بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 9 يوليو 2014

بصراحة عن العنف والسلاح في الأردن بسام البدارين

ردة فعل إمرأة أردنية عجوزعلى شاشة إحدى الفضائيات العربية تعليقا على مقتل حفيدتها في مدينة الزرقاء كانت كالتالي : لو أمسكت بالقاتل لإلتهمت كبده وأكلت دماغه.
قالت العجوز ذلك رغم عدم وجود أسنان قادرة على تفتيت لقمة خبز عمليا في فمها لكن هذا التعليق وبرأي عالم إجتماع صديق يعكس أولا الغياب المطلق في وجدان الأردنيين لهيبة القانون وعدالته، وثانيا- وهوالأهم- يسقط حسابات ومساحات «داعشية» في عمق المجتمع من الواضح أنها وصلت لمستويات عصية على التحليل وقد تكون صعبة الإحتواء بسبب حساسية مفاصل العلاقة بين السلطة الحائرة والشارع المتمترس وراء الحاجة إقتصاديا والعنف المستوطن في غالبية الأحيان.
طبعا للعدالة العجوز المشار إليها كانت قد فقدت حفيدتها بطريقة إجرامية بشعة جدا حيث ترصدها القاتل بعدما رفضت الزواج به وطعنها عدة طعنات ومثل في جثتها في ساعات الفجر الأولى وبينما كانت تنتظر الحافلة التي تقلها للجامعة.
لا أدعي ولا أقبل أن يدعي أحد أنه يستطيع وضع نفسه في مكان العجوز المتألمة لكن ما أعرفه شخصيا بأن أيمان المواطن- أي مواطن- بالعدالة وبقيمة الحياة والإنسان وبالنظام القانوني كفيل بالإرتهان لحالة قانونية يتوثق فيها الضحية من ان جلاده سينال العقاب اللازم.
صديق مخضرم في الحياة العامة وفي جلسة خاصة ناقشت «دموية» الجرائم التي يشهدها المجتمع الأردني تحدث عن ملاحظة في غاية الأهمية: أشخاص مجهولون ولا مكان لهم من الإعراب ورصيدهم فقط في جيوبهم وفي حالات العزاء التي تخصهم يمكن للزائر رؤية شخصيات بارزة جدا والعشرات من الموظفين والحكوميين في مواقع حساسة في خيمة عزائهم.
معنى ذلك الصريح والمباشر أن هيبة الموظف العمومي تلاشت لصالح تبادليات المنافع والمصالح التي تدار بين شبكات قوية ونافذة ..نتيجة المشهد خصوصا على هيبة القانون والمؤسسة الرسمية لا تحتاج لعبقرية فعبر تمرير مخالفات صغيرة بسبب تحالف المصالح الشخصية هنا وهناك تنمو وتكبر وسط الناس»المصداقية المهزوزة» للمؤسسات الرسمية. والسكوت على جريمة صغيرة يشجع احد ما في وقت ما على إرتكاب جريمة أكبر …هذا جزء من ماكينة الفساد الإداري والأخلاقي التي ضربت النخبة في المجتمع .
رأيت بعيني الغالبية الساحقة من طبقة الحكام وأصحاب القرار ونخب الإدارة في جاهات أعراس أو على موائد شخصيات ثانوية جدا بطريقة مؤذية كرست تقلص إيمان المواطن الأردني بنخبه وقادته ورموزه حتى بات إرتكاب جريمة أمرا عاديا وطبيعيا ما دامت جرائم أكبر ترتكب ولا أحد يلاحقها . التاجر الذي أطلق الرصاص على رأس موظفة شريفة في وزارة الصناعة والتجارة رفضت تمرير معاملته بسبب مخالفة قانونية لم يتصرف بهذه الطريقة لولا قناعته المسبقة بان من حقه الطبيعي «تصريف» شؤون الصفقة التي تخصه ما دام القانون لا يلاحق «كبار اللصوص». 
ولولا ثقته بأن أحدا لن يتجرأ على سؤاله عن السلاح الذي يحمله ويدخل فيه إلى مبنى وزارة مهمة وسط العاصمة عمان ما دام ثلث نواب الأمة يمارسون واجبهم الوطني في التشريع وهم يحملون مسدساتهم تحت قبة البرلمان وهي مسدسات يعرف الجميع ان لأغلبها قصة تتعلق بـ «هدية» من مسؤول كبير أو مهم.
ضعف مصداقية حملات مكافحة الفساد بعد «تضخيمه» من قبل الإعلام الذي يتبع السلطة ورموزها في الأصل ويعمل مع أجهزة الحكومة من الأسباب الرئيسية لإنهيار مصداقية القانون في المجتمع وبالتالي تنامي شعور بعض الموتورين بأن من حقهم إستعمال السلاح الفردي غير المرخص في اي وقت وضد أي إنسان ما دامت «عشرات العباءات» ستتحرك وراء المجرم للفلفة القضية وتخفيض العقوبة وتدبير صفقة عشائرية بائسة هنا أو هناك.
السكوت عن «ضرب» فرقة موسيقية بطريقة همجية في عقر دار بلدية العاصمة يعطي المواطنين في كل مكان مؤشرا على أنهم يستطيعون ضرب اي كان وفي أي وقت حيث لم تعد المراكز والمقرات الرسمية محصنة ضد العنف لأن «الدهلزة» نفسها كانت حاضرة وهي تتغاضٍى عن ممثلي الشعب وهم يستعرضون تحت قبة البرلمان بأسلحتهم الفردية التي إستعملت فعلا مرتين على الأقل وكادت تستعمل مرة ثالثة.
يحصل ذلك أيضا بسبب «تزوير الإنتخابات» وتسويق كذبة على صاحب القرار المرجعي قوامها التزوير من اجل ضمان أغلبية نيابية سياسية تحافظ على النظام والدولة بينما كان التزوير الفاضح وفي كل مرة يلتهم ما تبقى من موقف الناس من الدولة وما تبقى من رصيد للنظام.
فكرة تزوير الإنتخابات في غرف العمليات ولدت على أساس السعي لإبعاد مشايخ الأخوان المسلمين حصريا فيما تبين الأن بأن كلفة «بدلاء» الشيخ حمزة منصور الذين زورت لهم مقاعدهم على الدولة والقانون وحتى على عمليات التشريع باهظة جدا لدرجة ان وزيرا بارزا في الحكومة ومن المسيحيين الوطنيين المحترمة قال بصورة علنية وامام رئيس الوزراء : سقى ألله أيامك يا شيخ حمزة. الإصرار على مدرسة التلاعب بالإنتخابات والعبث فيها بالتوازي مع تكبير سؤال الفساد بدون مبرر في اوساط المواطنين من العناصر الأساسية التي نثرت وزرعت الإحباط الإجتماعي ودفعت المواطن الأردني لأقصى مسافة محتملة وممكنة نحو ممارسة العنف والجنون والتوتر في مظاهر»سكت» عنها بعض المسؤولين في بعض المراحل تحت لافتة الربيع العربي وحى يشعر الناس بـ «الحاجة للنظام والدولة».
تلك الأخيرة كانت اغبى محاكاة ونظرية عرفتها الدولة الأردنية العصرية وسبب الغباء فيها أنها غير مبررة وغير منتجة وتؤذي النظام بالقدر ذاته الذي تؤذي فيه الشعب لأن هذه الوصفة البائسة صالحة لأجهزة أمنية غير محترفة في أنظمة ديكتاتورية تحكم بالنار وتنقصها الشرعية وهي مواصفات غيرمتوفرة إطلاقا في الحالة الأردنية التي كانت مثالا في العلاقة بين شعب وحكام قبل أن يفسدها الطارئون والمغامرون من رموز الإدارة الذين جازف بهم النظام نفسه عندما وضعهم في الصف الأول على حساب التكنوقراط والخبراء والوطنيين والمؤمنين حقا بالإصلاح والديمقراطية.
المجازفة كانت كبيرة لدرجة أن العائلات والمناطق والعشائر الأردنية لا يوجد الآن من يقودها ولا توجد لديها مرجعيات منتجة محترمة يستمع لها عندما تقرر أو توصي بسبب شيوع نظرية «الإستبدال»التي تواطأ معها رموز التيار الليبرالي في واحدة من الجرائم الإجتماعية.
وهي نظرية كانت تقصي «الزعامات» الجذرية لصالح طبقة مصنعة ومزيفة من «المشايخ» ونظرية تعلي من شأن»المخبرين» على حساب «المؤمنين» بالدولة والنظام وتقدم الإنتهازيين بدلا من أصحاب الرأي الآخر والناصحون الحقيقيون الجذريون المؤمنون بالوطن الأردني.
الإستبدال ذلك شمل بطريقة مقلقة كل القطاعات والمفاصل من صحافيين إلى وزراء وأعيان ومشايخ عشائر ورموز تيار إسلام سياسي وقيادات حزبية وكبار الموظفين وحتى رجال الأعمال من مؤسسي القطاع الخاص.. إستمرت هذه اللعبة حتى خذل البدلاء الدولة والنظام فأخفقوا بصورة لا تقبل اللبس والغموض وبكل اللغات وعلى كل المستويات.
..مثل هذا الكلام أعلم مسبقا أنه سيجمع كثيرين إلى دائرة المخاصمين لي شخصيا لكن كل القراءات التي تشتكي من شيوع العنف الإجتماعي وبطريقة مقلقة جدا لا تتحدث بصراحة عن الأسباب الكامنة والحقيقية وراء الستارة وها قد عرضت بعضها بإجتهادي الشخصي مع ثقتي بان الإستدراك ممكن والإصلاح واجب لأن الأردن وطن يعيش فينا جميعا ولا نعيش فيه .. والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق