بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 18 يوليو 2014

كائن رمضاني - أمينة خيري

جرى العرف في شهر رمــضـان مــنـذ دخــل التلفزيون حياتنا، أن يتحول الصائم إلى كائن تلفزيوني. صباحه برامج طبخ، ظهره برامح فتاوى وأحكام، عصره إعادة لمسلسلات اليوم السابق، مغربه برامج مسابقات ومقالب سخيفة وتافهة ومعادة، عشاؤه تناحر مسلسلاتي وتواتر درامي وذلك بين حفنة إعلانية وأخرى. أما فجره، فهرولة وركض وجري ليلحق بمشهد فاته من مسلسل هنا، أو حدث جرى في غفلة منه هناك.

وفي هذا العام الذي يتزامن رمضانه ومرور ثلاث سنوات من ربيع عربي «خلاب» وشرق أوسط جديد وفوضى «خلاقة» ومعها دولة خلافة أُنشِئت على حين غرة من الجميع، اتضح لكثر إن لتخمة رمضان الدرامية فوائد، فيما يلي عدد منها. أولاً: غالبية برامج التوك شو السياسية في إجازة إجبارية. ثانياً: ما تبقى منها تُعرض في ساعات الذروة فلا يتوقف على بابها إلا من ضل الطريق. ثالثاً: الكتائب الإعلانية لم تترك حيزاً بصرياً الا وملأته بإعلانات عن حصرية هذا المسلسل في هذه القناة، أو عبقرية هذا البرنامج الفني في تلك المحطة. رابعاً: مسلسلات هذا العام تحوي من الحبكة الدرامية والتتبيلة التراجيدية ما سمح لها بحشوة ثورية وإضافة سياسية لترضي أذواق التواقين إلى التغيير وتدغدغ أحاسيس من أدمنوا السياسة واعتادوا السفسطة، ما عزز الشعور بالتعافي من إدمان التوك شو.
خامساً: حرارة الجو جعلت من الصعب أن يتكبد المشاهد عناء البحث عن الريموت كونترول للخروج من حزمة قنوات الدراما بحثاً عن حزمة قنوات الأخبار.
سادساً: حتى في الحالات النادرة التي ينشط فيها المشاهد ويأخذ زمام مبادرة البحث عن برنامج خبري أو تقرير سياسي، فإن التيار الكهربائي ينقذه مما قد يلحقه بنفسه من ضرر، فتنقطع الكهرباء وتظلم الغرفة وحين يعاود التيار بعد ساعة أو اثنتين أو ثلاث يكون المواطن قد نسي ما كان يفكر فيه أصلاً.
سابعاً: ثبت علمياً أن أعراض انسحاب المواد المخدرة قد تكون أقل وطأة في حال كان الانسحاب تدريجياً، وهو ما أدى إلى بزوغ ظاهرة البرامج الرمضانية الخفيفة مع أسئلة: ما ذكرياتك مع رمضان؟ وهل لعبت بالفانوس ذي الشمعة؟ وكيف تسلي صيامك؟ وهي موجهة إلى شخصيات سياسية، ما يمدّ المشاهد المدمن على البرامج السياسية بجرعة مخففة مع وجه سياسي بلباس رمضاني.
ثامناً: المجلات العملية الأميركية أكدت أن جسد الإنسان لا يتسع إلا لتخمة واحدة فقط. تاسعاً: أجمعت الآراء على أن الشريط الخبري الراكض أسفل الشاشات في غير شهر رمضان من شأنه أن يفسد على الصائم متعة المشاهدة الدرامية، وهو ما يفسر اختفاء الشريط على شاشات المسلسلات. عاشراً: في حال نجا المشاهد الرمضاني من كل ما فات وأصر على متابعة برامج السياسة، فعليه أن يعلم أن هذا هو قدره، والسياسة تُخمته، ولكن عليه عدم نقل العدوى الى الآخرين الغارقين في تخمتهم الدرامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق