بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 يوليو 2014

طرد المسيحيين بالموصل بالتزامن مع حرب غزة… هل نرتاب؟ بسام البدارين

لا أجد وصفا محددا يمكن أن يقودني إلى أي فهم من أي صنف للمنتج الذي يخدم الإسلام والمسلمين بطرد المسيحيين من مدينة الموصل خصوصا من قبل «غرباء» دخلوا العراق تحت راية الإسلام ليطردوا أهل المنزل والبيت والوطن من فنائهم.
ولا أفهم حتى هذه اللحظة كيف وافق أهالي الموصل وأولادها وعشائرها على عملية الطرد هذه التي تزامنت بوضوح مع بدء العدوان العسكري الهمجي على أهل قطاع غزة»المسلمين».
انا شخصيا لا أصدق بأن دين السماحة والعدل والإنصاف يشرعن مثل هذه التصرفات فعرق المسيحيين ودماؤهم في بلد عظيم كالعراق مجبول بالتراب وبعض المسيحيين أقدم من العراق نفسه في تلك الأرض التي كانت طيبة وإنتهشتها الحرب الطائفية البغيضة التي تضرب الآن للأسف في كل حي وقرية وناحية وعشيرة عراقية.
لا أجيد النقاش في الأحكام الشرعية لكني أفترض سياسيا بأن طرد أي مواطن من منزله جريمة كبيرة لا تقل عن القتل والسرقة والإغتصاب. والأخوة المسيحيون في العراق من أنبل وأشرف العراقيين كانوا كذلك وإستمروا ورفض معظمهم مغريات الإقامة في الخارج»الصليبي».
كمسلم لا أشعر بأي شرف جراء تعطيل كل قيم المواطنة في أي مجتمع مسلم ولا أشعر بزهو وانا امارس تراثا من التربية الإسلامية عنوانه إحترام الشركاء وكمسلم بالتأكيد لا تمثلني هذه التصرفات بل أنا «مرتاب « فيها من حيث التوقيت والهدف والنهايات والنتائج الوخيمة.
أفترض بأن اي دولة عربية أو إسلامية ينبغي أن تحسن الشراكة مع المسيحيين عندما يفضلون شمس أوطانهم التي تلفحهم على ناطحات السحاب والفلل الفاخرة في عواصم الغرب فها هي فرنسا تدخل على الخط وتعرض اللجوء لجميع مسيحيي الموصل لتستثمر الحدث سياسيا ضد امة الإسلام والمسلمين الفرنسيين.
وذلك بحد ذاته سبب لإحترام المواطنين جميعا على أمل أن يتوقف «بعضنا» من تقمص فكرة تمثيل السماء منفردا والعدالة الآلهية لندرك بان عظمة الإسلام تجلت أصلا في إحترامه لكرامة الإنسان وفي تكريسه لثقافة المواطنة.
إذا قبلنا اليوم وتحت أي ذريعة إقصاء فكرة دولة المواطنة وإستبدلناها بدولة دينية نقبل تلقائيا ببيع فلسطين عبر السماح للصهيونية بإقامة دولتها اليهودية على واحدة من أقدس وأشرف بقاع المسلمين.
إبعاد المسيحيين عن ملكياتهم في الموصل وتركهم بالعراء جريمة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى يرد عليها رجل دين مسيحي وطني محترم وهو يدعو المسلمين في قطاع غزة لإقامة صلاتهم في الكنائس إذا دمر الجيش الإسرائيلي مساجدهم.
لا أرى اي فائدة من أي نوع ترجى للإسلام أو تخدم المسلمين من وراء مطاردة المسيحيين وطردهم ومصادرة أملاكهم وقطع رؤوسهم وسرقة مصوغات نسائهم…على العكس تماما سيحمل الغرب «الصليبي» إياه على الإسلام والمسلمين أكثر بعد فعلة من هذا النوع لا يمكن تبريرها لا قانونيا ولا إنسانيا ولا ميدانيا ولا حتى أخلاقيا.
على العكس تماما سيخسر الإسلام ويتألم المسلمون وتتهدد مصالحهم في كل مكان جراء هذا القرار الغريب الذي أعتقد ان جهة غامضة إتخذته لأغراض إثارة فتنة طائفية في المنطقة التي تسبح اليوم في بحر من الظلمات والفتن والإقتتال. فالمسيحيون في هذه المنطقة كالمسلمين تماما من ملح الأرض ومن اهلها ولا مجال إطلاقا للمزاودة على مسيحي عربي إلتزم في سلوكه الإجتماعي والقانوني بتعاليم الدين الحنيف السمح أكثر من آلاف المسلمين.
الطغاة من حكام العرب مسلمون في اغلبهم ..كذلك الحرامية والفاسدون واللصوص والجواسيس والمرتزقة والمجرمون والمسيحيون في غالبية الدول الإسلامية كانوا دوما من عناوين الوطنية والإلتزام ولم نكن نشعرإطلاقا بانهم أقلية أو يتصرفون معنا كأقلية.
لا أفهم كيف قبل البعثيون في الموصل بما حصل فرمز عروبي مسيحي مناضل من وزن طارق عزيز فقد حاسة السمع والبصر والقدرة على المشي في السجون الطائفية التي تتبع المالكي ولا زال قابعا بالسجن لسنوات طويلة جدا متمتعا بماكينة القمع «الصفوية» حسب ادبيات التنظيمات التي قررت طرد مسيحيي الموصل.
هل ثمة مجال للمزاودة على وطنية طارق عزيز وعلى صموده وعلى الثمن الذي دفعه مع عائلته لأنه فقط كان ركنا في نظام قصف تل أبيب وليس لسبب آخر فالعراق يعاقب وتنهب ثرواته بسبب تلك الصواريخ وليس لأي سبب آخر وكل من يملك ضميرا يعرف ذلك جيدا.
لا ينبغي الموافقة على تشويه سجل ناصع لرجل محترم كطارق عزيز عبر قرارات غير مفهومة بطرد جزء أساسي من اهله وطائفته كان على مدار التاريخ جزءا من النسيج القومي والوطني والإجتماعي العراقي .
طرد المسيحيين قرار لا يؤذي العراقيين فقط بل يؤذي الإسلام والمسلمين ويلتقطه اعداء الأمة كذريعة لشن المزيد من الحروب على العالم الإسلامي في وقت حرج وحساس لا تميل فيه الكفة للمسلمين فيه ولا موازين القوى فأين الحكمة والثمار في قرار من هذا النوع.
طرد المسيحيين لا ينطوي على فروسية اونبل ومفعم بالإستعلاء والتكبر والجهل بالوقائع وغيرمنتج لأمة الإسلام ولا يفيد إطلاقا ضحايا العنف الطائفي من أهل السنة العراقيين المسلمين الذين يستندون أصلا في ثورتهم ضد الظلم والطغيان الطائفي على مسوغات الإستهداف والإقصاء والتمييز وهي مسوغات تستعمل اليوم ضد مواطنين وادعين هادئين مسالمين قرروا البقاء في وطنهم وقراهم مشكلتهم الوحيدة أنهم مسيحيون وانهم أحبوا العراق.
هذه الجريمة يتداولها بتضخيم مقصود هذه الأيام الإعلام الغربي الحاقد على الإسلام والمسلمين للإسترسال في تفهم ودعم حرب إسرائيل الشرسة ضد المسلمين في فلسطين ويتم حسابها كجريمة إرتكبها كل المسلمين وسابقة تمثلهم، الأمر الذي سيزيد من الظلم الواقع على الأمة وهي ضعيفة وسيرهق أكثر رعايا الدول الإسلامية في كل مكان.
وليس سرا ان المستفيد الأول والأساسي من جريمة طرد المسيحيين بعد إسرائيل هونظام الرئيس نوري المالكي الطائفي الخصم الأبرز والأهم لمن طردوا المسيحيين زاعمين أن ما فعلوه إلتزام حرفي بتعاليم الإسلام الحنيف حيث لم نقرأ في المدارس وكتب السيرة النبوية العطرة مشهدا مماثلا لما حصل في الموصل.
لا يمكننا الإقرار بهذا السلوك الطائفي المقيت وندعو علماء الأمة وفقهاءها لقول رأيهم وكلمتهم فيما حصل.
ولا نعتقد بان المستضعفين المهمشين المظلومين من ضحايا الإقصاء الطائفي الذين ثاروا على المالكي ونظامه وأولاد التنظيمات الجهادية منهم بالتأكيد مستفيدون بأي شكل من قرار من هذا النوع يخالفه المنطق والتوقيت والمسايسة ومتطلبات المعركة وواقع الأمر بالإضافة إلى أنه يخالف سماحة الإسلام وسعته وأخلاقيات العروبة وتراثها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق