بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 أبريل 2014

الدولة العبرية... والثورات العربية - مصطفى الفقي


غطت أحداث كثيرة كما تدفقت مياه هادرة وأنواء عاصفة في المنطقة العربية خلال السنوات القليلة الماضية وكان أبرزها تلك الحركات الاحتجاجية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية وغيرها، وهي كلها أحداث ملأت الدنيا وشغلت الناس، فحاولت إسرائيل على الجانب الآخر اقتناص الفرصة لتأكيد أمنها وإضعاف خصومها وشد انتباه المنطقة تجاه الملف النووي الإيراني وهي تكاد تفرك يديها في سعادة إذ ترى الجيش العراقي خارج المعادلة بينما انخرط الجيش السوري في المواجهة الدموية مع الثوار وانصرف الجيش المصري إلى الشأن الداخلي ومعارك سيناء، وبذلك شعرت الدولة العبرية - ربما لأكثر فترة في حياتها - بأن المخاطر حولها تتراجع وأن قدرتها على توجيه الأمور وتحريك الأحداث باتت أفضل من أي وقت مضى، حتى جاءت تصريحات زعمائها معبّرة عن ذلك بصراحة ومن دون التواء، خصوصاً بعد أن وفَّر لها حكم «الإخوان» في مصر وثيقةً تصادر الكفاح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، فبدأت دولة إسرائيل تفكر فقط في عدو على حدودها هو «حزب الله» وخصم بعيد عنها تواجه من خلال الولايات المتحدة الأميركية وأعني به جمهورية إيران الإسلامية بأجندتها في المنطقة، ويجب أن ندرك هنا أن إسرائيل تعي جيداً أنها لن تتعرض لضغوطٍ من واشنطن مهما كانت الظروف، ولقد استمعت أخيراً الى محاضرة لوزير خارجية أسبانيا الأسبق ومبعوث السلام في الشرق الأوسط من قبل السيد موراتينوس الذي ذكر أمام الحضور في الجامعة البريطانية في مصر أن «من الوهم أن يتصور البعض أن هناك احتمالات ضغطٍ أميركية في المستقبل على إسرائيل»، لذلك فقد أصبح من المتعين علينا جميعاً أن ندرك الحقائق المجردة إذ أن كل ما كان خافياً أصبح مكشوفاً وما كنا نتصور أنه وهم لدينا اتضح لنا أنه صحيح، ولعلي أبسط تفصيلاً هذا التصور الذي يشرح ما أريد الوصول إليه من خلال المحاور الثلاثة الآتية:

أولاً: قدمت أحداث «الربيع العربي» - عن غير قصد - خدماتٍ جليلة للدولة العبرية فقد أصبحت ترقب الأحداث عن كثب بعد أن رأت ثلاثة جيوش عربية قد انصرفت إلى اهتمامات أخرى منذ خرج الجيش العراقي من المعادلة وانخرط الجيش السوري في مواجهة الثوار بينما استغرقت أحداث مصر جيشها الكبير سواء في سيناء أو في الداخل، وهو ما يعني أن إسرائيل تبدو وكأنها الرابح الأول من مسار الأحداث في الشرق الأوسط والمشهد السياسي العربي عموماً، وقد قال نتانياهو يوم سقوط حكم «الإخوان» في مصر أنها كانت أهدأ سنة بالنسبة لإسرائيل منذ قيام الدولة العبرية! ويكفي أن جماعة «الإخوان المسلمين» قد خلطت بين الكفاح المسلح والأعمال العدائية فوقعت مصر على اتفاقٍ في عهد الرئيس السابق محمد مرسي بأن تكفّ حركة «حماس» عن القيام بأعمال عدائية ضد إسرائيل، ولذلك توارت أحداث الصراع العربي - الإسرائيلي لتأتي تاليةً لأحداث الصراع المحلي في دول «الربيع العربي» والأخبار الدامية التي تتوالى يومياً من بعض العواصم العربية. لقد أصبحنا محاطين بحالة من الفوضى الإقليمية التي نتمنى أن تكون «فوضى خلاقة» كما قالت كوندوليزا رايس الوزيرة الأسبق للخارجية الأميركية، ولديّ يقين أن إسرائيل تقف وراء بعض ما يجري في سورية وأيضاً عملية التحفيز لبناء «سد النهضة» الإثيوبي، فضلاً عن تركيز على العلاقات الأميركية - الإيرانية وموقع إسرائيل فيها، إذ أنها تحاول استثمار كل أحداث المنطقة لصالحها وستجعل الاضطرابات في بعض الدول العربية المجاورة ذريعة لسياسات أكثر عدوانية بدعوى القلق من التطورات الداخلية في دول الجوار العربي خصوصاً مصر، مع استغلال الفرصة للمضي في تهويد المسجد الأقصى وهي أكبر جريمة في حق العالمين العربي والإسلامي.

ثانياً: حاولت إسرائيل في السنوات الماضية أن تسرق اعترافاً دولياً وإقليمياً بمسمّى الدولة اليهودية ولكن الأمر لم يكن سهلاً ولن يكون إلا إذا قامت الدولة الفلسطينية المستقلة في إطار حل الدولتين، ولقد استثمرت إسرائيل ثورات «الربيع العربي» في ظل مفاوضات غير متكافئة تحت رعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري لأن الإسرائيليين يحاولون أن يحققوا في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم العربي خصوصاً دول ما يسمّى «الربيع العربي» ما لم يحققوه في الظروف الطبيعية. إن إسرائيل راصدٌ لئيم تسعى في خبث إلى استبعاد كل عوامل القوى العربية للتركيز على عاملٍ واحد هو عامل الظروف التي جدّت على الساحة العربية على النحو الذي شهدناه في السنوات الأخيرة، كما تحاول إسرائيل - الاستيطانية العدوانية - أن تدس أنفها في شؤون دول الجوار من خلال موضوعات ذات حساسية كبيرة بالنسبة اليها، ويكفي أن نتذكر محاولتها طرح وساطة إسرائيلية بين مصر وإثيوبيا في موضوع «سد النهضة» فهي تريد أن يكون لها موقع ما في ملف مياه النيل لأن ذلك حلم إسرائيلي قديم لن تتراجع عنه أبداً، كما أنها تريد أن تربط بين مشكلة إفريقية في جانب وبين الصراع العربي - الإسرائيلي في جانب آخر، وكأنما تسعى لإيجاد مقايضة غير عادلة مع مصر أكبر دولة عربية في ظل ظروفها غير الطبيعية. إننا نتحدث دائماً عن خلافات عربية - عربية وأخطار إقليمية وننسى التناقض الأساس بين العرب وإسرائيل باعتبارها كياناً غريباً لا يستطيع الاندماج في المنطقة فهي لا تسعى إلى التعايش المشترك ولكن تسعى إلى تثبيت الأوضاع بمنطق القوة.

ثالثاً: يتساءل الكثيرون عن حقيقة الموقف الإسرائيلي من الثورة السورية وهل تقف إلى جانب نظام الحكم أم إلى جانب القوى الأخرى من أطراف الأزمة، والإجابة عن هذا التساؤل ليست سهلة خصوصاً في الوقت الحالي بعد أن تعقدت الأوضاع في ذلك البلد العربي الشديد الأهمية في الصراع العربي - الإسرائيلي والذي يعبّر عن دولة محورية في الحرب وفي السلام مع إسرائيل لذلك فإنني، ومن خلال استقراء ملف الأزمة السورية، أستطيع أن أقول أن الدولة العبرية بمؤسساتها السياسية التي برعت في توزيع الأدوار تبدو حتى الآن منقسمة على نفسها تجاه الوضع في سورية، فاللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية لا يزال في معظمه غير راغبٍ في الإطاحة بنظام الأسد ويرى فيه عنصر توازن للعلاقات السورية - الإسرائيلية على امتداد العقود الأخيرة فضلاً عن أن البديل غير مضمون، فقد تسقط سورية في يد جماعات لا تنتمي الى التيار القومي بل تنتمي الى اتجاهات دينية متطرفة تمارس العنف إلى حد الإرهاب، ولذلك فإن وجهة النظر هذه التي يتبناها اليهود الأميركيون مردود عليها دائماً بمحاولة التخويف الناجم عن العلاقة الوثيقة بين نظامي دمشق وطهران ومعهما بالطبع «حزب الله» بما يمثله من خطر داهم من وجهة النظر الإسرائيلية، وقديماً قالوا (الشيطان الذي تعرفه خير من الملاك الذي لا تعرفه). وإذا انتقلنا إلى صانع القرار الإسرائيلي فسنجد أن نتانياهو وحكومته والمعارضة الإسرائيلية أيضاً لم يستقروا جميعاً على موقف قاطع تجاه مستقبل الدولة السورية وهل هم يرحبون بتفتيت تلك الدولة العريقة المقسمة أصلاً من نسيج «الشام الكبير» وكأنهم يتطلعون إلى «تقسيم المقسم» وتجزئة المجزأ، أم أنهم يخشون المستقبل باحتمالاته المفتوحة؟ وما زالت الأزمة تزداد تعقيداً وتتداخل فيها أطراف عديدة ويتشابك فيها النضال الوطني مع التيارات الإرهابية في الوقت ذاته، والرابح الأول هو الدولة الإسرائيلية، لذلك فإنني أقول هنا إن على العرب أن يتنبهوا الى أن هذه المرحلة التي نمر بها هي واحدة من أصعب المراحل في التاريخ العربي الحديث وأن «الربيع» قد انتهى وأصبحنا نتوقع مزيداً من العواصف الشديدة والرياح العاتية والغيوم التي تمطر ذات يوم قد لا يبدو بعيداً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق