بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

انها فلسطين يا حكام يا… هيفاء زنكنة

أعلن مصدر مسؤول بالجامعة العربية أنه «تقرر عقد اجتماع عاجل لمجلس الجامعة لبحث تدهور الأوضاع في قطاع غزة إثر العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع». 
متى الاجتماع « العاجل»؟ 
بعد اسبوع من القصف اليومي. بعد قتل 18 شخصا بينهم اربع نساء وثلاثة اطفال من عائلة واحدة. بعد قصف جمعية خيرية كانت ترعى سيدات يعانين من الاعاقة وقتل سيدتين. بعد قصف مصلين في مسجد . بعد ان هدمت طائرات الكيان الصهيوني مائتي منزل.
بعد ان قتلت الطفل ساهر سلمان ابو ناموس البالغ من العمر اربع سنوات. بعد ان قتلت، حتى يوم الأحد السابق للاجتماع «العاجل» 167 مدنيا، معظمهم اطفال ونساء، وجرح مايزيد على الالف. بعد ان قصفت 1100 هدف وألقت ألفي طن من المتفجرات خلال أربعة ايام فقط. بعد ان القت طائرات الكيان الصهيوني على السكان، بعد قصفهم، منشورات تحثهم على إخلاء منازلهم، توقعا لهجوم ارضي كاسح. بعد ان اضطرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) لفتح أبواب المدارس أمام النازحين الفارين من القتل.
كل هذا ولم تهتز جامعة الدول العربية. تحركت «دكة غسل الموتى» (كما قالها الشاعر مظفر النواب) ولم يتحرك الحكام والمسؤولون العرب. لم يهتموا، هذه المرة، حتى بالتظاهر، كما عودونا، بانهم يهتمون. الانظمة العربية غارقة بوحل فسادها وخوفها من شعوبها واستخذائها امام الاجنبي. الحكام العرب، كلهم، من اقصى ارض العروبة الى ادناها، قابعون بانتظار صفارة سيدهم، ان يقول لهم ماذا يفعلون.
اركضوا فيركضون، انبطحوا فينبطحون. يتبرعون، بين الحين والآخر، استرضاء لشعوبهم، بألف ألف درهم (يخسرها واحدهم بليلة قمار واحدة) لبناء ما خربه العدو/الصديق، ادعاء بانهم حماة الارض المقدسة وعروس العروبة وليكسبوا ثوابا واجرا حسنا. 
واذا كان مفهوما ان يساوي بان كي مون، السكرتير العام للامم المتحدة، في خطبته، بين الضحية والجلاد، فما بال مفتي مصر الذي صرح متلفظا بمفردات بلا معنى، كأنه يعبأ استمارة طلب دعم مادي كصاحب منظمة مجتمع مدني، وليس ازاء جريمة ضد الانسانية، قائلا بأن «على الجميع أخذ الدروس والعبر مما يحدث والعمل على إنهاء العنف ومنع تصاعد حدة الأحداث في قطاع غزة»! واذا كانت السعودية وقطر وباقي دول الخليج ستتبرع «لأزالة آثار العدوان»، اي بفعل تجميلي لايمس الجوهر، فان الحكومة العراقية مصابة بالخرس، وجبهة الممانعة نائمة، والحكومة المصرية تلوك الكلمات عن قلقها الشديد من « استمرار تصاعد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية» مطالبة بلغة الامم المتحدة «بضبط النفس والابتعاد الكامل والفوري عن أعمال العنف المتبادل». 
عن اي عنف متبادل يتحدثون؟ عن الاحتلال والإستيطان السرطاني المسلح والتهجير القسري والمعابر ونقاط التفتيش وجدار الفصل العنصري واستيراد المستوطنين وانكار حق العودة وتحمل العدوان تلو العدوان؟ الا يوحي الحديث عن «العنف المتبادل» بان الفلسطينيين، هم من يحتل الاراضي الاسرائيلية وانهم يضطهدون الاسرائيليين، اهل البلد الاصليين؟ 
اليوم، يجبر أهل غزة، كما في الذاكرة المحفورة منذ النكبة، على ترك بيوتهم، وهم يحملون اطفالهم وبعض ممتلكاتهم، ويحاولون مساعدة المسنين والمقعدين منهم على السير، متوجهين الى مكاتب الاغاثة، الى اي ملجأ قد يوفر لهم الحماية من قصف آلة الدمار الاسرائيلي. العرب صامتون. آلة القتل الصهيونية لاتفرق بين طفل وامرأة ورجل . مهتمها ان تقتل اولا ثم تبيع تسويغ جرائمها ثانيا فيسارع الحكام العرب لشرائها بالجملة ثم يفرقونها على الشعوب بالمفرد. هل يصلح الاتهام بالارهاب تسويغا لكل الجرائم، واختزالا لمقاومة الشعوب ضد جرائم الابادة العنصرية؟ هذا مايحاولون اقناعنا به. 
فما الذي يفعله الفلسطيني المتعرض للموت وسلب الكرامة في كل لحظة، سواء في غزة او ارجاء فلسطين المحتلة كلها، وهو يواجه ، بالاضافة الى المحتل، والاحتضار العربي المزمن، الاصوات الداعية الى ان لاسبيل امام الفلسطينيين غير سلام اوسلو وبراغماتية القبول بالامر الواقع أو ان ما يحدث هو بين اسرائيل وحماس وليس بين إغتصاب الحقوق الفلسطينيية واصحاب هذه الحقوق جميعهم؟ 
خلافا لما يشاع في الإعلام المتخاذل، والمهووسين بخطرالإرهابيين والإسلاميين في كل مكان، يقاوم الفلسطيني، في فلسطين 48 والضفة المحتلة وغزة، بكل الطرق والاساليب. من الكفاح المسلح الى التعليم والثقافة والمجتمع الاهلي والمدني. من الصواريخ الى الكتابة للاطفال. من حركة المقاطعة العالمية وسحب الاستثمارات من اسرائيل وفرض العقوبات عليها الى حملة المقاطعة الثقافية والاكاديمية. من انتاج لقطات الفيديو الساخرة الى المظاهرات والاعتصامات. من الاغنية والمسرح الى المواقع الالكترونية الى الشعر والرواية، من حملة الشباب المعنونة «محمود عباس لا يمثلني»، الى تغريدات الشعراء والصحافيين والكتاب الشباب. في مفارقة مؤلمة، يقول الشاعرٌ والباحثٌ علي مواسي في تغريدة له: «تسقطُ القذيفةُ على رأسِ بيتٍ في غزّة/ تخرجُ الجنازاتُ في شوارعِ اليرموك/ يربكُني تطابقُ ملامحِ الأشلاءِ». 
ان مقاومة، بهذا الغنى، لن تموت. ان مقاومة تستمد نسغها من ذاكرة لا تنسى وجذورها تمتد عميقا في حياة حامليها هي مقاومة لن تستسلم او تنتهي. 
في رسالة الكترونية، يقول الفنان المسرحي حسام المدهون، عن الحال، بغزة، منذ يومين: 
«ليلة من أقسى الليالي. ليلة بلا نوم. القصف أقرب ما يكون لبيتنا منذ بداية العدوان.سلمى استطاعت أن تتجاهل القصف والانفجارات ونامت خلال الليالي الماضية. هذه الليلة مختلفة. الدخان الأسود يملأ الأفق. رائحة البارود والأسمنت المطحون تملأ البيت. بعد القصف الأول انتفضنا مذعورين من الفراش ولم نكن قد نمنا بعد. انتقلت سلمى لتنام في غرفتنا. بعد أقل من عشر دقائق هز البيت انفجار مرعب أضخم من أي انفجار سبق، رافقه صوت تحطم زجاج. اكتشفنا بعد ذلك أنه أحد نوافذ بيتنا. حاولنا تجاهل الأمر وقررنا العودة للفراش عسى النوم يأخذنا بعيدا عن هذا الرعب. 
لم تمر عشر دقائق أخرى حتى انتفض المبنى مرة أخرى لنقرر بعدها أن لا نوم الليلة. ما زلنا مستيقظين وزجاج النافذة متناثر في الحمام والبلكونة. كم محظوظين نحن، فقد ارتقى للعلا اليوم أكثر من خمسين شهيدا».
في بقية المدن الفلسطينية المحتلة، يحاول الاسرائيليون التقليل من اهمية المقاومة ضدهم، غير ان من يتابع الاحداث ويطلع على صور المعابر ونقاط التفتيش، سيرى كيف بات حملة الاسلحة الفتاكة يختبأون خوفا من مقاومة الشعب المحتل. هنا لانزال نسمع صوت محمود درويش مخاطبا لصوص الارض: «انكم لن تعرفوا / كيف يبني حجر من ارضنا سقف السماء / ايها المارون بين الكلمات العابرة / منكم السيف – ومنا دمنا / منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا / منكم دبابة اخرى- ومنا حجر منكم قنبلة الغاز – ومنا المطر».

٭ كاتبة من العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق