بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 14 أبريل 2014

الجزائر: تساؤلات اقتصادية مطروحة -سمير صبح

عشية الاستحقاق الرئاسي في الجزائر، برزت في شكل متتال ولافت، سلسلة من التقارير والمواقف الاقتصادية والمالية، سواء الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية أو عن العديد من المسؤولين المحليين وكذلك عن بعض الخبراء الجزائريين والأجانب. وكل ما ورد في البيانات ومن أرقام ونسب ومن معطيات، يصب في غالبيته في خانة التكهنات
حيال المستقبل الاقتصادي والمالي للجزائر، بدءاً من الولاية الجديدة المرتقبة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي تدور تكهنات حول وضعه الصحي وانتهاء باحتمالات العثور على بديل له مناسب برأيه وبرأي حلفائه في الفريق الحاكم يسير قدماً في إدارة شؤون البلاد.

أول هذه التقويمات صدر منذ نحو من شهر عن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في الجزائر حول وضعية اقتصادها خلال 2013 والذي تضمّن تسجيل الناتج الإجمالي المحلي خارج إطار قطاع الطاقة، نمواً قوياً بلغت نسبته 6 في المئة، ما يعني نجاح الحكومة في التخفيف من تبعية الاقتصاد لقطاع الطاقة التي كانت نسبتها تتجاوز قبل سنوات 75 في المئة. وهذا الجانب الذي يشكل، بالنسبة إلى الخبراء، خصوصاً البنك الدولي، نقطة الضعف الأساسية حالياً ومستقبلاً لاقتصاد هذا البلد الغني، ويشكل بالتالي مكامن الخطورة في حال تراجعت أسعار النفط في شكل مفاجئ والغاز مستقبلاً، خصوصاً بعد دخول صادرات الغاز الصخري الأسواق العالمية.
ومن المؤشرات الإضافية التي ركز عليها مسؤول صندوق النقد، استناداً إلى التقارير التي أعدها خبراؤه الذين زاروا الجزائر مرات، تراجع معدل التضخم الذي كان يثير القلق لدى شرائح المجتمع من الطبقات الوسطى والمتدنية إلى نحو 3 في المئة ما يبقي ارتفاع الأسعار تحت السيطرة. وتزامن هذا المؤشر الاجتماعي بصورة إيجابية مع هبوط مستوى البطالة إلى 9.8 في المئة بعدما وصل إلى حدود 12.8 في المئة عام 2011.
ومع ذلك، انتـــقد الخـــبراء عدم محاربة السوق السوداء التي لا تزال تتحـــكم بأجزاء واسعة من الواردات الأساسية واحتكارها، علماً بأن الســـلطات المختصة تمكنت في الآونة الأخـــيرة من زيادة تحصيل الضرائب من كبار التجار وملاحـــقة تجــار العملة خصوصاً. ويبقى خلال هذه الســـنة أن تعزز الحكومة إيجاد فرص عمل جديدة من خلال تشجيع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين. وشدد الصندوق على ضرورة تنويع الشراكات على مستوى التجمعات الجغرافية الاقتصادية العالمية، ما معناه عدم التركيز فقط على التعاملات مع الاتحاد الأوروبي.
ثاني المواقف التي جاءت عشية هذه الانتخابات والتي تهدف إلى تعزيز موقع السلطة الحاكمة، تمثلت في إعلان وزير المال كريم جودي، خلال اجتماع وزراء المال العرب قبيل الاجتماع السنوي لصندوق النقد والبنك الدوليين في نيويورك، أن حجم الاحتياط من النقد الأجنبي من دون الذهب بلغ 194 بليون دولار نهاية آذار (مارس) الماضي، ما يغطي الواردات لثلاث سنوات. لكن الإعلان جاء في غير محله لأن من الأفضل لو تحدث الوزير عن استثمار جزء من هذه الاحتياطات في سندات خزينة مضمونة الفائدة كما يحصل حالياً، واللجوء إلى صندوق الإنقاذ الاحتياطي الذي أنشأته الحكومة لمواجهة الحالات الطارئة في حال الانخفاض الحاد لأسعار النفط أو الغاز، بالإضافة إلى كون الجزائر سددت نحو 85 في المئة من دينها الخارجي.
ومن النقاط الأخرى التي لا تعتبر إيجابية في سياق المعطيات الواردة، تصريح إدارة بورصة الجزائر بأن سوق المال ضعيفة للغاية. والدليل تسجيل أربع شركات فقط في ردهة البورصة علماً بأن ثمة العشرات من المجموعات الاقتصادية والمالية الكبرى العاملة في البلاد. في المقابل، هنالك أكثر من 50 شركة مسجلة في بورصة الدار البيضاء.
في خضم هذه التساؤلات والتكهنات، تفيد معلومات بأن الجزائر ستعمل بعد الانتخابات الرئاسية على تغيير سياستها الاقتصادية بحيث تنهج نهجاً انفتاحياً يبدأ بإعادة النظر بقانون 49/51 الذي يعطي الأكثرية للشركات الوطنية على حساب الشريك الأجنبي، وكذلك بإعادة النظر في مشروع قانون النفط والغاز الذي أقره البرلمان خلال الولاية الثالثة للرئيس بوتفليقة وتم التراجع عنه كلياً، ما أبعد الشركات العالمية عن غالبية المناقصات التي طرحتها وزارة النفط والمناجم الجزائرية وأدى إلى خسارة البلاد العديد من الاستثمارات المهمة في العديد من القطاعات الأساسية.
ستـــحمل الانتخابات الجزائرية الرئاسية تحولات تجدر مراقبتها عن كثب في الأشهر المقبلة، ومن أبرز الدلائل على ذلك، زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الجزائر ولقائه بوتفليقة وعدد من المسؤولين. ولم يكن الشأن الـــسياسي والأمنــي الأبرز في هذه اللقاءات، بل الشأن الاقتصـــادي وضرورة انفتاح البلاد وإعطاء أولوية إلى الشركات الأميركية. وكان من أولى النتائج منح عقد يُقدَّر بالبلايين من الدولارات إلى شركة «جنرال إلكتريك» وستليه وفق مصادر مقربة من الرئاسة الجزائرية العودة إلى التفاوض على المحطات النووية لأغراض سلمية، وإعادة تنظيم قطاع المصارف وأسواق المال، خصوصاً بورصة الجزائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق