بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 15 أبريل 2014

◘ الدكتور أنمار وحرب «الكبتاغون - جاسر الجاسر

اعتلاء عميد كلية الطب في جامعة أم القرى الدكتور أنمار ناصر منبر مسجد تجار جدة والحديث إلى المصلين عن «كورونا»، وفق ما نشرته «الحياة»، هو الدور التوعوي الفعلي، والتوظيف المطلوب لخطبة الجمعة لتكون منبر إرشاد ومعرفة وتوجيه. النقطة الأخرى أن بعض المواضيع تحتاج رجلاً صالحاً متخصصاً ليؤدي دور الخطيب؛ إذ لا
يقوم بها سواه، ولا تصل غايتها من دونه.

نشرت «الداخلية» أول من أمس صوراً مرعبة لجبال من حبوب الكبتاغون إثر نجاحها في إحباط عملية تهريب واحدة محصولها 22 مليون حبة، لتكشف حجم الاستهداف الذي يتعرض إليه الشباب من عصابات المخدرات. ووفق الدراسات فإن نسبة النجاح في صد عمليات التهريب تصل إلى 40 في المئة في أحسن الأحوال، وغالباً أقل من ذلك، ما يعني أن الداخل أكثر، وأن المجتمع يتعرض إلى تخريب يضرب شبابه أولاً ومن ثم مستقبله.
حتى الآن فإن القائمين بالعبء كاملاً، وبشجاعة وإخلاص مميزين، هم فرق مكافحة المخدرات، بينما تغيب جهات الصد الداخلية عن المشهد بشكل شبه كلي، لانشغال رموزها في قضايا أخرى لا يبدو أن خطر المخدرات من بينها.
إن وزارات التربية والتعليم والشؤون الإسلامية والصحة هي السد الأخلاقي المانع، ولو كانت تقوم بدورها لتراجعت محاولات التهريب، إلا أنها تزيد لأنها تجد سوقاً نهمة محرومة من أي تحصين. وحين يظهر أمثال «أبوملعقة» ومرتادي المستشفيات يكون الشاب أضاع بوصلته وفقد ملامح حياته، فلا يكون العلاج ذا جدوى كبيرة خصوصاً إن كان تعاطى الكبتاغون مدة عام أو أكثر، لما تسببه من تلف دائم لخلايا المخ.
خطورة حبوب الكبتاغون تتركز في إقبال الشباب عليها منذ سن مبكرة، والاعتقادات السائدة أنها تخفض الوزن وتزيد النشاط، فضلاً عن السهر فترات طويلة، وهو أول عوامل الجذب بهدف المذاكرة، ما يجعل ذروة نشاط تجارها تزداد مع اقتراب الامتحانات.
على رغم أن العلامات الدالة على تعاطي الكبتاغون لا تقل عن 17 علامة ظاهرة وصارخة، منها: فرط النشاط، وكثرة الكلام، والميل إلى الحلويات، وانعدام الشهية، واليقظة المتواصلة ليومين أو أكثر، إلا أن نقص التوعية لدى الأسر يجعلها لا تلتفت إلى ذلك، إلى أن يدخل الشاب مرحلة العنف والوهم والوسواس، حينها يكون الطريق أحادي الاتجاه ولا يقبل التبديل.
ومنذ اعتماد تطبيق عقوبة القتل على مهرّب المخدرات قبل نحو 30 عاماً، راوحت النشاطات التوعوية مكانها، فهي إما عبارة عن مطويات باهتة، أو محاضرات مغرقة في المصطلحات والرتابة، أو نشاطات ساذجة ومنفرة لتائبين ارتدوا عباءات المشيخة بينما ظلت سوق الكبتاغون تنمو وتنتشر، والشباب يتساقطون فيها في ظل تراخي الوزارات الثلاث وتقصيرها إلى درجة أن قلة من الأهالي يستطيعون، بجهدهم الذاتي، اكتشاف تورط أبنائهم في هذا المسلك، أما الآخرون فيعبرون درجات الهلاك حتى منتهاها.
الآن، وبعد سبات طويل، تومض بارقة أمل بإطلاق وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع مكافحة المخدرات برنامج «حماية»، خلال أقل من شهر لتحصين الطلاب من الانزلاق إلى المخدرات. هذا البرنامج مرشح للنجاح لأنه نبت في زمن خالد الفيصل وهو المعني بالشباب وهمومه، لكن «التربية والتعليم» مجرد جناح لا يثمر طيراناً ما لم تتحرك «الشؤون الإسلامية» وتحيل منابرها إلى مكبرات توعية وتقترب من الناس لغة وموضوعاً، وأن تؤهل خطباءها ليكونوا إعلاميين يستشعرون حاجة الناس وسبل تحصينهم. وأن تدرك وزارة الصحة أن الوصفات ليست هي العلاج، وإنما دورها يرتكز على استكشاف الأخطار وابتكار طرق علاجها الجذري. وأن تكون وزارة التعليم العالي ميزاناً يضبط الصيغة النهائية ويضمن سلامتها.
المخدرات ليست الكبتاغون فقط، لكن خطورة الحبوب أنها البوابة التي تغري المراهقين، فإذا دلفوا إليها توزعوا في دروبها وألقت عليهم شباكها الأخرى، فتصطادهم كلاً وفق مشربه، لذلك هي مرتكز المهربين وجوهر نشاطهم. عمارة البلدان في شبابها وليس في بنيانها، فإن لم تحمِ شبابها أصبحت خاوية. والمشكلة أن الحرب على جبهتين: مخدرات وتطرّف!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق