بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 2 يوليو 2014

أطراف الصراع تحرك طاحونة الموت العربي د. سعيد الشهابي

صياغة المستقبل السياسي لمنطقة الشرق الاوسط تحظى هذه الايام باهتمام اطراف عديدة بعضها يسعى للخروج من مأزق التطرف والارهاب والتوتر الامني والسياسي والبعض الآخر يعمل جادا لابقائه على هامش التاريخ. التوتر السياسي تعمق بعد ان استطاعت تحالف قوى الثورة المضادة افشال كافة الثورات العربية ومنع قيام انظمة ديمقراطية بديلة، الامر الذي اعاد الوضع العربي الى ما كان عليه قبل ما سمي «الربيع العرابي». وتكشف زيارة وزير الخارجية الامريكي، جون كيري، للعراق وعواصم اخرى في المنطقة حالة القلق التي تنتاب الولايات المتحدة بسبب عجز واشنطن عن القيام بدور ريادي لتوجيه تطورات المنطقة. وتبعه وزير خارجية بريطانيا، ويليام هيغ، الذي يمثل سياسة اخرى تتمثل بالدعم المطلق لانظمة الاستبداد بدون قيد او شرط او تردد. والواضح وجود حالة من التخبط لدى قوى الثورة المضادة ازاء ما يمكن عمله لقمع تطلعات الشعوب العربية الباحثة عن الحرية في بلدانها والتصدي للاحتلال الاسرائيلي من جهة اخرى وكبح جماح الهيمنة السياسية الغربية على العالم العربي من جهة ثالثة. وفي سبيل تحقيق ذلك يتداخل ما هو مشروع بما هو محرم، وتستبدل ادوات الضغط من بلد لآخر، ومن هذه الادوات التحريض الاعلامي والضغط باسم حقوق الانسان، وتسليط المجموعات المتطرفة على الانظمة غير الصديقة، وخلط الاوراق في البلدان التي بدأت دربها على طريق الاصلاح، لمنع قدرتها على اقامة نظام سياسي عادل.
وحيث ان الاسلام اصبح عنوانا لحركة الشعوب نحو الاصلاح، فما اكثر محاولات التشويش على المشروع الاسلامي للاصلاح. ويلاحظ هنا اتجاهان في العمل السياسي المحسوب على الاتجاه الاسلامي. اولهما مجموعات الاسلام السياسي التي اصبحت اكثر تحسسا لخطط اعداء المشروع من الغربيين والحكام المحليين، فاصبحت اكثر اهتماما بالسعي لتحقيق الهدف الاسمى في المشروع الاسلامي متمثلا باقامة العدل كاولوية بعد التغيير. اي ان مجموعات الاسلام السياسي تسعى لاقامة نظام سياسي على اساس الحرية والعدل، والسعي لتطبيق قيم الاسلام على الصعيد المجتمعي بشكل تدريجي. هذا يعني عدم اقرار انظمة الحكم التي لم يكن للشعوب دور في وصولها الى السلطة. وهنا يبدو الغربيون اكثر اصرارا على منع قيام هذه المنظومة الهادفة لاقامة العدل والحرية على ايدي عناصر مخلصة من ابناء الشعب، تصل الى مواقعها عن طريق صناديق الانتخاب، وليس بالانقلاب العسكري او الضغوط الامنية.
اما الاتجاه الثاني فيتمثل بالمجموعات التي تصدرت، بقدرة قادر، العمل السياسي وسيطرت على الاجواء بالعنف وتجنيد شباب الامة للدخول في معارك دموية مع من تعتبرهم خصوما لها. وباستقراء انماط سلوك هذه المجموعات منذ وصول حركة طالبان الى الحكم في افغانستان في 1992 واعلان حركة «داعش» قيام «الخلافة» متمثلة بـ «الدولة الاسلامية» في الاجزاء التي تسيطر عليها في كل من العراق وسوريا، يلاحظ ان مشروعها يبدأ تطبيقه معكوسا. هذه المجموعات تبادر لتطبيق الحدود الشرعية في اليوم الاول لاستيلائها على السلطة في اية منطقة، فتبدأ بقطع الرؤوس والايدي وجلد الظهور وصلب المخالفين وتضييق الحريات خصوصا في عالم المرأة قبل ان تقيم نظام العدل الذي هو أساس المشروع الاسلامي. فما هي اطراف الصراع في الوقت الحاضر؟
الغربيون هم الطرف الاول في الصراعات الدائرة في المنطقة العربية.
فعندما يزور وزير الخارجية الامريكي بعض العواصم العربية تتداخل لديه امور عديدة تشكل، في نظره، المصالح الامريكية، اولها: حماية «اسرائيل»، وعدم ردعها حين تمارس عدوانا على الفلسطينيين، كما فعلت هذا الاسبوع في غزة. وثانيها: تدفق النفط بمعدلات كافية وأسعار منخفضة، وثالثها: الحفاظ على الشرق الاوسط كمنطقة خاضعة للنفوذ الامريكي بشكل خاص.
وبهذه الدوافع يتناقش مع مضيفيه، ويفرض اجندة العمل المشترك بين امريكا وحلفائها.
المصالح الانكلو ـ امريكية اصبحت المحرك الاول للساسة الغربيين الذين لا ينشطون الا عندما يرون مصالحهم مهددة، ولا يهمهم ما يحدث لامة العرب والمسلمين وابنائها من تدمير وقتل. وفي اغلب الاحيان ترى واشنطن تقسيم البلدان العربية والاسلامية الكبرى اكثر فائدة لتحقيق مصالحها، ولكن قد تجد ذلك غير مفيد في احيان اخرى.
فتجربة تقسيم السودان لا تبدو حتى الآن مشجعة، ولكن الغربيين بصدد اعادة تقويم التجربة واحتواء الاضطرابات الامنية في جنوب السودان، وغرس بذور التمرد ضد حكومة السودان ذات الطابع الاسلامي. وفي العراق ترى امريكا خطرا على مصالحها من صعود قوة «داعش» وان كانت لا تستهدفها في الاساس. وهناك وضوح في السياسة الامريكية تجاه المجموعات المسلحة التي تهدف للسيطرة على العراق، فواشنطن تعتبر تلك المجموعات، في احسن تقدير، وسيلة ضغط على الحكومة المركزية في بغداد، التي هي المسؤولة عن التشريعات والاتفاقات مع الدول الاخرى، وهي التي توجه العراق وفق المنطلقات الايديولوجية والسياسية للنخب العراقية الحاكمة. وليس خافيا ان امريكا وبريطانيا انزعجتا كثيرا من سياسات الحكومة العراقية التي عجلت بخروج قوات البلدين اللتين تدخلتا عسكريا لاسقاط نظام صدام حسين. واشنطن تتبنى وجهة النظر الاسرائيلية التي تعمل على زعزعة استقرار البلدان العربية الكبرى المحيطة بها لمنعها من التحالف ضدها، وقد نجحت في تحييد جيوش مصر وسوريا والعراق واشغالها بالنزاعات الداخلية. وفي غياب المبدأ الاخلاقي ووازع الضمير، يصبح التصرف بارواح البشر من اجل تحقيق المصالح السياسية امرا مقبولا لدى هذه القوى. وثمة اعتقاد واسع بان للكيان الاسرائيلي المتحالف مع قوى الثورة المضادة الاخرى دورا كبيرا في تأجيج الطائفية في المنطقة لضمان اضطرابها وتفرقها. ولم يكن ممكنا تفعيل هذه السياسة بدون تحريك المجموعات المسلحة التي استقت ثقافتها من علماء المدارس الدينية في قلب الجزيرة العربية الذين ما برحوا يحرضون على الاقتتال والعنف على خطوط التماس المذهبي. وحين توسع نفوذ حركة داعش بدأ الاسرائيليون يعيدون حساباتهم، فقد يستهدفون لاحقا من قبل هذه المجموعات.
ولذلك اقترح وزير الخارجية الاسرائيلي، افيغدور ليبرمان، بعد لقائه نظيره الامريكي، جون كيري، في باريس، ان تدعم «اسرائيل» الانظمة الخليجية وتفتح لنفسها بوابة واسعة على مجلس التعاون الخليجي. هذا مع العلم ان هناك انطباعا قويا بان ثمة تعاونا امنيا غير قليل بين السلطات الاسرائيلية وبعض انظمة دول مجلس التعاون، خصوصا السعودية. الامر المهم ان هناك شعورا جديدا بخطر توسع نفوذ داعش، خصوصا بعد اعلان «الدولة الاسلامية» على امن انظمة دول مجلس التعاون الخليجي، وان امريكا مطالبة بخطة استراتيجية لمنع توسع ذلك الانطباع.
الطرف الثاني في النزاعات القائمة في المنطقة يتمثل بقوى الاستبداد التي هالها ما حدث قبل ثلاثة اعوام، فاستجمعت قواها لمواجهة محاولات تغيير الوضع الراهن او تهديد الانظمة الحاكمة التي تأسست منذ عقود بدعم غربي مكشوف. واصبحت الجامعة العربية في طليعة المقاومة ضد التغيير السياسي المنشود من الشعوب. بعض الحكومات الخليجية ساهم في اسقاط الانظمة السياسية التي قامت نتيجة الثورات، كما فعلت في مصر التي كان للسعودية نصيب الاسد في دعم عسكرها قبل تنفيذ المشروع. اما التيار الثالث فيتمثل بقوى التشدد والارهاب التي ترعرعت بالدعم السعودي الوفير واصبحت سلاحا فتاكا ضد وحدة الامة ومشاريع التغيير الديمقراطية لديها. وجاء صعود هذه المجموعات سريعا، كما حدث مع حركة طالبان بعد سقوط النظام الشيوعي في افغانستان وحركة داعش التي اعلنت دولتها.
وكانت السعودية تعتقد ان بامكانها توجيه هذه المجموعات بشكل معاكس لما كان يفعله اسامة بن لا دن، فاذا بهذه المجموعات تصبح جزءا من مشكلة الامن الاقليمي.
ويبقى البديل الشعبي الديمقراطي الاكثر عرضة للاستهداف من قبل قوى الثورة المضادة بوسائل شتى من بينها اعادة توجيه مساره ليصبح طائفيا، او خلط الاوراق بالتحالفات المتباينة مع المجموعات المسلحة، او تحريك الرأي العام ضد المشروع الاسلامي بتبني المجموعات التي تسيء اليه وتنحرف عن مقتضياته. ان امتنا تعاني من انتشار التطرف والعنف من جهة، ومن استبداد الانظمة من جهة اخرى، ومن غموض السياسات والمواقف الغربية من جهة ثالثة. فالى اين تتجه؟ هذا هو السؤال الذي لن تتضح اجابته الا بعد معاناة اطول ومتاهات اعقد في دهاليز السياسة، وشعور اعمق بالضياع من جهة وضرورة تفاهم الفرقاء «الضائعين» من جهة اخرى.
٭ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق