بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 20 يوليو 2014

◘ لعبة «بلياردو» مكلفة - وليد أبي مرشد

بعد أن تكرر سيناريو الحرب الإسرائيلية على غزة ثلاث مرات في خمس سنوات، يجوز التساؤل: هل يعقل أن يفتقد أبناء الطائفة التي تتغنى بحصافة الملك سليمان الحكيم عن استنساخ حكيم واحد داخل طبقتها الحاكمة يقر بأن ما يصفونه بـ«عقدة غزة» - إن كانت فعلا عقدة - لا يمكن حلها في غزة وحدها؟
وهل يجوز لأحفاد من تعلم «منطق» الطير والحيوانات والحشرات أن يتجاهلوا «منطق» القضية التي يصفونها بالعقدة؟
بمنظور محض عسكري، لا جدال في قدرة إسرائيل على سفح المزيد من الدماء الفلسطينية في غزة، وإلحاق المزيد من الدمار في بناها التحتية.. ومن ثم الخروج من المواجهة، كما في اعتدائي عامي 2008 و2012، بنصر مهين لسمعتها في الغرب بوصفها دولة «الديمقراطية» في الشرق الأوسط ومحبط أيضا لاستقرار المنطقة وأمن إسرائيل بالذات.
إن جازت العودة إلى الحادثة التي تحولت مبررا للعدوان الإسرائيلي على غزة، قد ينفع التذكير بأن العملية العسكرية الواسعة التي تشنها أعتى آلة حربية في الشرق الأوسط على منظمة لا تتجاوز إمكاناتها العسكرية مستوى الميليشيا المسلحة، سببها المعلن مقتل ثلاثة شبان إسرائيليين، الشهر الماضي، في مدينة الخليل.
واللافت أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تعامل في رده الفوري على هذه الجريمة كلاعب «البلياردو» (سنوكر) الماهر: ضرب كرة معينة ليصيب غيرها في جوارها. وبالفعل، لم تخلُ مسارعته إلى اتهام حركة حماس بتنفيذ عملية الخطف في الضفة الغربية المحتلة فور وقوعها، من «كرة جانبية» هي إحباط تفاهم حركتي فتح وحماس على توحيد صفهما، واستطرادا، قطع الطريق على قيام مرجعية فلسطينية واحدة في حال عودة التفاوض على حل الدولتين.
أما الكرة الثانية التي أصابها نتنياهو في لعبته، فقد كانت كشف عجز السلطة الفلسطينية عن لعب دور فاعل على الساحتين؛ الداخلية والخارج، في ظروف أقل ما يقال فيها إنها محرجة لها.
مرة أخرى يستغل نتنياهو حركة حماس لإدامة الشرخ السياسي بين الفلسطينيين، وبالتالي تكريس انقسامهم في وقت يعلم فيه تمام العلم بأن حماس تنوء بأثقال اقتصادية لا تتحملها، وتعاني من عزلة إقليمية خانقة نتيجة توتر علاقتها بإيران (عقب رفضها الانحياز إلى جانب نظام بشار الأسد في النزاع السوري الداخلي)، وفقدانها حليفها الأبرز في القاهرة، الرئيس «الإخواني» محمد مرسي، وقد تكون علاقة حماس المتوترة مع القاهرة إحدى أسباب رفض المبادرة المصرية الأولى لوقف إطلاق النار.
أما تجاه واشنطن، راعي التسوية السياسية في المنطقة، فلا تزال «عقدة غزة» ذريعة نتنياهو الجاهزة لرفض عودة التفاوض مع الفلسطينيين. والحصيلة السياسية الوحيدة التي جناها نتنياهو من حروبه الثلاثة على غزة كانت، ولا تزال، إرجاء «استحقاق» تسوية الدولتين إلى أبعد موعد ممكن بينما تواصل حكومته سياسة استعمار الضفة الغربية المحتلة على أمل أن تزول الدولة الفلسطينية جغرافيا إذا تعذر زوالها سياسيا.
ولكن إذا كان الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل يخلو من «حكيم» يضع «أمن» إسرائيل في إطاره الطبيعي، أي إطار حل الدولتين المتعايشتين بسلام على أرض فلسطين، فلا عذر لراعي التسوية الأميركي في «تردده» في إقناع حكومة نتنياهو بأن حل «عقدة غزة» لا ينطلق من غزة، بل يبدأ من رام الله؛ أي من حكومة ائتلاف تضم حركتي فتح وحماس، تكون قادرة على تقديم تعهد فلسطيني شامل بوقف أعمال العنف حيال قيام الدولة الفلسطينية الموعودة.
أوضاع منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، وتنامي التيارات التكفيرية المتشددة في الكثير من دولها، وتغلغلها في عدد من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، لم تعد تسمح لإسرائيل بالاسترسال في دبلوماسية شراء الوقت وإرجاء التسوية السياسية.
وإذا كان ثمة عبرة من حرب غزة الثالثة، فهي أن أمن إسرائيل أصبح من أمن المنطقة.. وأمن المنطقة من أمن فلسطين؛ فلسطين الضفة، والقطاع، والقدس الشرقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق