بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 5 يوليو 2014

يوميات (خلافة «داعش» والبيضة والدجاجة) - محمد علي فرحات

الإثنين 30/6/2014: مثل فيلم أميركي
اتصلت الصديقة الانكليزية من لندن تعبر عن خوفها على المشرق العربي ودهشتها لإعلان «الخلافة»، وهي، النصيرة القديمة للحق الفلسطيني، استغربت الصمت أمام حدث يشكل تحدياً للعرب وللمسلمين يفوق تحديات سابقة، وذكرت من باب الدعابة ان عمر بكري الذي كشف بعد وصوله الى لبنان قادماً من لندن أنه من آل «فستق» وأنه شيخ، يطلب استقباله مجدداً في بريطانيا لاجئاً سياسياً كما دخلها للمرة الأولى. قالت ان الأجدر بالشيخ بكري أن يطلب لجوءاً سياسياً الى دولة الخلافة القريبة من لبنان بدل الحضور الى بريطانيا ليضخ في شبان من أصول باكستانية وهندية أفكاراً من نوع أسلمة بريطانيا بالعنف الذي تسبقه الشوكة والنكاية والتوحش.

لم أعرف ان الشيخ بكري المعتقل في لبنان طلب العودة الى بريطانيا التي جاءنا منها، لكنني اعتبرت كلام السيدة دعابة لم تنجح في دفعي الى نسيان أخطار يومية محدقة بالإنسان في مشرقنا العربي.

سألتها عن كيفية استقبال المواطن البريطاني أخبار قتل معارضي «الخليفة» وصلبهم، وهل تذكره وقائع الصلب بالامبراطورية الرومانية قبل اعتناقها المسيحية.

أجابت ان التشبيه بالرومان ليس وارداً لأن امبراطوريتهم كانت متقدمة حضارياً وتعتمد مبدأ المواطنة العابرة للأقوام وللأعراق. التشبيه هنا يصحّ بالجماعات البدائية، ليس ما كانت عليه حقاً، وإنما كما تظهر صورها النمطية في الأفلام الأميركية، في بيئة مهملة تضم ثروات، كالذهب والنفط مثلاً، فيأتي الرجل الأبيض لاستغلالها وإعطاء الجماعات حصتها، لكنه يواجه مقاومة تريد إبقاء الأمور كما هي، وتكون هذه المقاومة مسلحة يقودها البطل السلبي للفيلم الذي يتميز بمزيج من خبث وسطحية. لذلك تنتهي الحكاية على الشاشة بانتصار الرجل الأبيض الذي يستطيع دفع الجماعات البدائية المسلحة برضاها وحماستها الى هزيمة محققة واستجداء الرجل الأبيض الذي يقبل التائبين.

هذا هو انطباع المتلقي البريطاني لأخبار «داعش» واجتياحها مساحات واسعة من العراق وسورية ومساحات أوسع من عقول العرب والمسلمين وعواطفهم. وهو يعتقد ان نهاية الفيلم ليست قريبة وليست كلاسيكية، ذلك ان البدائيين المسلحين هؤلاء يمدون جذورهم الى عصور مضت وانقضت ويغمرونها بماء الحياة ويستعينون بأحدث وسائل الاتصال.



> الثلثاء 1/7/2014: سعدي يوسف

«الأعمال الشعرية» لسعدي يوسف أصدرتها «دار الجمل» في سبعة مجلدات، وهي تضم المجموعات الشعرية التالية: القرصان (1952)، أغنيات ليست للآخرين (1955)، 51 قصيدة (1959)، النجم والرماد (1960)، قصائد مرئية (1965)، بعيداً عن السماء الأولى (1970)، نهايات الشمال الأفريقي (1972)، الأخضر بن يوسف ومشاغله (1972)، تحت جدارية فائق حسن (1974)، الليالي كلها (1976)، الساعة الأخيرة (1977)، قصائد أقل صمتاً (1979)، من يعرف الوردة (1981)، يوميات الجنوب يوميات الجنون (1981)، مريم تأتي قصائد بيروت (1982)، خذ وردة الثلج خذ القيروانية (1987)، عندما في الأعالي - مسرحية شعرية (1989)، محاولات (1990)، قصائد باريس شجر ايثاكا (1992)، جنة المنسيات (1993)، الوحيد يستيقظ (1993)، ايروتيكا (1994)، قصائد ساذجة (كتب بين 1994 و1996)، حانة القرد المفكر (1997)، يوميات أسير القلعة (2000)، قصائد العاصمة القديمة (2001)، حياة صريحة (2001)، صلاة الوثني (كتبت في 2003 و2004)، حفيد امرئ القيس (كتبت في 2004 و2005)، الشيوعي الأخير يدخل الجنة (20016)، أغنية صياد السمك (كتبت في 2006 و2007)، قصائد نيويورك (2007)، قصائد الحديقة العامة (كتبت في 2007 و2008)، الديوان الإيطالي (2008)، في البراري حيث البرق (2008)، الشيوعي الأخير فقط (كتبت من 2006 الى 2008)، غرفة شيراز (كتبت في 2010 و2011)، أنا برليني (2010)، قصائد الخطوة السابعة (كتبت في 2009 و2010)، صورة اندريا (2011)، ديوان طنجة (2012)، قصائد هيرفيلد (2013)، عيشة بنت الباشا (2014).

تعمدت إيراد مجموعات سعدي يوسف بتسلسلها التاريخي لإظهار غزارة إبداعه في العقد الأخير، وكيف ان القصائد ذهبت الى التقاط العلاقة بين الإنسان والمكان من دون الاقتصار على وطن معين، فكأن الشاعر مع آدم وحواء منذ أول سقوطهما من السماء الى تعرفهما كل على الآخر وكليهما على الطبيعة وكائناتها.

وليست هذه «العالمية» هروباً الى سياحة بقدر ما هي حفر جمالي في البشر وسكنهم في عالم واحد حيث الإنسان واحد. ولكن، انظر الى التوقيع بالتاريخ والمكان ثم اقرأ قصيدة سعدي يوسف لترحل في الجغرافيا الجمالية لشاعر عراقي انطلق فكرياً من الانحياز الى الأممية وما لبث أن جسدها لاحقاً بعالمية تقبل البشر كما هم ولا تقسرهم على أيديولوجيا.

ولا بد من ذكر نقاط عدة في مسار سعدي الشعري:

- قصائد المرحلة الأولى تعتمد بحور الخليل التامة وقليلاً البحور المجزوءة، لتصل لاحقاً الى شعر التفعيلة، ولا تتخلص من الإيقاع وإن كانت قصيدة النثر تداخلت مع الأعمال الأخيرة للشاعر.

- يتميز حضور سعدي يوسف العربي بأنه صاحب القصيدة الأولى في العدد الأول من مجلة «شعر» اللبنانية (1957) التي أصدرها يوسف الخال وأدونيس وأنسي الحاج وتعتبر الى الآن مرجعاً أول للشعر العربي الحديث.

- لم يقع سعدي يوسف في النمطية التي فرضت على أقرانه زمن الواقعية الاشتراكية السيئة الذكر، فبقيت قصيدته حرة مفتوحة على بشر وأمكنة بلا حدود.

- سعدي هو المعادل الحديث للشاعر العراقي الآخر، الكلاسيكي، محمد مهدي الجواهري. شعرهما معاً يؤرخ للوجدان العراقي منذ أربعينات القرن الماضي.

- إن كان سعدي يناهض الى حدّ التجريح تاريخنا الذي يأسرنا، فهو يحتفل بمعالم من هذا التاريخ باعتبارها دلالة على عراقة مكاننا العربي وسحره الدائم نحو المستقبل، ويتبدى هذا في قصيدة «قلعة الحصن (الصليبية) التي قرب حمص»، وفي قصيدة «العقبة» التي تبدأ من:

«هي أيلة التاريخ

وهي الآن، ايلات، التي جاءت بها الكبوات واللهجات

وهي، بنطقنا، وغماغم استقتالنا: العقبة

تشفّ، كذرّة البلور أحيانَ اضطراب النبض،

أرضَ مَقاتلٍ لصحابة ومجاهدين

وواحة مسكينة للسدر،

درباً نحو مؤتة والشآم

ونحوَ أن تنداحَ موجة ذلك الرمل المؤجج

ذروةً

أو وردةً من وَقدة الصحراء

تندفعان أعلى ثمّ أعلى

في الهباء تدوّمان لترفعا مدناً

وألويةً

وعشراً من قلاع

حيث تستهدي كراديسٌ مدججة

نجومَ النقْع والصلواتِ...

سوف يئنَ لورنسُ المهشم عند إحداها».



> الأربعاء 2/7/2014: البيضة والدجاجة

قال صديقي في مناجاة:

حين الكلام يقتل أصابُ بالعيّ وأهنأ به، وبالكاد أتقن لغتي العربية فكيف أتقن لغات أخرى حين الكلام يقتل بالعربية أو بغيرها.

وما حاجتي الى الكلام ما دامت تكفيني مشاهدة هذا العالم فأطرب لإيقاعه أو أبكي لإيقاعه. وكم أهنأ للعيّ لأنه نعمتي لا مرضي، كما أنه منجاتي من المشاركة في الكلام المتمادي في الكذب حتى يصبح فخاً أو جذباًَ الى الهاوية.

بالكاد أتقن لغتي الأم، أهي حقاً لغتي الأم؟ بالكاد، لأنني أميل الى الصمت والسماع مستعرضاً حركات الناس وكلامهم.

وأسترسل صديقي في مناجاته:

كان واحد من أجدادي يسكن بيزنطة قبل أن يحتلها ويخربها الصليبيون في سياق حرب مسيحية - مسيحية، وكان جدّ آخر يعيش في المدينة قبل أشهر من دخول العثماني محمد الفاتح. وابتلي الجدّان بعيّ فلم يشاركا في الجدالين المتكررين عبر الأزمنة، حول جنس الملائكة وحول أيهما الأسبق: البيضة أم الدجاجة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق