بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 28 أبريل 2014

همس الشارع المغربي - محمد الاشهب

حيازة أو خسارة مقعدين في اقتراع اشتراعي جزئي، لا يغير شيئاً في خريطة، تقاس فوارقها بعشرات النواب. وصادف أن أحزاب الائتلاف الحكومي في المغرب الذي يقوده «العدالة والتنمية» الإسلامي كان يتوزع عليها نصيب الكعكة الجزئية مرتين على الأقل بالتساوي. فيما انفردت المعارضة هذه المرة باكتساح دائرتين أثير حولهما جدال واسع، ليس أبعده أن إحداهما شهدت تحالفاً بين أحزاب في الغالبية وأخرى في المعارضة.
ردد رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران في السابق أن استمالة الناخبين من طرف الغالبية النيابية مؤشر دعم للتجربة الحكومية، ولا يعرف ما سيقوله وقد مالت الكفة لناحية المعارضة، فيما ذهبت استطلاعات رأي إلى استخلاص نقص ملحوظ في شعبية الرجل وحكومته التي دخلت النصف الثاني لولايتها. واستندت في ذلك إلى اتخاذ قرارات وصفت أنها لا شعبية تطاول ترفيع أسعار البنزين ومشتقات المواد النفطية والإخفاق في تنفيذ وعود لجهة مساعدة الفقراء والأسر المعوزة.
في حال جرى استطلاع آخر في نتائج الاقتراع الجزئي، لن تبعث نتائجه الارتياح في صفوف الائتلاف، خصوصاً الحزب الإسلامي. ما جعل مايسترو الحكومة يعلن قبل ذلك أن ما يهمه هو المضي قدماً في فرض أجندة الإصلاح، وإن كان بكلفة قاسية لن تظهر ثمارها إلا في العقود المقبلة. على منواله توقع الزعيم الاشتراكي عبد الرحيم اليوسفي أن تدوم تجربة التناوب سنوات طويلة، ثم اضطر إلى اعتزال السياسة، بعد أن عاين محدودية الإنجازات السياسية على الأرض، ويبدو أنه على رغم تفكك المعارضة، سيظل التجديد لحكومة نصف إسلامية رهن ملامسة بوادر الإصلاح وليس ثماره. ما يرجح الاعتقاد بأن تجربة حكم الإسلاميين في المغرب ستتأثر سلباً أو إيجاباً بميول الناخبين، وليس بفرض انعطاف خارج معادلة المنافسات الانتخابية.
قال بن كيران مرات عدة أن حكومته نجحت في الحد من غليان الشارع واستيعاب غضبه، أقله لجهة خفض منسوب التظاهرات الاحتجاجية التي كانت شملت قطاعات عدة. وقبل أن يشرع في تقويم خلفيات ودلالات التراجع الانتخابي في دائرتين، اشتعلت نيران التوتر بين فصائل طلابية في جامعة فاس أدت إلى مقتل ناشط ينتسب إلى حزبه. ومع أن حرم الجامعات كان مسرح مواجهات وأعمال عنف بين الفصائل الطلابية الإسلامية واليسارية، فإن مقتل طالب يعتبر أول حدث مقلق تعرفه البلاد في حكم الإسلاميين.
معاودة تفسير الظاهرة الاجتماعية والسياسية لا يعني أن الجامعة بعيدة ومنغلقة، لكن صوت الشارع أكثر ارتفاعاً، وما بين الإخفاق في حيازة دائرتين انتخابيتين واندلاع موجة العنف في رحاب جامعة فاس، غير بعيد عن «دائرة الموت» في حامة مولاي يعقوب الانتخابية، ثمة صراعات حزبية وسياسية تدار بوسائل مختلفة بين فرقاء آخرين. لم يشارك أي فصيل يساري في الاقتراع الجزئي باستثناء «التقدم والاشتراكية» المحسوب على الغالبية الحكومية. وحمي وطيس المواجهة بين الاستقلال والعدالة والتنمية ذوي المرجعية المحافظة.
لا تتغير فاعلية التواصل والحوار إلا عند انسداد الآفاق، وعلى أي لم تستنفد التجربة المغربية لفترة التعايش السلمي وهبوب رياح الغضب كل أغراضها. بدليل أن الحراك السياسي على صعيد المؤسسات لا يحيد عن الانضباط إلى قواعد اللعبة الديموقراطية، وإن لم تكتمل شروطها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ففي هذه الحال يصبح تقبل الهزيمة أو الانتشاء بالنصر جزءاً من تقاليد الإذعان في قواعد اللعبة. ولعل التأسيس لفلسفة التعايش في ظل الاختلاف أهم وأجدى من أي شكل من أشكال الإقصاء.
الاقتراع الجزئي في المغرب أشبه بهمس الشارع. ثمة من يصغي إليه بإمعان وثمة من يعتبره تمريناً على الطبعة المقبلة للاستحقاقات الآنية. وفي كل الأحوال يبقى الالتفات إلى عنف الجامعة أهم تلافياً لأي انفلات يصعب استيعابه، إن لم يتم تدارك الأسباب وفتح الآفاق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق