بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 19 يوليو 2014

تحيا كراهيةٌ ويموت بشرٌ يا غزّة - محمد علي فرحات

الاثنين 14/7/2014: تموز
حرب تموز (يوليو) 2006 في لبنان. من يذكر؟ ثمة ترجمات عدة للحدث واختلافات حوله لم يحسمها دم الضحايا ولا خراب البيوت، كأن حروبنا مفتوحة وتتجدد في داخلنا لا في
الجبهات. هذه الأيام حرب غزة أو تجديدها، ما الفرق بين خراب سالف وخراب حاضر؟ الانطباعات هي هي والاصطفافات والعطف الحقيقي والعطف المزور. حرب غزة هي أم حرب «حماس»؟ لا هذه ولا تلك. إنها حرب قتل وخراب وضحايا من حقهم الخوف على أنفسهم وبيوتهم وحقولهم.هذا مواطن(ة) إنسان(ة) يخاف. نعم. ويعجز عن الركض في الظلمة. إنه يفتقد الشجاعة ويقول إنها تتحقق في الضوء لا في الظلمة، في ضحوة النهار لا في حلكة الليل. الشجاعة ليست مناماً. يقول. إنها يقظة لم تتحقق له. يقظة الاقتناع لا عدوى الصراخ.

حروب تموز في لبنان وفلسطين. هذا الشهر بالذات، الضارب في تاريخ نشعر به ولا نتداول معناه. تموز أو أدونيس، فادي الخصب الذي سال دمه المغدور فأنبت شقائق النعمان. هو تموز في العراق وأدونيس في لبنان وسورية، وهو في مصر أوزيريس.

> الثلثاء 15/7/2014: كيف؟

الجرائم تتكرر. إنها القاعدة لا الاستثناء. جرائم بلا مجرمين لأن يد القتل يصعب تعيينها ومفتوحة على الاحتمالات. جرائم لا تُدان وتتجمع حولها سهام الكراهية لتصيب الأبرياء. جرائم بلا عقاب ولا عبرة. وقد نندفع إلى لعن الضحية وامتداح القاتل، فقط، للمحافظة على الروتين ولئلا نذهب الى أسئلة جوهرية تنغّص حياتنا.

ولكن، لا مهرب من حقيقة البشر والحجر في غزة وغير غزة في هذا الشرق.

البشر: كيف انقصف عُمرٌ ومعه آمال وأحلام. وكيف أن القتيل يشبه البشر الآخرين جميعاً، بدليل استخدام أجزاء من جسده قطع غيار.

والحجر: كيف كان خلاء فملأه بيت منقوص تسكنه عائلة وتجهد لأن يصير كاملاً. يكتمل العمر ولا يبلغ البيت تمامه. هكذا بيوت الفلاحين مسكونة أيضاً بلعنة الحرب/ الجريمة. قصف يهدم البيت، يعيد الخلاء خلاء ويحيل على الأحلام البيت الموعود منقوصاً أو تاماً.

في مكان عربي غير محدد، الراعي الصغير مع خرافه في البراري. لم يكن أفضل إخوته ولا أجملهم، لكنه تميّز بميل الى العزلة. ظنّوه يتكبّر ويستعلي بلا وجه حق، وبعدما تطور الظن السيئ الى كراهية قرروا التخلص منه. لم يرموه في البئر بل أوثقوه ووضعوه في طريق الذئاب الجائعة وفروا الى رأس الجبل، وحين هبطوا رأوا بقايا أخيهم وقميصه الممزق. لم يعودوا بالقميص إلى أبيهم لأن الأب كان قد مات.

الحكاية لا تتكرر وكذلك موعظتها، إذا كانت هناك موعظة. إنها حكاية أخرى في زمن ومكان مختلفين، على شاشة صورنا المتحركة.



> الأربعاء 16/7/2014: متاهات

ليست السياسة ولا المؤسسات وقادتها، وإلاّ ما شهدنا هذا التضامن مع أهل غزة، هذه العواطف النقية كانت معرّضة للهدر في متاهات الكراهية.

تحيا الكراهية ويموت البشر بلا رحمة ولا تضامن. الطبيعة، طبيعتنا، تفقد ألوانها في تموز الجرائم، يغطيها رماد والجمر تحته وفحيح أفاعٍ لا يصمت.

بلادنا الرمادية بلا رموز. بلاد متروكة لكوابيسها، تنسى ماضيها وتعمى عن الحاضر. بلاد تؤلف زمنها من الخسران، من إدمان الخسران، من الجريمة المشتهاة، حتى إذا لم تستطع قتل الآخرين فدعهم يقتلونك أو انتحر.

بلاد لا يجد القارئ فيها كتاباً، فيما يحظى الأمّي بكتب كثيرة يحرقها ويتدفأ. بلاد تعزل نفسها عن العالم ثم تكتشف ان العالم يعزلها مثل مريض موبوء، مثل مجرم فقد توازنه فصار خطراً على الجميع.



> الخميس 17/7/2014: عقرب الثواني

تتطلع إلى ساعة يدك مثل حكَم في ملعب لكرة القدم. ولكن، أنتَ أمام مأساة غزة. عقرب الثواني الأحمر وحده يتحرك بوتيرة تلاحظها العين. كل حركة قتيل أو جدار ينهار. ليس كمثل هذا الشيء، ولا تعادله الكلمات، ولا القصائد اللاهثة ومبدعوها ذوو القلوب المتعبة.

قالت الصديقة انها ترقص لئلا تموت هماً، تقول إنها ترقص لتستطيع تأييد الحق في غزة وغيرها، من بعيد.

وقال الذي كان جاري في مونتريال: ابقَ في بلادك القديمة فنحن في العالم الجديد لا نتحمل تعقيداتكم التاريخية، لا أنتم ولا أعداءكم. وإذا قررتَ المجيء فأهلاً بك في بلادك الجديدة بلا كتاب ولا ذاكرة.



> الجمعة 18/7/2014: تموزنا الفرنسي

تموز هو أيضاً شهر الثورة الفرنسية، (في 14 منه عام 1789)، أم الثورات وناشرة الحرية والإخاء والمساواة. لكن التطبيق في الجزائر التي احتلتها فرنسا عام 1830 (استمر الاحتلال حتى العام 1962) تميّز ببشاعة السيطرة على إنسان آخر وإجباره على اتباع حضارة أخرى في نوع من الاستعباد.

فرانز فانون الطبيب الذي ناضل مع ثوار الجزائر وكتب عن تجربته وتجربتهم، صدرت الترجمة العربية لكتاب عنه كتبه نايجل غبسون في عنوان «فانون: المخيلة بعد الكولونيالية» (منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات).

عن المرأة والثورة ورد في الكتاب: «تكتيكياً، كان نزع الحجاب يعني إمكانية أن تتجول النساء بحرية في منطقة المستعمرين. «بِنَزْع الحجاب واستعادته مرة تلو المرة، جرى التلاعب به، فتحوّل تقنية للتمويه، وسيلةً للنضال». وعملية نزع الحجاب وارتدائه جرّدته «مرة وإلى الأبد (...) من بُعْده التقليدي الحصري»، ومكّنته من أن يغدو «أداة» للتحرير. ويجد فانون في «حرب النساء» هذه «ديالكتيكياً جديداً».

خلال «معركة الجزائر» عام 1956، كان على المرأة الجزائرية أن تتغلب على عدد من المحرَّمات، إذ هي تتحرك في القطاع الأوروبي من دون ان يتعرف إليها احد، وتضع الحجاب الذي يجعلها غير منظورة، موجودة وغائبة في آنٍ واحد، أو تصبح أوروبية المظهر، وبالتالي منزوعة الشخصية من وجهة نظر وطنية. فمن جهة، كان الآباء الوطنيون العالقون في سياسة مانوية ينظرون إليها على أنها خطرة وفاجرة وتتجاوز حدود النظام والأخلاق، وبالتالي الحيز الجندري للأمة. ومن جهة أخرى، كانت المرأة تجازف بالتعرض لتعذيب معين وللاغتصاب، وربما الموت، على ايدي القوات الاستعمارية، في حال اكتشاف المظليين أو الشرطة أمرها. وبتعبير آخر: نزع حجابها، كمهرّبة اسلحة وذخيرة. وهذه هي مأساة الهوية الجديدة صاحبة البناء الذاتي، وهي هوية لم تكن تملك نموذجاً تقتدي به. ويؤكد فانون انها، وقد نزعت حجابها في سياق الحركة الثورية التي نذرت نفسها لأن تكون جزءاً منها، تجبر نفسها على (أن تعيد) التعرف إلى جسدها ذاته، وأن تبدو هادئة من دون حجاب في الشوارع الأوروبية، وأن تبتكر أبعاداً جديدة للتسامي والتحكم بالعضلات. ولأن الحجاب يعطي شعوراً بالحماية، ويتبلور من دونه إحساس بعدم الاكتمال. لا يمكن معالجة هذا التشوه العقلي/ الجسدي إلا بولادة امرأة ثورية «من لا شيء»، بل من التجربة المعاشة وحدها».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق