بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

موسم الرئيس الضرورة توفيق رباحي

تمكَّن الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من البقاء في الحكم فترة جديدة سيكمل بها عشرين سنة في كرسيه، باعتباره الرئيس الضرورة. هكذا بدأت وانتهت حملته الانتخابية.
وغداً الأربعاء تجري انتخابات عامة في العراق تفضي بلا شك إلى بقاء نوري المالكي رئيسا للوزراء وحاكما فعليا للبلاد، باعتباره الرئيس الضرورة. وفي الأسبوع الأخير من الشهر المقبل ستشهد مصر انتخابات رئاسية تفضي إلى فوز المشير عبد الفتاح السيسي، بأغلبية مطلقة، باعتباره الرجل الضرورة.
وبعده بقليل سيتمكن بشار الأسد من البقاء رئيسا على سوريا في انتخابات لا أحد يعرف كيف ستجري، باعتباره الرئيس الضرورة الذي لا فرصة لسوريا في البقاء من دونه.
ثم يأتي دور الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ليفوز بانتخابات رئاسية ستجري في شهر حزيران (يونيو) باعتباره الزعيم الضرورة أيضا.
القاسم المشترك بين هؤلاء إيمانهم جميعا بأنهم ‘ضرورة’ لبلدانهم وشعوبهم. لا أحد منهم شكّ أو يشك لحظة واحدة في أنه قد يخسر الانتخابات. ولا أحد يعرف متى سيترك كرسي الرئاسة (ما يفيد بوجود نية الخلود فيه). وجميعهم بنوا أحلامهم وطموحاتهم، إن في الوصول إلى الرئاسة او البقاء فيها، على أسطورة الضرورة لا على برامج سياسية واجتماعية واقعية.
منذ ما يزيد عن نصف قرن تعيش الدول العربية وهمَ وأكذوبة الرجل الضرورة، المنقذ والمخلص. الرجل الذي يلبس الوطن ويذيبه في شخصه.
هؤلاء وغيرهم استعملوا فزّاعة الاستقرار والإرهاب لفرض أنفسهم في حالة السيسي، أو التمديد في حالة الآخرين. لا أحد يستثمر في المستقبل، كلهم يلتفتون إلى الماضي. كلهم يستعملون أدوات داخلية هي خليط من الانتهازيين والمخلصين والسذّج والطيبين وغيرهم.
ومثلهم استعمل أسلافهم فزّاعة إسرائيل والإمبريالية والصهيونية العالمية، مستعينين بأجهزة وأدوات قمعية داخلية قامت بالمهمات القذرة التي تطلبتها الظروف.
قبل وفاة الرئيس حافظ الأسد، صعب على كثير من السوريين تخيّل بلادهم من دونه. وعاش المغاربة نفس الخوف الممزوج بالتساؤلات قبل وفاة الملك الحسن الثاني. واحتار الأردنيون في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في وصف حال بلادهم إن توفي الملك حسين بغتة. ومثلهم احتار التونسيون الذين عاشوا تحت حكم بورقيبة والجزائريون الذين حكمهم الكولونيل هواري بومدين، والليبيون الذين لم يصدّقوا أن يأتهم يوم بلا معمر القذافي.
كل هؤلاء كانوا طغاة وديكتاتوريين، كلٌّ على طريقته وبحسب ظروفه، لكنهم اشتركوا جميعا، باعتبارهم الرجال الضرورة، في تكريس التخلف السياسي وقمع الحريات وسحق المخالفين.
توفي هؤلاء جميعا واكتشفت شعوبهم أنهم ليسوا ضرورة ولا قدرا محتوما عليها. بل استمرت الحياة، وربما أتيحت فرص لتكون بلدانهم أفضل حالاً. 
على الصعيد الشخصي، يمكن أن يـُغفَر لهؤلاء سقوطهم في فخ غرورهم الذاتي ونرجسيتهم وإيمانهم بأنهم الأفضل والأفيَد، وبأنهم خـُلقوا ليقودوا لا ليُقادوا.
وعلى الصعيد العام، يمكن أن يـُغفر لبعضهم، أو جميعهم، السياقات التي استولوا فيها على الحكم واستمرارهم فيه. وكذلك انقسام العالم إلى قطبين متنازعين فرضا عليهم الاختيار والانحياز لتوفير الحماية لأنفسهم وبلدانهم.
كانت لهم ظروف مخففة تتمثل في حداثة استقلال وتشكل الدولة الوطنية، وحداثة جروح الماضي الاستعماري ومآسيه على كل الأصعدة، وانتشار الأمية وقلة الوعي بين الشعوب مصحوبا بالبساطة والثقة الفطرية. هذا إضافة إلى حداثة الصراع العربي الإسرائيلي (قبل أن يتحول إلى صراع إسرائيلي ـ فلسطيني) ووجود إيمان بأن فلسطين ستعاد لأصحابها وإسرائيل يمكن سحقها بالقوة.
كل هذا مفهوم في حينه، أو يمكن وضعه في سياقه التاريخي كما فرض نفسه على الجميع.
السؤال اليوم: كيف يوجد، بعد خمسين وستين وسبعين سنة من الاستقلال، من يُصدّق أنه فعلا الرجل الضرورة لبلاده؟ وكيف يوجد على الأرض رجل يصدّق بأنه يستطيع أن يبيع لشعبه هذه البضاعة؟
يقفز إلى الذهن بسرعة الاستغلال البشع للتاريخ. هؤلاء يستحضرون أسوأ ما في الماضي: وجهه الديكتانوري البائس. وإلاَّ كيف يجرؤ قائد جيش دبّر انقلابا على رئيس منتخب، بأن يقارن نفسه بجمال عبد الناصر؟ 
وكيف يسمح رئيس يقترب من الثمانين من عمره يقود شعبا ثلاثة أرباعه دون الثلاثين من على كرسي متحرك، أن يشبّهه بعض المقربين منه بالرئيس الأمريكي فرانكلن ديلانو روزفلت؟ علما أن الأخير قاد بلاده بسلام من الأزمة الاقتصادية العالمية ثم قاد بنجاح منقطع النظير الحرب العالمية الثانية (وتوفي في الخامسة والستين)، بينما يقود الأول بلاده بخطى ثابتة نحو الإفلاس ويتمسك بالكرسي وهو على أعتاب الثمانين ولا يقوى على الوقوف.
من المفروض أن استحضار الماضي يدين أصحابه، فيفشل عبد الفتاح السيسي، مثلا، لأنه يستغل اسم وصورة و’مجد’ عبد الناصر رغم أن الأخير ذاته لو كُتب له عمر أطول، كان سيتغيّر ويتبرأ من كثير مما قام به ونـُسب له.
بيد أن العكس هو الصحيح. وعليه يجب البحث عن الأسباب في نفسيات الشعوب، التي بسبب غموض المستقبل وارتيابها منه، تفضل الاحتماء بالماضي ولا تجد ضررا في أن يعود بها رجل ستة عقود إلى الوراء.. إلى ماض لا تعرفه إلا من خلال الكتب مزيفا ومشوَّهاً.
إن كانت العقلية السياسية عند المحكوم قد تغيّرت إلى حد بعيد بحكم النمو الاجتماعي وما يصحبه من تطور ذهني وتعليمي وغيره، فهي لدى الحاكم مصابة بالجمود وبحاجة إلى أن تتغيّر، لأن لا شيء يبرر استمرار رجل في الحكم عشرين سنة وأكثر، أو يسمح له بأن يزرع الذعر بين شعبه اما أنا أو الطوفان. 
وهي الورقة الوحيدة المتاحة والتي يسود اعتقاد بأنها مقنعة، فاستعملها الذين في الحكم كي لا يطاح بهم (بن علي في تونس، مبارك في مصر، علي صالح في اليمن) ولم تشفع لهم. ويستعملها الذين يرغبون في الوصول إلى الحكم.
لا يمكن أن تكون الديمقراطية الغربية على خطأ في رفضها عبادة الشخصية. فهي عاقبت ونستن تشرشل وكافأت فرانكلن روزفلت في الظروف نفسها. عاقبت الأول لأن الإنسان غير مقدّس، وإن كان لا بد من مكافأته فليس بإبقائه في الحكم، وكافأت الثاني على ضوء ما حقق وأنجز وليس على وعود بأن ينجز.
لا يمكن أن يكون هناك أسوأ مما نحن فيه. حتى أفغانستان التي نتلذذ بجعلها مسخرة أغلقت الباب أمام فيروس الزعيم الضرورة.
‘ كاتب صحافي جزائري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق