بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 يوليو 2014

تراجيديا الدم - عبده وازن

ليست مأساة تراجيدية هذه «المسرحية» الدموية التي يشهدها العالم العربي اليوم. إنها مأساة المآسي. إنها الفاجعة كما عرفتها شعوب التاريخ «الملعون» وكما روت عنها الملاحم والأساطير القديمة. فاجعة تكاد تتخطى الفجيعة الفلسطينية
التي حدثت في العام 1948 فالجزارون ليسوا اسرائيليين بل من أهل الارض. في المأساة الفلسطينية كان سفاحو «التوراة» الجدد هم الاعداء وفي مواجهتهم شعب فلسطيني وعربي يقاتل ببسالة. كان هناك أعداء هم الاسرائيليون الغزاة ومن ورائهم دول، هي التي نسميها الغرب الحديث، وعلى مرأى العالم ومسمعه راحوا يرتكبون كبرى جرائم التاريخ الجديد.
المأساة نفسها الآن، مأساة المآسي، لكنّ القتلة هم عرب، يتوارون زيفاً وراء أقنعة الدين، والقتلى عرب ايضا، ابرياء وعزّل على عادة معظم القتلى. مأساة أشد فداحة وعنفاً وبطشاً وإراقة دم... إنها مأساة «اهلية» إن استحق هؤلاء البرابرة أن يوصفوا بـ «الاهل». هؤلاء البرابرة الذين لا يمكن تصنيفهم ولا وصفهم. برابرة البعث، برابرة الظلام، برابرة «داعس» وليس «داعش»، برابرة الخارج...

مأساة هي أكثر من مأساة. مَن كان قادراً أن يتخيل «مشهديات» الدم والقتل والسفك والحرق والهدم التي نشاهدها اليوم، ونكاد - يا لسخرية القدر- ان نعتادها؟ من كان يتخيل ان تمطر سماء سورية باروداً كما حصل في سدوم وعامورة في «العهد القديم»، مطر يسقط على الاحياء وأحيائها أو موتاها بالاحرى؟ من كان يتخيل ان ترتفع الصلبان في دولة «داعش» الحديثة وعليها أناس معلقون يحتضرون تحت الشمس كما في العصور الدامسة؟ من كان يتصور ان النزعات المذهبية والعرقية ستلتهم نارها خرائط عربية عدة؟... مهجرون يسيرون مثل المنفيين وعلى رؤوسهم «غربان البين»، يغادرون اراضيهم وحقولهم، مدنهم وبيوتهم، هائمين في وضح النهار وتحت جنح الليل. أطفال يموتون جوعاً وعطشاً، نسوة ينحن على موتاهن وعلى أنفسهن، على ما كان وما يكون... جماعات تُباد ومدن تُدمر وحقول تحترق.

هذا زمن القتلة. القتلة هم الذين يصنعون زمن الحاضر. القتلى يُقتلون فقط. يكفيهم أن يُقتلوا. هذا زمن البعث الفاتك، البعث الفتاك، زمن «النصرة» المنتصرة ولو على الاطلال، زمن «داعش» الداعس والمتخبط «خبط عشواء»، زمن اسرائيل الساهرة على قتل ما تبقى من فلسطين، زمن النوم العربي، زمن الصمت العالمي والتواطؤ العالمي... لسنا سوى أرقام نحن، ولا همّ إن تناقصت. لا حاجة بنا ان نزداد. لماذا؟

في الغرب يقلق البشرعلى حيواناتهم، يصرون على حقوقها، يعالجونها إذا مرضت، يصنّعون لها طعاما يغذيها، أما إذا نفقت فتقام لها حفلات وداع وتدفن. في الغرب، هذا يحصل في الغرب كما نعلم جميعنا، بل كما نشاهد على الشاشات وفي الصور. في الغرب نفسه الذي يرسل الينا كل انواع السلاح ثم المعونات ثم البعثات الانسانية التي من مهمتها ان تعاين احوال الخراب الذي اوقعناه نحن في بلادنا.

ليست رائحة نتنة هذه التي تشمها يا «هاملت» العربي، أيها الثائر الحالم بـ «الربيع». إنها روائح الجثث التي تُرمى في الوديان. رائحة الاطراف المقطوعة المتناثرة على الطرق وفي الساحات. رائحة البارود الذي تمطره الطائرات في مهمة وطنية. رائحة الحرائق والدخان الذي ينبعث منها. رائحة الكراهية الاهلية والحقد الاهلي والضغينة والطائفية والمذهبية والديكتاتورية.

تراجيديا مأسوية وفجائعية تبدو كأنّ لا نهاية لها. تراجيديا لا أبطال فيها بل قتلة وسفاحون ومجرمون وتكفيريون وبرابرة. إنها التراجيديا التي تفوق التصور، تراجيديا الضحايا، تراجيديا المقتولين والمحتضرين والمعذبين والمشردين والجائعين والمجوّعين، المجوّعين تأديباً لهم على أحلام حلموا بها.إننا نعيش في زمن الفجيعة العربية. لم نشعر يوماً أننا مهددون مثلما نحن اليوم، مضطربون كما نحن اليوم، يائسون وبائسون ومعزولون ومهددون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق