بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 18 يوليو 2014

في حاجة نتانياهو إلى «حماس» وحقيقة جبهة الرفض الإسرائيلية - سلمان مصالحة

حتّى هذه اللحظة، وبينما لا زالت تعلو أصوات المدافع وتتطاير الصواريخ في سماء البلاد «المحروسة»، ما من خطر في أن تُقدم إسرائيل على احتلال غزّة مجدّداً. فهذه العملية العسكرية المسمّاة في أدبيّات الحروب الإسرائيلية «الجرف الصامد»، أو بترجمة عربية دارجة «يا جبل ما يهزّك ريح»، هي في نهاية المطاف حملة أخرى من صنع مصلحة السجون الإسرائيلية، غايتها وضع حدّ لتمرُّد جديد للسجناء في أكبر سجن في العالم.
يُشار في هذا السياق إلى أنّ السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يحكمون أنفسهم بأنفسهم. لذلك، من غير المستغرب أن نرى أنّ كلّ القيادات السياسية في إسرائيل معنيّة ببقاء سلطة «حماس» واستمرارها في السجن الكبير المسمّى قطاع غزّة. فسلطة «حماس» هذه، أي اليمين الفلسطيني الذي لا يبحث عن تسوية، هي أفضل شريك لليمين الإسرائيلي الحاكم في إسرائيل، والذي لا يبحث عن تسوية هو الآخر. بكلمات أخرى، اليمين الإسرائيلي يبحث عن يمين فلسطيني، لكي يقول للعالم إنّه لا يوجد شريك في الطرف الآخر.

لقد كانت خطّة الانسحاب من غزّة التي رُسمت ونُفّذت في عهد حكومة شارون خطوة استراتيجية بهدف الوصول إلى غايات أخرى. ومن الضروري العودة إلى أقوال الذين بادروا إلى وضع هذه الخطّة لكي نفهم الهدف الذي وضعوه نصب أعينهم من تفكيك المستوطنات والانسحاب من غزّة. فها هو دوف فايسغلاس، والذي شغل منصب المستشار الكبير لأرييل شارون، يكشف في مقابلة صحافية في «هآرتس» عن مكنونات تفكيره: «إنّ معنى خطّة الانفصال هو تجميد عمليّة السلام... بصورة شرعيّة». ليس هذا فحسب بل يُضيف: «عندما تقوم بتجميد العملية السياسية، فإنّك تمنع إقامة دولة فلسطينية، وتمنع الحديث والمفاوضات في شؤون اللاجئين، الحدود والقدس... في الحقيقة كلّ هذه الرّزمة المسمّاة الدولة الفلسطينية سقطت من جدول أعمالنا لفترة غير محدّدة زمنيّاً. إنّ هذه الخطّة تمنح كميّة الفورمالين المطلوبة بغية تجميد العملية السياسية مع الفلسطينيين».

بل أكثر من ذلك، اعترف فايسغلاس في المقابلة ذاتها أنّ الخطّة وُضعت «بسبب الدعم الآخذ بالاتساع لمبادرة جنيف، وبسبب ازدياد ظاهرة رفض خدمة الاحتلال بين صفوف الإسرائيليين».

إذاً، ليس من قبيل الصدف أنّ خطّة الانفصال حيكت ونفّذت بقرار إسرائيلي أحادي الجانب ومن دون أيّ تنسيق أو اتّفاق مع السلطة الفلسطينية، إذ إنّ تنسيقاً كهذا كان سيخلق ظروفاً لمواصلة السير في طريق المفاوضات. والتنسيق الوحيد، كما كشف فايسغلاس، قد تمّ مع الأميركيين: «في الحقيقة، إنّ التفاهمات التي توصّلت إليها مع الأميركيين هي أنّ جزءاً من المستوطنات لا يمكن المسّ به بتاتاً، وجزءاً آخر من المستوطنات لا يمكن المسّ به حتّى يتحوّل الفلسطينيّون إلى فنلنديين - هذا هو المعنى الحقيقي لما فعلناه»، كما يختم مستشار شارون.

صحيح أنّ الفلسطينيين ليسوا فنلنديين، غير أنّ أقوال فايسغلاس هي أكثر من شاهد على أنّ الإسرائيليين أيضاً ليسوا نروجيين بأيّ حال، ولم يكونوا في يوم من الأيّام دعاة سلام وتسوية بحقّ وحقيق. فلقد انصبّ جلّ اهتمامهم على التخلّي عن العبء الثقيل الذي شكّلته غزّة وعلى تجميد العملية السياسية، وذلك بغية ابتلاع الأرض الفلسطينية في الضفّة الغربية. هذه هي الدلالات الحقيقة لأقوال «المفكّر» فايسغلاس.

إنّ سلطة «حماس» في غزّة أفضل خادم لجبهة الرفض الإسرائيلية. لذلك، كما ذكرنا آنفاً، ليس من المستغرب أن تكون إسرائيل معنية باستمرار سلطتها في غزّة. فما دامت «حماس» مسيطرة على قطاع غزّة، والانفصال بين غزّة والضفّة ثابتاً ومستمرّاً، فإنّ اليمين الإسرائيلي بوسعه الاستمرار في الادّعاء بانعدام وجود عنوان فلسطيني واحد، وبانعدام وجود شريك للمفاوضات أو وجود من يمكنه التوقيع على اتفاقيّات باسم الفلسطينيين.

لقد حاولت إسرائيل، خلال حربها ضدّ منظّمة التحرير الفلسطينية، بصفتها حركة تحرر وطني من الاحتلال الإسرائيلي، أن تستخدم وسائل شتّى لخلق بدائل للمنظّمة، بدءاً بـ «روابط القرى» التي اختلقها مستعربون إسرائيليّون من كليّات الدراسات الشرقية في الأكاديميا الإسرائيلية، وانتهاءً بتشجيع التيّارات الإسلامية التي انبنت عليها لاحقاً حركة «حماس». صحيح أنّ الغول الإسلامي قد انتفض على خالقه الآن، غير أنّه يواصل خدمة الاستراتيجية الإسرائيلية.جدير بالذكر في هذا السياق أنّ الأمر الذي أخرج نتانياهو عن أطواره أخيراً كان اتّفاق المصالحة الفلسطيني بين «حماس» والسلطة. لقد سحبت هذه الخطوة البساط من تحت أرجل الادّعاء الإسرائيلي بانعدام وجود شريك فلسطيني. لكنْ، بالذّات في هذه النقطة الحرجة، جاء «الفرج» لنتانياهو ولجبهة الرفض الإسرائيلية بواسطة عملية الخطف والقتل بدم بارد لثلاثة فتيان من المستوطنين في الضفة الغربية.

إنّ الهدف من الحرب الجديدة على غزّة هو «شفاء غليل» غريزة الثأر على مقتل الفتيان، وهو أيضاً إنزال ضربة قوية بحركة «حماس». لكن الهدف من هذه الضربة، من جهة أخرى، تعزيز مكانة «حماس» السياسية ابتغاء تكريس وتأبيد الانفصال بين قطاع غزّة والضفّة الغربية. وكلّ ذلك بهدف إعطاء وجبات جديدة من الفورمالين لمواصلة الجمود السياسي، ولمواصلة المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية لكي لا يتبقّى أيّ مكان يُذكر لقيام دولة فلسطينية.

* كاتب فلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق