بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 12 أبريل 2014

يوميات - أشهى من لحم الأتراك - محمد علي فرحات

الاثنين 7/4/2014: الطبل
يبتعد صوتك فلا يبقى أثر، من فرح الشجر والهواء. ولم أتصور أن أختصرك بصوت ممهداً لاختفائك. روحي فارغة مثل طبل أخشى من ضجّته على الجيران.
الابتسامات الأولى لم تكن وعيد عزلتي. التقينا في رواق المكتب الطويل وقلنا انه حديقة
لا رواق، وكان، وقطفنا التفاحة من شجرة.
كانت الابتسامات الأولى وعداً، ولكن، غامضاً.
 > الثلثاء 8/4/2014:ضمير العالم؟
مَنْ قال إنك ضمير العالم حتى ترهق نفسك بكل هذا العناء؟ نومك إغماءة، وصبحك يترافق مع بائس يلتحف الهواء. وأنت دائماً مع كل جائع تجوع وتغرق مع كل غريق، وتنضم الى الثائرين بلا نقد.
الرسولية التي تدّعيها ثم تصدّقها صارت نُدبة في الروح صعب شفاؤها. وكم يصيبك العجب حين ترى سوريين في باريس يضحكون فيما أهلهم قتلى أو مشرّدون، وتكاد تعتبر الضحك خيانة كأن الناس جميعاً منذورون لقضايا مقدّسة لا تسمح بعمل وحياة يومية طبيعية.
أنت ضمير العالم، إذاً، انت مصاب بمرض غامض لا اسم له ولم يتوصل العلماء إلى دواء يشفيه.
ولنتكلم بهدوء:
أليست هذه الرسولية المَرَضيّة هي المعادل الفاضل للديكتاتور الفاقد الفضيلة؟ أليس الديكتاتور ضمير العالم على طريقته، حين يندب نفسه لقيادة شعب ورعايته فيتحول بقسوته واستبداده لعنةً على هذا الشعب؟
ولئلا تكون المناضل الدائم أو الديكتاتور الدائم، يمكنك استعادة صفة المواطن الذي تتّسع حياته لانشغالات الثورة بقدر ما تتسع للعمل والحب والفرح. وإذا تعذّرت الاستعادة يمكنك النظر، ببساطة، في المرآة، ورؤية وجهك فرداً مسؤولاً عن نفسه. ولو أنك فتحت عينيك ورضيت بما في المرآة لانفتَحت أمامك، إلى جانب الواجب الإنساني، نوافذ الحياة: أن تفرح لنور الصباح وتبتسم لجمالات عابرة، أي أن تقطف الوردة وتشمّها، ولا تأسى على انفراط أوراقها على الرصيف.

> الأربعاء 9/4/2014: لحم الأتراك
لغة أبو بكر البغدادي على «يوتيوب» لا تشبه سجع الكهّان في الجاهلية ولا مقامات الهمذاني والحريري في الإسلام. إنها سجعٌ شعبوي مستهتر أشبه بأمر عمليات قتل مع احتقار للآخر لا يخلو من شتائم.
والبغدادي أمير «داعش» يجاهد لتوحيد العراق والشام بتدميرهما، بعدما عجز البعث الحاكم عن الحدّ من صراع دمشق - بغداد كما عجز قبله الحزب السوري القومي الاجتماعي عن التأليف بين بلدين يشكّلان معظم هلاله الخصيب.
لغة البغدادي تمحو جماليات العربية الحديثة التي عرفناها مع نزار قباني وأدونيس وشاكر مصطفى وبدر شاكر السيّاب وغيرهم. تمحو لغة النهضة العربية في الشكل، كما تمحو في المضمون كتابات السوريين الراهنة عن ثورتهم المخطوفة وكتابات العراقيين لإحياء صورة وطن مزّقها إسلاميو الشيعة والسنّة، الحاكمون والثائرون.
كلام البغدادي الذي يتناغم مع انحطاط خاطفي الثورات، نُهدِيه مصحوباً بالاعتذار إلى أدباء سورية والعراق المنحازين إلى وعد الثورة والمستقبل.
وكان البغدادي، المكنّى بـ «الكرّار»، قال فــي تســـجيل صوتي علــى «يوتيوب» بعـنـوان «تنبيـــه الغافلين من قاعدة المخالفين»: «ترقّبوا من ترجماننا الإصدار هدية من المهاجرين والأنصار وفيه عمليات كبار تهدم القبور والأحجار».
وتوجّه إلى رئيس الحكومة التركية رجب طيّب أردوغان قائلاً:
«ندعوه لمدّ الأيادي والإذعان لمبايعتنا قبل فوات الأوان وإلا أتيناه بجنود أنيسهم أشلاء الجندرما وشرابهم الكولا والبسطرما، وإنهم ذاقوا أنواع اللحوم فما وجدوا أشهى من لحوم الأتراك، وشايهم نشهد أنه طيب المذاق».
وأنهى البغدادي بالقول: «اعلموا أننا ننتظر الوقت المناسب (...) لكننا الآن مشغولون بمحاربة المعاصي والكبائر وحرق الخمور وعلب السجائر».
وللمناسبة، فإن «أبو بكر البغدادي» اسم مستعار، فلا هو يذكّرنا بأبي بكر، الخليفة الصدّيق منقذ الإسلام في قوله «من كان يعبُد محمداً، فإن محمداً قد مات ومن كان يعبدُ الله، فإن الله حيٌّ لا يموت»، ولا هو ببغدادي حقاً لأن بغداد عاصمة العالم المتمدّن في زمنها شهدت على سماحة الإسلام حين يحتوي الآخر ولا يرفضه.

> الخميس 10/4/2014: الرحّالة والسائح
جمع الكاتب السعودي عبدالله منّاع انطباعات زياراته بلاداً شرقية وغربية في كتابه الجديد «العالم رحلة» (منشورات التنوير)، وليست رحلاته في التاريخ أو في الجغرافيا بقدر ما هي حوار مع الزمان والمكان والبشر الحاضرين والغائبين.
كاتبٌ يعي الفرق بين الرحالة والسائح، وأن أي كتابة في السفر تقدّم جديدها من زوايا لم يكتبها قلم ولم تصوّرها كاميرا.
يشمل «العالم رحلة» انطباعات عن تركيا وبريطانيا وإيطاليا واليابان، كما عن اليمن وتونس والربع الخالي. يطلع منها القارئ بملاحظات عن معالم الأمكنة وطبائع السكّان مع إحساس بوحدة البشر كيفما كانوا وأينما حلّوا.
حين تلقيتُ الكتاب من صديقنا المشترك أحمد عدنان وتصفّحته استقرّ نظري على مقطع يتناول النشيد الوطني التركي الذي كتبه محمد عاكف ارصوي ونقله الى العربية محمود الدغيم - يقول منّاع انه عراقي في حين انه شاعر وباحث سوري معروف.
ما يُلاحَظ هو وجود الشعورين الوطني والديني معاً في النشيد، ودليلنا في هذين المقطعين:
«لا تخف فالراية الحمراء رمزٌ في عُلاك
سوف تبقى ما بقت حمراء توقد في ذُراك
نجمة الشعب ستبقى تتلألأ في سماك
ابتسم لي يا هلالي وخذ الروح فداك
خذ دمائي بل لوائي فلك الدمُ حلال
سوف تبقى ما بقينا رمز مجدٍ يا هلال
إن الاستقلال يُبنى فوق هامات الرجال
سوف يبقى ما بقينا نحن نعبد ذا الجلال».

> الجمعة 11/4/2014: حبيب حداد
ترك الزميل حبيب حداد لبنان في مطلع حروبه المديدة متجهاً إلى باريس، وهناك وجد في أسبوعية «المستقبل» القصيرة العمر مكاناً لرسومه. وقد «غامر» نبيل خوري بنشرها على رغم جديةٍ ورصانةٍ لا تشبهان الكاريكاتور السائد بخفته وسخريته.
واعتمدت «الحياة» المغامرة نفسها فأصبح كاريكاتور حداد جزءاً من صفحة الرأي في الصحيفة العربية الدولية الصادرة من لندن.
ها إن الرسام يعود إلى وطنه عبر معرض تنظمه جميعة الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت بالتعاون مع «الحياة» و «مؤسسة الصفدي»، في بيروت بين 15 نيسان (ابريل) الجاري حتى 28 منه، وفي طرابلس بين 8 و10 أيار (مايو) المقبل.
وليس في كاريكاتور حداد رمز يعادل «حنظلة» ناجي العلي أو «أبو خليل» جان مشعلاني أو الفلاح الساخر في رسوم بيار صادق. لذلك يحاذر الغرق في الرصانة فيلجأ إلى لعبة الفن بخطوطها وظلالها، عاجناً الفكرة والرسمة برشاقة تصل إلى العقل والروح.
حبيب حداد ملتزم بالإنسان بلا حدود، ويعي أن الكاريكاتور المحلي أو الفولكلوري من ذكريات الماضي، لأن الشأن الإنساني يتجاوز الأوطان واللغات إلى المشترك:
السلام بما هو تحدّ دائم وحركة حياة وأمل بمستقبل.
والعنف بما هو انتحار يتخفّى في صورة نضال.
والحرية الأشبه بالتنفس، مع خطورة اختطافها للتسبب بخنق الإنسان.
والبيئة بما هي طعام لكل فم ومحافظة على الأرض والفضاء، لئلا يفسدا كما فسدت نفوس كثيرين.
حين شارَكَنا حبيب حداد في «الحياة» كان يُدرك ان الكاريكاتور مقال يختصر رزمة أحداث لا حدثاً واحداً، وأنه تعبير عن إيقاع السياسة لا مجرد تعليق على حدث. ولا بد من التنويه بفنّية كاريكاتور حبيب حداد. إنه لوحة تقترب من الغرافور وقد تتفوق عليه في أحيان كثيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق