بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 أبريل 2014

◘ الكلفة الاقتصادية لحرب العراق - وليد خدوري

في مثل هذه الأيام من عام 2003، احتل الجيش الأميركي العراق. وشكلت هذه الحرب تحولاً مهماً في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، أهمها النتائج الداخلية على العراق والتي انتجتها الحرب، وردود الفعل الداخلية في الولايات المتحدة ضد ارسال قوات أميركية الى دول الشرق الأوسط، والعدد الهائل من القتلى والجرحى الذي لحق بالقوات
الأميركية، والتكاليف المالية الباهظة. في هذا المجال، أعد جوزيف ستيغلتز الفائز بجائزة نوبل للعلوم الاقتصادية بالتعاون مع ليندا بيلمز، كتاباً عن «التكاليف الاقتصادية لحرب العراق» صدر عام 2006، ترجمه الى العربية عمر الجميلي ونشره مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في 2008.

يشير الكتاب الى «التكاليف الحقيقية للحرب التي ستتحملها الولايات المتحدة». ويضيف: «حتى مع تبني مقاربة متحفظة، فقد دهشنا بشدة من مدى ضخامة تلك التكاليف بحيث يمكننا القول، بشيء من الثقة، إن تلك التكاليف ستتجاوز التريليون دولار». وهي تشمل التكاليف الاقتصادية الكلية المرتبطة بارتفاع اسعار النفط ونفقات حرب العراق وآلاف الجنود الاميركيين الذين لقوا حتفهم او أُصيبوا بجروح وعاهات، اضافة الى جنود التحالف، والمتعاقدين من غير الأميركيين.
شملت كلفة الحرب المقدرة بنحو 1.269 تريليون دولار، مجمل المصاريف الحديثة التي تتحملها الدول في الحروب، منها: النفقات على العمليات القتالية، النفقات المستقبلية على العمليات القتالية وعمليات الإسناد، تكاليف وزارة شؤون المحاربين القدامى الاضافية على الرعاية الطبية للعائدين، والرعاية الطبية للاصابات الدماغية، ومدفوعات الاعاقة للمحاربين القدامى، وتكاليف التسريح من الخدمة العسكرية، وزيادة الإنفاق الحربي، ومدفوعات الفائدة على الدَين.
حددت الدراسة ثلاثة تداعيات اقتصادية كلية للحرب في العراق، وهي: الزيادة في النفقات العسكرية، وتناقص الشعور بالأمن بسبب الطريقة التي أديرت بها الحرب، والزيادة في أسعار النفط.
فبالنسبة الى قضية الأمن، افترض الكاتبان ان تفجيرات مدريد ولندن في حينه أدت الى زيادة الاحساس بانعدام الأمن. وتساءلا: هل كانت الامور ستؤول الى الأسوأ لو لم تقم الحرب؟ خصوصاً ان احدى الفرضيات التي اعتمدت عليها الحرب هي «ان الحرب على الارهاب ستخاض هناك وليس هنا». ويضيفان: «من الممكن تصور أن الشرق الأوسط كان ليصبح اقل استقراراً عما هو عليه اليوم. ولكن استناداً الى ما نعرفه اليوم بخاصة أن العراق لم تكن لديه أسلحة دمار شامل ولا كانت لديه القدرات على تطوير مثل تلك الاسلحة في زمن وجيز، فإن ذلك الاحتمال يبدو بعيداً».
اما بالنسبة الى النفط، فقد اختلف سعره عما كان عليه قبل الحرب. وبالفعل، فقد ارتفعت اسعاره من نحو 35 دولاراً للبرميل مطلع عام 2003، الى نحو 50 دولاراً عند تأليف الكتاب عام 2006. وكما هو معروف، تواصل مسلسل الارتفاع في السنوات الثلاث الاخيرة ليستقر في نطاق سعري يتراوح ما بين 100 و110 دولارات للبرميل. وطرح الكاتبان أسئلة مهمة: كيف كان سيصبح السعر لو لم تعلن الحرب؟ والى أي مدى ترتبط الزيادة في السعر بالحرب او بعوامل اخرى؟ يذكر ان الكلفة الاجمالية للواردات النفطية الأميركية ارتفعت من نحو 99.8 بليون دولار عام 2002 الى نحو 292.3 بليون عام 2006. وتعود هذه الزيادة في التكاليف الى ارتفاع الاسعار ونفقات الحرب، بخاصة لما تتطلبه من وقود اضافي لتشغيل الآلة العسكرية.
وقال الكاتبان في هذا الصدد: «يتيح التمعن في الأسواق المستقبلية درجة من الفهم، فقد كانت التوقعات في تلك الأسواق لفترة ما قبل الحرب تشير الى ان أسعار النفط ستسير ضمن النطاق الذي كانت عليه، أي ما بين 20 و 30 دولاراً للبرميل. وتأخد تلك الأسواق في الاعتبار نمو الطلب في الصين ومناطق أخرى، وكذلك التغيرات في العرض على أساس أن الأمور ستسير كالمعتاد وأن شيئاً غير مألوف لن يحدث. وكانت الحرب في العراق هي الحدث الأكثر أهمية، ومن الصعب ايجاد أي حدث آخر يمكن ان يتسبب في هذا القدر الكبير من التغير في العرض او الطلب (عدا إعصار كاترينا). وقد يلقي بعضهم اللوم على الطلب المرتفع على النفط من الصين. ولكن الأخيرة شهدت عقدين من النمو القوي، وكان نموها عام 2004 أقوى مما توقعه لها كثير من المحللين. أما نمو الاقتصاد العالمي في 2005، والذي بلغ نحو 4 في المئة، فهو لا يعتبر أمراً غير معتاد. فالأسواق يفترض أن تتوقع التغيرات في الطلب وأن تتفاعل معها من خلال زيادة العرض، وسرعان ما يتم تفادي أخطاء أي سنة في العام التالي».
حدد الكاتبان الجهات التي استفادت من ارتفاع الأسعار: «ولارتفاع أسعار النفط تكاليفه ومزاياه، فقد ارتفعت أرباح شركات النفط ارتفاعاً هائلاً، وكانت الطرف الوحيد الذي استفاد بوضوح من الحرب، الى جانب بعض مقاولي الصناعات الحربية».
تجنب الكاتبان الخوض في الدوافع الرئيسة لدخول الحرب، وقالا: «نحن معنيون هنا بالتكاليف التي مثلها ذلك الارتفاع في أسعار النفط على الاقتصاد ككل». ورفضا ما تم تداوله في حينه، من ان السبب وراء الحرب هو لمنفعة شركات بعض المقربين من الرئيس بوش الابن. طبعاً من الصعب اطلاق أحكام قاطعة على الأسباب الحقيقية لحرب العراق، لكن باستطاعتنا الافتراض ان النفط لعب فيه دوراً رئيساً لأسباب جيوسياسية، لا لتسيطر الشركات الأميركية كلياً على الاحتياطات العراقية، بل لتسهيل تدفق كميات اكبر من النفط العراقي الى الأسواق العالمية، لمنع حدوث اي نقص في الامدادات في حال نشوب صراع عسكري في الخليج. وطبعاً، هناك العامل السياسي الذي هيمن على تفكير رجال اليمين الجديد من الجمهوريين، اي قلب نظام الحكم في العراق لتحقيق أنظمة ديموقراطية عربية، بدءاً من بغداد.
يذكر ان معدل تدفق النفط العراقي الى السوق الأميركية حافظ على معدلاته لفترة طويلة، وتراوحت الامدادات ما بين 700 ألف - 800 ألف برميل يومياً. كما يذكر ان شركات النفط الآسيوية، بخاصة الصينية، طورت اكبر كمية من الاحتياطات العراقية منذ العام 2003، متجاوزة الشركات الأميركية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق