بعد 11 ايلول (سبتمبر) كتب المستشرق الشهير الذي لا نحبه، برنارد لويس كتابه المهم «ما الخطأ الذي حصل؟ الصدام بين الإسلام والمعاصرة في الشرق الأوسط» حاول فيه أن يجيب عن سؤال ما الذي أدى بالمسلمين إلى حالة التخلف عن الحضارة الغربية بعدما كانوا رواداً في الحضارة والعلوم والإنجازات البشرية، وعاد يبحث في أسباب فشل الدولة العثمانية في قرنها الأخير من إتمام مشاريع عدة للعصرنة، على رغم أنها شرعت فيها، داعبت العصرنة ولكن لم تأخذ بكل أسبابها، ولكن لعل أهم نتائج بحثه هو اعتقاده أن المسلمين اشتغلوا أكثر بالبحث عمن فعل هذا بهم أكثر من انشغالهم بماذا فعلنا بأنفسنا.
ولأننا لا نحب برنارد لويس، لم نهتم كثيراً بكتابه، ولم نعترف بأن ثمة خطأ ما هائلاً يعيش في داخلنا، لم ننتبه إلى عالنا العربي كمنسأة نبي الله سليمان، أكلتها العتة من الداخل فاهترأت، فلم ينتبه أحد لاهترائها وموت صاحبها إلا وقد خرّ على الأرض هاوياً، دول وأنظمة بدت مهابة قوية، جمعت المال والنفط والسلاح والزعيم والأمن والإعلام والمثقفين وعلماء الدين الذين يؤكدون أننا من انتصار إلى انتصار، ومن إنجاز إلى آخر، عراق صدام حسين، وسورية الأسدين، ومصر مبارك، وليبيا القذافي، ويمن علي عبدالله صالح، عاشت أعواماً طويلة مهترئة من الداخل، تعيش بإرهاب المخابرات والأمن وكذب الإعلام، لا بساسة أو سياسة، خبراء الاقتصاد آخر من يستمع إليهم الزعيم، خطط التنمية تكتب ولا يقرأها أحد ناهيك أن ينفذها، التعليم يتردى ومعه المجتمع والقيم ولا أحد يهتم فكان انهيارها حتمياً ومستحقاً، لا مؤامرة خارجية، وإنما أخطاء 60 عاماً بدأت يوم قاد عسكري أرعن جاهل أول انقلاب، أو لعلها أخطاء 100 عام منذ أن شكّل الاستعمار عالماً عربياً مشوهاً، المهم أنها أخطاء تراكمت طبقات بعضها فوق بعض، فكان طبيعياً أن ينهار كامل الدار لحظة إطلاق أول رصاصة على عراق صدام، وأول رسالة «فيسبوك» على بقية الأنظمة المهترئة.
حان الوقت أن نسأل «ما الخطأ الذي حصل؟» ولنبحث في داخلنا، أما ذاك الذي يبحث عن مؤامرة أجنبية فهو يهرب من الحقيقة، إن الأخطاء فينا فما هي؟ هل هو الاستبداد المغلف بتلك الكلمة الخادعة «الاستقرار»؟ أم أنها نظرية المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري «الحرص على الغنيمة»، فأصبح الزعيم العربي ومن حوله ينظرون إلى الوطن كغنيمة عابرة، مثل الذي يذبح وزته «وطنه» ليحصل على كل الذهب؟ هل هي الطبقية التي نرفض أن تعترف بها ولكن نعيشها كل يوم في معظم مجتمعاتنا العربية، نراها في نظرة الحاكم نحو «الشعب الآخر» هو والطبقة المستفيدة من حوله من أثرياء ومثقفين وشيوخ دين بل حتى طبقة وسطى خادمة لمن أعلى منها، فيرون فيمن دونهم مجرد رعاع يتمايزون عنهم حتى ثقافياً، لا يستحقون ديموقراطية ولا حق الاختيار والرأي لأنهم لا يحسنون الاختيار ويجب تعليمهم وتحسين وعيهم أولاً؟ هل هو الجمود في الدين وفرض مدرسة فقهية فضّلها الحاكم نفضلها لأنها توفّر له فقه السمع والطاعة، ولا يكترث بعجزها عن مواكبة العصر والاجتهاد، بينما تتسرب من حولنا أشكال العصرنة المادية لا الفكرية، فتقاطعت العصرنة مع الجمود وانفجرت في ظاهرة «القاعدة» و«داعش». أم أن الوقت تأخر على هذا السؤال، ودورة الخراب والانهيار بدأت ولا راد لقضاء الله، فلا أحد يريد الاعتراف بأن هناك خطأ حصل أو يحصل، انظروا إلى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ومعه بقية ساسة العراق كنموذج لهذه الحالة، عجزوا عن إدراك أن وطنهم ينهار فتلاسنوا يوم افتتاح برلمانهم فتأجلت الجلسة أسبوعاً، ومضى المالكي يتناحر حتى مع شيعته، المالكي وساسة العراق مجرد نموذج لنا جميعاً، لا أحد يريد أن يعترف بأن خطأ حصل، في هذه الأثناء الوحيد الذي يتحرك بديناميكية هو الطوفان والتاريخ.
* اعلامي وكاتب سعودي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق