بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 27 يوليو 2014

الأنفاق مقابل المعابر -وليد أبي مرشد

لا التنديد بفظائع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، ولا الإشادة بصمود الغزاويين في وجه أبشع استهداف للمدنيين في التاريخ الحديث، ولا التذكير بالإنجازات النوعية للمقاومة الفلسطينية... قادرة على أن تحجب دور الخلفية السياسية - القومية في تفجر حرب غزة الثالثة: سكوت المجتمع الدولي على استمرار الانتداب الإسرائيلي الأحادي الجانب المفروض على مصير نحو مليون وثمانمائة ألف فلسطيني وعلى نمط حياتهم اليومية داخل قطاع غزة.

وفق أدبيات قاموس المواجهات الدامية، تدرج إسرائيل حربها على غزة تحت عنوان «حرب الأنفاق»، فيما يؤكد الجانب الفلسطيني أن العنوان العريض لمقاومته هو «حرب المعابر».

عمليا، لولا إغلاق المعابر لما كان الفلسطينيون بحاجة إلى شق شبكة أنفاق تحت الأرض.

وعليه تعتبر حرب الأنفاق، إسرائيليا، والمعابر، فلسطينيا، الحصيلة الطبيعية لحالة الخلل البنيوي والاقتصادي التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة بحيث حوله إلى سجن كبير لا أفق حرية لنزلائه ولا مدى اقتصاديا واعدا لهم. الوضع المالي لحكومتهم حرج إلى حد قد يجعلها عاجزة عن تأمين رواتب نحو أربعين ألف موظف، فيما معدل البطالة في القطاع يناهز الخمسين في المائة.

وكأن معاناة غزة لا حدود لها، زادت التحولات الإقليمية المتسارعة من عزلة القطاع، خصوصا بعد رفض حماس الانحياز إلى نظام بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية، وتوتر علاقاتها بالنظام الإيراني المتعاطف معها، وفقدانها حليفها «الإخواني» محمد مرسي، في مصر.

هذه المعطيات جعلت رغبة الخروج من مناخ السجن الكبير واحدا من حوافز حماس الرئيسية للتفاهم مع السلطة الفلسطينية في رام الله... فيما ظل إبقاؤها داخل أسوار السجن الكبير أبرز دوافع إسرائيل لإسقاط التفاهم الفلسطيني - الفلسطيني بالقوة.

في هذا السياق لم تقصر حكومة بنيامين نتنياهو في تحويل جريمة مقتل ثلاثة إسرائيليين في مدينة الخليل إلى ذريعة لضرب وحدة الفلسطينيين.

ربما عانت حماس، في السنوات الأخيرة، من إرباكات سياسية أفرزتها «ازدواجيتها» - كسلطة سياسية مسؤولة عن شعب القطاع من جهة، وحركة مقاومة لتحرير الأراضي المحتلة من جهة ثانية. ولكنها اليوم، وبعد سنوات من التعامل مع الواقع من سدة المسؤولية، تطرح معادلة هدنة تلاقي إجماعا بين سكان القطاع: الأنفاق مقابل المعابر، أي الاعتراف بحق أبناء غزة في الاستقلال عن الانتداب الإسرائيلي لقاء وقف التخطيط الدفاعي العسكري.

قد تفقد إسرائيل فرصة تاريخية نادرة إذا استمرت في تمسكها بـ«حقوق» الإسرائيليين على حساب حقوق الفلسطينيين، فما تعرضه حماس في مقايضتها الأنفاق بالمعابر لا يتعدى إرساء معادلة منصفة للجانبين: وقف التصرف كحركة «إرهابية» (بالمنطق الإسرائيلي) لقاء وقف إسرائيل التصرف كدولة إرهابية.

ما شاهده الإسرائيليون، ميدانيا، من مقاومة فلسطينية صلبة، وما تكبدته قواتهم من خسائر بشرية، وما ارتكبته آلتهم العسكرية من انتهاكات حملت مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على تشكيل لجنة دولية للتحقيق فيها، لم يعد يسمح لحكومة الليكود بإدامة «الأمر الواقع» في فلسطين، وليس في قطاع غزة فحسب، خصوصا بعد تعاطف السلطة الفلسطينية مع مطالب حماس لوقف إطلاق النار.

أيام وأسابيع المواجهات الدامية في غزة أثبتت أن استراتيجية الأنفاق أعطت ثمارها وأوحت بأنها أفضل تجهيزا ومتانة مما كان يعتقده الإسرائيليون، أي أن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي متاحة لكل فصيل يمتلك القدرة المادية والحافز العقائدي للتصدي له، ما يعني أن ثمن وقف بناء الأنفاق الفلسطينية لم يعد عسكريا بل سياسيا بامتياز.

من غير المتوقع أن يقتنع صقور إسرائيل بأن «العين التي قاومت المخرز في غزة» تأكيد جديد على أن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لن تزول إلا بزوال الاحتلال. إلا أن عبرة حرب إسرائيل الثالثة على قطاع غزة قد تكون فرصة إدارة الرئيس باراك أوباما الأخيرة لإعادة تحريك المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية وتحديد جدول زمني ثابت لتحقيق «تسوية الدولتين».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق