بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 24 يوليو 2014

◘ عبّاس الهوية القاتلة - فجر يعقوب

انشغلت الأوساط القضائية والاجتماعية في لبنان خلال الأيام الماضية بالشريط المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي والذي اشتهر باسم «اضرب يا عباس». وما إن أعلن وزير العدل أشرف ريفي عن التحرك لكشف ملابسات الشريط الذي وقع ضحيته طفل سوري حتى هرع بعض الفضائيات يبحث عن «أبطال» الشريط ويجري لقاءات مع والد الطفل اللبناني الذي يعنّف الطفل السوري، والذي أوضح هنا أن من كان يحرض عباس على القيام بفعلته هو ابن عمه المراهق ابن الـ16 سنة، بل وزاد من علمه هنا حين تحدث عن مشاركة ثلاثة صبيان في «الفيلم العنصري».
ما حدث خطر، ويتعدى ظهور عباس ابن العامين وهو يضرب ولداً يكبره بسبع سنوات، والأخطر هو وجود كاميرا الهاتف النقال التي تصور وتبث. وهو يدل الى أبعاد طائفية ومذهبية للحكاية، وتجاوز تفسيرات «الكبار» هنا من جواز وقوع عباس وخالد، في خانة الضحيتين بغض النظر عن قيام أحدهما بضرب الآخر. فمن قال إن عباس الصغير ليس ضحية أيضاً؟ كل هذا صحيح، ولا يعود مهماً الآن النبش في قصص جرائم المعلوماتية التي تبدو أنها مهيمنة على الجانب الجنائي. أما في الجانب الأخلاقي فتتجلى الأبعاد الخطيرة لما حدث في ردات الفعل التي أخدت تتوسع نيرانها الحارقة باتجاه الأبعاد القاتلة لصناعة صورة بشعة من خلال انتهاك مدروس عنصري ومذهبي لطفولة ستغدو عنواناً لكثير من التحركات التي ترسم معالم مرحلة مقبلة، وكأن من أراد «تسريب» الفيلم قد أدرك غايته، فإن كان عباس غير مدرك لفعلته، وهذا أمر أكيد، فإن ابن العم المراهق بالكاد أيضاً يدرك إلى أين تودي عملية تصوير فيلم من هذه النوعية، وتضمينها مواقع أصبحت اليوم محركة لكثير من وقائع حياتنا اليومية، ومحركة أكثر للشكوك بمن يقوم بتنظيم بعض الصفحات على الموقع الأزرق المدافعة للوهلة الأولى عن الطفل السوري خالد، وتنظيم حلقات شتائم طائفية ومذهبية بحق الطفل اللبناني عباس.
ما حدث قد حدث، وما هو مفزع في الحقيقة يتخطى صورة الولدين الضحيتين الى صورة اولئك الذين أخذوا من مواقعهم في الظل التعليق على الحادثة، وهم يستوحون أحداث مسلسلات درامية وأسماء أبطالها («باب الحارة» نموذجاً) مع التذكير بضرورة الاقتصاص من طائفة عباس، وليس أهله فقط.
لقد بات واضحاً على خلفية قراءة الحادثة إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تتدخل في تربية كثر، وتفرض أطماعها التوسعية على ما بقي غير ناجز من هوياتنا المنهوبة.
صحيح أنها من جانب يمكنها أن تساهم في تكوين رأي عام من حول الضحية بغية انتزاع حق له، لكنّ ما قرأناه في معظمه حول القضية لم يتعد السموم التي تزيد من صنع الهويات القاتلة، وربما باتت مكافحة جرائم المعلوماتية تتجلى في معرفة من سرّب الفيلم ليصنع كل هذه الآراء القاتلة، فلقد عرفنا الضحيتين عن كثب، أما «القتلة» فما زالوا مجهولين حتى اللحظة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق