الرسمي ما زالت من دون تقدم.

إن الخط البياني للتطور الاقتصادي والمعيشي والخدماتي يسير بعكس ما يجب أن يكون. وبالنسبة الى التقصير في جباية ضريبة الدخل يقول أحد مراقبي الحسابات المتقاعدين في وزارة المال أن الراحل بيار فرعون والد الوزير الحالي ميشال فرعون، الذي كان يملك مؤسسات صناعية وتجارية عدة، كان ربما الوحيد الذي كان يبادر إلى تسديد ما يتوجب عليه من رسوم وضرائب حتى القرش الأخير، ولا سيما ضريبة الدخل بكل أمانة وصدقية. فهل لدينا اليوم كثيراً من أمثال هذا الرجل؟

والتقصير في جباية ضريبة الدخل غير العادلة اليوم، لأن نسبتها تراجعت إلى 10 في المئة وتنسحب على الجميع بينما كانت في الماضي تصاعدية وأكثر عدالة اجتماعية، يقابله إسراف في الانفاق بحالات استهلاكية أو بروتوكولية، نعني الوفود الرسمية المتعددة وبعضها فضفاض وفي غير محله.

نذكر أن الرئيس الراحل فؤاد شهاب لم يغادر لبنان تلبية لأي دعوة، وما أكثر الدعوات التي وجهت إليه لزيارة بعض البلدان العربية والصديقة. ويوم التقى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حرص كما يذكر اللواء أحمد الحاج على أن تكون خيمة اللقاء نصفها في أراضي الجمهورية العربية المتحدة ونصفها في الأراضي اللبنانية، وجلس أمام عبد الناصر على أرض لبنان بينما جلس عبد الناصر على أرض الجمهورية العربية المتحدة. والرئيس الراحل رفيق الحريري كان يستخدم طائرته الخاصة في تنقلاته الرسمية وغير الرسمية كما كان يخصص راتبه الشهري كرئيس حكومة لتوزيعه على موظفي رئاسة مجلس الوزراء. فما كان يوفره في استخدام طائرته الخاصة كان لمصلحة الخزينة العامة وما كان يخصصه لموظفي رئاسة الحكومة كان من أجل تشجيعهم ليؤدوا عملهم بتجرد ونزاهة.

ولا شك في أن الاستهتار في تطبيق الدستور والقوانين عامل مهم في اختلال عمل الحكومات منذ سنوات، وكل ما وضعه الرئيس فؤاد شهاب من أسس لبناء لبنان دولة حديثة نخرته المصالح الشخصية والمناكفات الحزبية.

هل ندعو الدولة إلى التقشف فقط أم ندعوها قبل كل شيء إلى إعادة تنظيم شاملة لمؤسساتها. فالوضع الاقتصادي متردٍ ولا بوادر حتى الآن لأي خطوات جدية للإصلاح. وهل ان الأمر متروك للوزارة الجديدة ورئيسها؟ لكن إلى متى يستمر التناحر من دون الاتفاق على تركيبة وزارية من أجل مصلحة لبنان؟

ينبغي عدم فقدان الأمل، فما زال في لبنان رجال سياسة مخلصون ووطنيون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق