بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 7 أبريل 2014

مغرب أواخر القرن التاسع عشر بعدسة أمير موناكو ألبير الأول - فاطمة عاشور

يواصل معرض الصور الفوتوغرافية التي التقطتها عدسة أمير موناكو ألبير الأول خلال رحلة استكشافية إلى المغرب، أواخر القرن التاسع عشر، جذب زوار «رواق باب الرواح» في الرباط.

ويتضمن المعرض الذي أشرف على افتتاحه أخيراً أمير موناكو برفقة الأمير مولاي رشيد شقيق العاهل المغربي، أكثر من مئة صورة ووثيقة تؤرخ لرحلات الأمير ألبير الأول إلى المغرب ما بين 1894 و1897، كما يتضمن شريطاً قصيراً صوّره الأمير نفسه في مدينة آسفي في العام 1897، بواسطة آلة تصوير من نوع «كومون». الشريط الذي يعتقد أنه أول شريط سينمائي صور في المغرب، أعيد ترميمه أخيراً، من قِبل الأرشيف السمعي البصري لموناكو حصرياً، من أجل العرض الذي ينظمه «أرشيف المغرب» في الرباط.
يرصد المعرض رحلات ولي العهد ألبير الأول آنذاك، الى المغرب في العام 1877 آتياً على متن سفينته «إيرونديل» انطلاقاً من الجزائر مروراً بالساحل المتوسطي، حتى حل في مدينة طنجة في اول اب (اغسطس). وكان الأمير يختلط بالناس العاديين من مغاربة وجاليات أجنبية، ويتمتع بالنزهات والصيد البري وحفلات الاستقبال. ولم تكن آلة تصويره تفارقه، إذ مكنته من التقاط صور لأسوار، وأبواب، وأسواق، وطرق، وبحار، ووديان وأنهار في مدن مغربية عدة.
ثم عاد في زيارات أخرى أهمها في العام 1894 حين حلّ مجدداً في إطار مهمة بحرية لاكتشاف المحيطات. وعلى رغم أنه اعتلى عرش بلاده وقتها، إلا أنه فضّل ألا تكتسي زيارته للمغرب أي صبغة رسمية. فزار تطوان والدار البيضاء والرباط وقصبة شالّة، ثم الجديدة وآسفي، وكان حريصاً على التقاط الصور وتدوين الخواطر.

كان الأمير يدرك أن الصور الفوتوغرافية والأشرطة المصوّرة، قد تعكس هذه التحولات أكثر من أي أرشيفات أخرى. وكانت تلك التحولات تجري في المناظر العامة التي تهم المصور الفوتوغرافي، أو الممارسات الاجتماعية، وطرق الملبس، ووسائل النقل، والعمارة. وأثبت الأمير ألبير الأول في العديد من مراسلاته ومذكراته أنه شديد الحرص على استعمال آلة التصوير، وكاميرا السينما في تخليد تلك المناظر والأنماط. وكتب في هذا الشأن: «صعدنا من هناك إلى القصبة المطلة على المدينة بغرض التقاط الصور... واخترقت بعدئذ المدينة ملتقطاً صوراً مهمة يميناً ويساراً، من دون أن أتعرض لأي إزعاج من المارّة».

أعطى الأمير العالِم والفنان والمستكشف أهمية كبيرة للمجموعات البشرية، ففيها وجد حياة نادرة ومصدر سعادة غامرة وحركة فريدة. كتب شارحاً: «أشعر بانشراح كبير وبالقوة نفسها، كلما اختلطت بهذه الحشود الغفيرة من الناس في المدن المغربية. وتعرفت من جديد الى هؤلاء الغرباء الذين ينتمون إلى عالم يتم فيه التفكير والإحساس والعيش بطرق مختلفة جداً عن نمط الحياة عندنا».

فلسفة السفر عند الأمير ألبير الأول كما يقول، هي «رحلة مكملة دوماً للحياة الحقيقية، لأنها تزود ذاكرتنا بأحداث وصور حقيقية تفرز قراءتها وتوصيفها بسهولة، تغييراً في قياس الأمور ومظهرها. فالأسفار تجعل الأحكام ناضجة لأنها توفر مجال مقارنة الأفكار والممارسات والنتاج المحصل عليها. فوجهات النظر الجديدة بالنسبة للمسافر المتنور والمتسلح بالحرية الفكرية التامة، تسمح له بالتعرف الى امتيازات النظم الاجتماعية ومساوئها وثغراتها وكذلك الوقوف على التأثيرات الفلسفية المؤطرة للإنسانية في مختلف تجمعاتها الانتروبولوجية، وفي أهم منعطفاتها الحاسمة في تطوراتها الفكرية. وينتج من هذا كله تقلص تدريجي للأحكام المسبقة المتجذرة التي كانت تعمي رؤية المسافر».

تؤرخ الصور المعروضة في الرباط اليوم، لذاكرة إعجاب الأمير ألبير بالمغرب. وهو إعجاب لم يتبخر مع الأحداث العالمية العظمى، وخصوصاً الصراع الدرامي المرتبط بالحرب العظمى.

ويشير مدير مؤسسة «أرشيف المغرب» جامع بيضا الى أنه «في العام 1921، وبعدما تقلّد أحد تلامذة الأمير المتخصص في الطب وفي علوم البحار البيولوجية، الدكتور جاك ليوفيل، إدارة المعهد العلمي المغربي في الرباط، باشر الأمير اتصالات مع شخصيات إدارية وعلمية في المغرب بغرض تنظيم رحلة استكشافية جديدة إلى هذا البلد. غير أن الموت لم يمهله، فانتقل إلى مثواه الأخير في العام 1922». ويلفت في هذا الصدد، إلى عراقة العلاقات التي تربط المغرب بموناكو، مستشهداً باتفاقية الصداقة والتجارة الموقعة بينهما في العام 1867.

ويعد هذا المعرض الذي ينظم في رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، المستمر حتى 30 نيسان (أبريل) الجاري، ثمرة شراكة بين مؤسسة «أرشيف المغرب» ووزارة الثقافة ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون وجامعة محمد الخامس-أكدال وأرشيف القصر الأميري ومتحف علوم المحيطات والأرشيف السمعي البصري في موناكو. وهو يقدم للجمهور للمرة الاولى، رصيداً فوتوغرافياً مهماً، ويبرز مجموعة من الوثائق الأصلية المنتقاة من أرشيف القصر الأميري لموناكو والتي تشهد على قدم العلاقات المتميزة بين المملكة المغربية وإمارة موناكو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق