بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 19 أبريل 2014

«الكلاسيكو» إذ يشبه أوكرانيا و...سورية! أحمد مغربي

نه الملعب الكروي الأخضر لصراع الكلاسيكو في نهائي «كوبا ديل ري» 2014. حضر المستطيل في «الميساتا» كما على شاشات البث التلفزيوني المعولم. لكن، لنحذر غواية السهولة. لا شيء في «الكلاسيكو» يحدث «داخل» المستطيل الأخضر! الأرجح أن معظم الصراع المحلي المسور بالحدود المرسومة والجدران المرتفعة، لا يحدث في
«الداخل». لعل أكثره في «الخارج». بداية، هناك صراع بين فريقين إسبانيين، لكن هويات لاعبيهما تأتي من دول قريبة وبعيدة. إنها العولمة. صحيح. لكن للعولمة أيضاً صراعاتها وتفككاتها وتشظّياتها وهيمناتها.
وحدة مُؤرّقَة وبديلٌ لها باتت يشبهها!
 أبرز من يقع في وَهْمِ «الداخل» هو الناس، الجمهور ولنقل الشعب.
كم حضر «داخل» الملعب؟ 50 ألفاً أو 60 ألفاً؟ كم تابعه «داخل» إسبانيا؟ 5 ملايين؟ 20 مليوناً؟ كيف تبدو هذه الأرقام بالمقارنة مع مئات الملايين الذين باتوا هم الجمهور الفعلي للصراع الكروي.
بفضل هذا البعد العالمي المعولم لمشهدية الصراع، يحوز الكلاسيكو أهميته، وكذلك أمواله التي باتت في أرقام بليونيّة مدوّخة. في الأرقام أن مجموع قيمة لاعبي 3 منتخبات (إسبانيا وأرجنتين والبرازيل) تفوق بليوني دولار. وليس الرقم سوى قمة جبل الجليد العائم، لأن الأموال الأضخم هي في المضاربات والاعلانات وحقوق البث التلفزيوني وغيرها. ومباشرة على حدود الملعب الأخضر، ظهرت إعلانات الشركات العملاقة العابرة للحدود، ولن تورَد الأسماء تجنّباً للوقوع في فخ الإعلان غير المباشر عنها.
 مَنْ لا يعرف أن المصالح العملاقة العابرة للحدود هي المُمْسِكَة بالصراعات حاضراً؟ من لَمْ يتابع تدفّقات الأموال المسيطرة على اللعبة؟ ليست فضائح صفقة نيمار أو استضافة قطر للفيفا سوى جزء بسيط من لعبة المال.
ومنذ زمن العولمة، باتت تلك الأموال كلها هي المحرك الفعلي لكرة القدم (أيضاً وأيضاً كحال السياسة)، وكلها تقع «خارج» الاستاد، بل خارج النوادي المتنافسة على حلبة الصراع.
في استوديو «بي إن سبورت» حضر جمهور عربي بالأجساد، منحازاً إلى «الملكي» أو «الكاتالاني». ويحصل الأمر نفسه أمام مئات ملايين الشاشات المتلفزة التي تبثّ الكلاسيكو إلى الكرة الأرضيّة بأكملها.
 إذاً، لنترك وَهْمَ أن الجمهور هو ما يحضر بالأجساد داخل مربع الصراع. سواء أكان صراعاً في الكرة أو في السياسة، سواء في استاد "ميساتا» أو في كييف وحمص. لنفكر قليلاً. هل من شيء بقي "داخلاً» في عالم العولمة والتشابك الرقمي للناس، والتشابك الضخم في مصالح الدول المتصالحة والمتنافسة والمتصارعة، على حدّ سواء؟ وليس سقوط وهم الجغرافيا المباشر للصراع سوى بند في قائمة طويلة.
ماذا يقول فشل الـ«تيكي- تاكا»

على أجساد لاعبي الفريقين الإسبانيين، قمصان مكتوب عليها «فلاي إماريتس» للفريق الملكي، و«قطر إيرلاينز» للكاتلاني. وقبل الكلاسيكو بيوم، كتب أحد الزملاء عن البُعد السياسي للمباراة، موضِحاً أنها تعتبر صراعاً بين أنصار إسبانيا الملكية الواحدة الخاضعة لسلطة العاصمة، وبين النزعة الانفصالية الضخمة المتصاعدة في الإقليم الكاتلاني. (أنظر «الحياة» في 17 نيسان- إبريل 2014).
إذاً، ما دار في ملعب «ميساتا» في الكلاسيكو، لم أساسه يكن في الملعب والكرة. كان صراعاً وضع الوطن أمام الاستمرار في وحدة أو التفكك في انفصال يليه انفصال.
ربما لا تكون الوحدة سليمة دوماً. لعل الوحدة الإسبانيّة مؤرّقة بالتاريخ الدموي الحافل بالتدخلات الخارجية أيضاً، للحرب الإسبانية قبيل الحرب العالمية الثانية. لكن، من قال أن بديل الوحدة االمؤرقة بالاضطرابات والتمزّقات، هو التفكك والتشظّي والتفتت؟
لعل بعضاً من الإجابة جاء في «كلاسيكو» 2014: انزلاق الانفصال الى السقوط. هناك أبعاد كثيرة للإجابة. إذ طالما لعب البرشا المتمرّد بروح التضامن والفريق الواحد، في مواجهة السلطة وغرقها في الأموال التي تُنْفَق لصنع أبطال ينجحون في التألق على حساب الفريق، وربما الوطن. ثمة شيء من ذلك في أسلوب الـ«تيكي تاكا» الجماعي، الذي تألّق فيه ميسّي بطلاً شعبيّاً، ما أعطى للأموال المُنْفَقَة في «البرشا» معنى آخر غير ذلك الذي في «الملكي». لكن الأمور سارت الى اتجاه آخر. جاءت صفقة نيمار المقلقة، لتظهر فساداً في فريق المعارضة المتمردة. بدت الأموال كأنها تعيد صياغة التمرد ليصبح على شاكلة النظام في العاصمة، بمعنى أنها تُنْفَق لصنع أبطال يتألّقون على حساب الفريق الواسع. ظهرت حساسيّة التفرّق بين نيمار وميسّي وإنيستا. لم تصمد جماعية الـ«تيكي تاكا». وتخبّط البرشا في وضع لم يعد فيه بديلاً بالقيم والأخلاق عن النظام الذي يمثّل التمرّد عليه، بل صار أقرب إلى شبيه له. ربما يفسر ذلك استخدام جماهير البرشا لمصطلح «مرتزقة» في وصف لاعبيها المهزومين.
هل هناك من يرسم خيوطاً ممتدة بين الكلمات السابقة وبين أوكرانيا التي تتبدل كرسي السلطة فيها بين المعارضة والمعارضة السابقة، أو حتى سوريّة؟ ترى ألم تتألم قلوب المعارضة السوريّة جراء صعود «داعش» التي شابهت ممارساتها النظام البعثي الدموي، بل أحياناً فاقته، وربما تقاطعت معه كثيراً؟
في الملعب الأخضر، حيث تؤدّى الصراعات (بالأحرى أنها لا تؤدّ فعليّاً)، هناك الظل الهائل للحكم. ليس مهمّاً أن يسقط ميسّي في منطقة الجزاء، المهم أن يصفّر الحكم. بين الإثنين، يكون ميسّي بطلاً يسجل الأهداف ويصنع الانتصار، أو يكون برغوثاً ضائعاً في معطيات الصراع.
لننتظر صفارة الحكم. صحيح أنها جاءت في بداية الكلاسيكو المثير، وحسمت خاتمته. ربما أطلق الجمهور صافرة البداية من درعا في سورية، لكن من أطلق صافرة البداية في أوكرانيا؟ وحاضراً، تبدو الآذان وكأنها تتأهب لسماع صافرة النهاية في أوكرانيا. كيف تكون صافرة النهاية في سورية؟ لننتظر. ولنصغ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق