بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 10 يوليو 2014

◘ الموقف العربي من القضية الفلسطينية د. يوسف نور عوض

عندما اندلعت حرب عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين بين العرب والصهاينة حول فلسطين، توجه المئات من السودانيين للمشاركة في الحرب من خلال الجبهة المصرية، وكان الحزن في السودان في ذلك الوقت شديدا عندما خسر
العرب الحرب وأفسحوا المجال لقيام دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، وعنما اندلعت ثورة تموز/يوليو عام 1952 في مصر عم الفرح جميع أرجاء السودان، وذلك لسببين على الرغم من الشعبية الكبيرة للملك فاروق في السودان في ذلك الوقت.
أما السبب الأول فكان تجدد الأمل في نفوس الكثيرين بأن الذين قاموا بالثورة كانوا من الضباط الغاضبين مما آلت إليه الأمور في فلسطين، وهم مصممون على استعادة الحقوق الفلسطينية، أما السبب الثاني فكان وجود اللواء «محمد نجيب» في قيادة الثورة، وهو ذو اصول سودانية، ورأى الكثيرون أن وجوده في القيادة سيسهل كثيرا من موضوعات التفاهم بين مصر والسودان في مسألة وحدة وادي النيل، وهي الشعار الذي كان مرفوعا في تلك الفترة، لكن كثيرا من السودانيين أصيبوا بخيبة أمل عندما انقلب الرئيس «جمال عبد الناصر» على قائد الثورة وأبعده عن سدة القيادة، وعلى الرغم من ذلك لم يتخذ السودانيون مواقف عدائية من الرئيس «عبد الناصر»، بل انتظروا ما ستسفر عنه الأمور، لكن الشعور الدافق بضرورة تحقيق وحدة وادي النيل بدأ يتلاشى ليحل محله التوجه نحو تحقيق الاستقلال الذي حدث بالفعل في عام 1956، وهو العام الذي وقع فيه العدوان الثلاثي على مصر، وجعل كثيرا من الشعوب العربية تلتف حول قيادة الرئيس جمال عبد الناصر لأن الجميع كانوا يعتبرون مشاركة إسرائيل في العدوان هو بداية مرحلة جديدة مع دولة الكيان الصهيوني، وقد انتهز الرئيس جمال عبد الناصر هذا الموقف وبدأ يصور نفسه قائدا للقومية العربية، لكن القومية العربية عند الرئيس جمال عبد الناصر لم يكن لها مفهوم محدد، بل هي ساقت إلى حدوث انقسام واضح في الصف العربي، ذلك أن دعوة عبد الناصر إلى القومية العربية جاءت في وقت كانت فيه الحرب الباردة على اشدها، ووجد عبد الناصر نفسه بعد فشله في الحصول على تمويل للسد العالي من الولايات المتحدة مضطرا إلى التوجه نحو المعسكر الشرقي، وهو توجه لم تكن ترضى عنه بعض الدول العربية ذات القيادات التاريخية وبالتالي حدث الانقسام في صف الدول العربية، وهو انقسام لم يجد وجود الجامعة العربية في رأبه، وعلى الرغم من ذلك فقد تمكن جمال عبد الناصر من إقناع الملايين من العرب بأنه الرجل الذي سيقود المواجهة ضد إسرائيل، وقد شجع هذا الإقناع بعض الدول العربية الأخرى أو على وجه أصح القيادات العسكرية فيها بالقيام بانقلابات عسكرية أطلق عليها اسم ثورات، وكلها ترفع شعارات الوحدة والتوجه نحو تحرير فلسطين.
هذه الانقلابات حدثت في سوريا والعراق والسودان واليمن وليبيا وغيرها، دون أن تفصح بعض هذه الأنظمة عن وجهها الحقيقي المختبىء خلف الطائفية والمذهبية وغيرهما، ولكن تطورا مهما حدث في عام 1967 عندما بدأ الرئيس جمال عبد الناصر يستعرض جيوشه وطائراته التي سيوجهها نحو إسرائيل وعند ذلك قامت إسرائيل بهجومها الكاسح على القوات المصرية فدمرت سلاح الجو المصري وهو قابع على الأرض، وقتلت آلاف الجنود المصريين الذين كانوا منتشرين في سيناء، وعند ذلك الوضع الأليم لم يجد الرئيس عبد الناصر بدا من إعلان استقالته، لكن خرجت الجماهير العربية في كل مكان من العالم العربي، تقول للرئيس عبد الناصر ابق في موضعك، وقالوا له إنك خسرت معركة ولكنك لم تخسر الحرب، وهي حرب عادلة سوف يتحقق فيها النصر، وأعد السودان على الفور مؤتمر قمة اللاءات الثلاثة الذي خرجت فيها الجماهير السودانية هاتفة «نحن نناصر عبد الناصر « ومن المواقف التي لا تنسى خلال تلك القمة ما رواه رئيس الوزراء السوداني الراحل «محمد أحمد محجوب» الذي قال إن ما خشيناه في تلك القمة أن تحدث مواجهة بين الملك فيصل والرئيس عبد الناصر، وقد طلب الملك فيصل في أول الجلسة الكلمة، فأمسكنا قلوبنا بأيدينا، ولكن الملك فيصل قال ليس هذا وقت الخلاف والشماتة بل هو موقف المساندة والوحدة، وأعلن على الفور تبرعه السخي لمساعدة مصر على مواجهة العدوان، وهكذا اطمأن الجميع على نجاح القمة التي رفضت بشكل كامل من خلال لاءاتها المعهودة أي صلح أو تفاوض مع دولة الكيان الصهيوني.
ولكن هذا الوضع تغير بعض الشيء في فترة حكم الرئيس «أنور السادات» الذي وجد أن من مصلحة بلاده أن يعقد صلحا جزئيا مع إسرائيل من أجل أن يحرر صحراء سيناء وقد قام بذلك بالفعل وسط دهشة من كل العرب، ووجدت القيادة الفلسطينية نفسها مدفوعة إلى أن تعقد هي بدورها مفاوضات مباشرة مع دولة الكيان الفلسطيني، ولكنها مفاوضات لم تؤد إلى نتيجة حاسمة بسبب مراوغة الإسرائيليين وعدم وضوح الرؤية في أذهان الكثيرين منهم، ولكن بعض التغيير بدأ يلوح في الأفق عندما توجه وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» إلى منطقة الشرق الأوسط وعقد اجتماعات مع القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية، وخرج «جون كيري» من المنطقة وهو يقول إن الولايات المتحدة تتوقع أن يكون التاسع والعشرون من شهر نيسان/إبريل الماضي موعدا للتوصل إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية، ولكن مر الموعد دون أن يتوصل الطرفان إلى حل شامل للقضية الفلسطينية، ولا نقول من موقف التأييد للجانب الفلسطيني، بل نقول من موقف محايد تماما، أن الإسرائيليين لا يدركون حتى الآن أن قضية الفلسطينيين قضية عادلة وتستوجب حلا، فهم مستمرون في ممارسة العدوان على أفراد الشعب الفلسطيني بقتلهم وسجنهم دون أن يتوقفوا ليدركوا أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تموت أو تتلاشى لأنها قضية شعب يعيش في المنفى ولا بد أن تتحقق له العدالة.
وإذا نظرنا إلى الموقف الدولي وجدنا موقفا غريبا، فقد خرج المعسكر الشرقي بصورة كاملة من المعادلة، وبدأت الولايات المتحدة تقدم تفسها كوسيط في هذه القضية، ولكنها لا تقوم بدور الوساطة الحقيقية، والأدهى هو أن الجامعة العربية لم يعد لها وجود في هذه الصورة، وليس ذلك فحسب بل إن الدول العربية التي كانت ذات يوم تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأولى، قد نفضت يدها من الانغماس بصورة كاملة في هذه القضية، وبدأ الشعب الفلسطيني يقف وحده في العراء يواجه هذا الموقف المأساوي الذي يحتاج إلى إعادة نظر، ليس فقط من الموقف الدولي بل في الأساس من الدول العربية، لأنه إذا لم تظهر الدول العربية صلابة في دعم القضية الفلسطينية فإن الآخرين لن يلتفتوا إليها وستظل المأساة تراوح مكانها.

٭ كاتب من السودان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق