بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 يوليو 2014

الإرهاب يفرض على المغاربة معاودة التنسيق - محمد الأشهب

إلى وقت قريب تمنى الاتحاد الأوروبي على دول الشمال الأفريقي التنسيق بينها في مواجهة التهديدات الإرهابية. كان يضع في الاعتبار أن الخلافات السياسية بين دول المنظومة المغاربية تراكمت إلى الحد الذي لم يعد ممكناً قيام تفاهمات بين العواصم المعنية، واكتفى بالإبقاء على آليات حوار متقطع معها ضمن مجموعة 5 + 5.
هذه المرة صدرت صرخة من وزير الدفاع التونسي غازي الجريبي مفادها أن المخاطر تهدد كلاً من المغرب والجزائر، إضافة إلى تونس وليبيا وصولاً إلى مصر، واكد أن بلاده لا تواجه حرباً محلية، بل ظاهرة إقليمية. وتزامن الموقف مع رفع الرباط درجة التأهب واليقظة، على خلفية تنامي تهديدات ما يعرف بـ «الدولة الإسلامية»، كونها لا تستثني أي رقعة من العالم العربي الموجود بين مطرقة العدوان الإسرائيلي وسندان الزحف الإرهابي، فيما تستمر حال الانفلات في ليبيا وتمدد تجارة السلاح والعنف في الساحل الذي يطوق الفضاء المغاربي جنوباً. دلالات الصرخة التونسية أنها تأتي من بلد تنبه بعد الثورة التي أطاحت نظام الرئيس زين العابدين بن علي إلى حتمية وفاعلية البناء المغاربي. وراح الرئيس منصف المرزوقي يبشر بمنظوره للحريات الخمس التي تشمل تنقل الرعايا. وعلى رغم رسو شراع القمة المغاربية المؤجلة على ضفاف تونس، فإن الجهود التي بذلت من أجل التئامها اصطدمت بالجدار المسدود إلى اليوم. أسباب ذلك غير خافية، فالخلافات بين المغرب والجزائر تشكل عائقاً حقيقياً. يضاف إليها استشراء الفوضى والاضطرابات في ليبيا وانكفاء الجزائر على أوضاع ما بعد الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة، فيما وجدت موريتانيا في «الاتحاد الإفريقي» مجالاً حيوياً للانشغال. غير أن التلويح التونسي بمخاطر التهديدات يضع العواصم المغاربية أمام تحديات هائلة، باعتبار أنها قد تختلف في المنطلقات والمواقف، لكنها لا يمكن أن تختلف في تقدير حجم التحديات الأمنية.

اكتملت الدائرة على مستوى اتساع الشعور بتنامي التهديدات الإرهابية. فقد تنبهت الرباط ذات جولة من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي إلى أن الضربة القادمة ستكون في مالي، ولم ينقض وقت وجيز حتى اقتطعت تنظيمات إرهابية مسلحة أجزاء من شمال ما كان يعرف بإمبراطورية السودان الغربي، وأقامت عليها «دولة خلافة» في شمال مالي، بدأت بهدم الأضرحة وإفناء المآثر والرموز التاريخية، كما يحدث في شمال العراق حالياً، ما يؤشر إلى تشابه المنطلقات الراديكالية في العبث بكل ما يرمز إلى التعايش والتسامح والتساكن بين الحضارات. غير أن الموقف الغربي، خصوصاً الفرنسي كان حاسماً ولم يفوت فرصة التدخل عسكرياً لإعادة الأمور إلى سابق عهدها بقوة السلاح الذي يفل حديد التطرف والمغالاة.

لم تستنسخ تجربة مالي في العراق، مع أن اقتطاع شمال مالي لا يغايره اقتطاع أجزاء من العراق وسورية. لذلك فإن دق جرس الإنذار، إذ يأتي من بعض العواصم المغاربية التي جربت معنى الانفلات الأمني. ليس موجهاً لحض الدول المغاربية على الانخراط في الحرب على الإرهاب فقط، بل لإشعار أطراف عربية أخرى مثل مصر، بأن نار جهنم في طريقها لأن تفتح أمام الجميع، في حال عدم تدارك الموقف. ولعل الصرخة الصادرة من تونس. البلد الذي انطلقت منه شرارة الانعتاق من الاستبداد، تفيد بأن ما يعرف بـ «الربيع العربي» يواجه بدوره مخاطر اشتعلت في تلابيبه التي لم تعرف كيف تستبدل العمامة بقيم عصرية كونية.

بدأت الثورة تنتفض على نفسها. كان يفترض أن يسدل الربيع العربي ظلال السكينة على الشعوب المغاربية، فإذا به يغوص بها إلى الهاوية، نتيجة احتدام الخلافات بين أكثر من مشروع اجتماعي، بعضه يميل إلى الحوار والوفاق، وغالبيته تتبنى لغة العنف والاستئصال. من يدري فقد توحد التحديات الراهنة بلداناً فرقت بينها نزعات سياسية عمقت الخلافات. وطالما أن العواصم المغاربية لم تتوقف عن معاودة ترتيب البناء المغاربي الذي تقول بأهميته كخيار استراتيجي، في زمن أقل مدعاة إلى القلق، فإنها مدعوة اليوم إلى الإقدام على الخطوة الأولى في التنسيق، على الأقل استشعار المخاطر التي تهددها، ولا تهتم بأن بينها خلافات، فالسيف يهوي على أجساد الأصحاء والمرضى من دون تمييز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق