بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 19 أبريل 2014

حين تختبر طهران ورام الله قدرة أميركا على الاحتواء - حسن شامي

ظهرت أخيراً مؤشرات إلى تطورين مهمين يتعلقان باستراتيجية الاحتواء التي تعتمدها الإدارة الأميركية لمعالجة ملفات شائكة كالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي ومفاوضات السلام المتعثرة من جهة، والملف النووي الإيراني والمحادثات حوله من جهة أخرى.
ويظهر أن ثمة توازياً في تطور الملفين وإن كانت وجهة كل منهما مرشحة لسلوك
مسالك متعرجة يصعب التكهن بتبعاتها. ففي الملف الإيراني، تزايد الحديث عن تقدم في المفاوضات بحيث يمكن الشروع في وضع صيغة اتفاق دائم بين إيران والغرب منتصف الشهر المقبل، في أعقاب المحادثات الأخيرة في فيينا بين إيران والدول الست. إذ وصفت المحادثات بالإيجابية وإن كانت تصريحات المسؤولين تنم عن حذر.
ويأتي حديث المرشد الأعلى علي خامنئي، لدى استقباله مديري منظمة الطاقة الذرية الإيرانية وخبراءها ليؤكد ضرورة مواصلة المفاوضات من دون أن تتوقف النشاطات الإيرانية في مجال البحث والتنمية النووية. وعلّل خامنئي وجوب استمرار المفاوضات بضرورة كسر الأجواء العدائية وذرائعها الواهية حيال إيران، واعتبر أنه بات أكيداً «أن إيران لا تسعى إلى السلاح النووي في ضوء الحكم الشرعي والعقلي والسياسي»، وأن المسؤولين الأميركيين هم الذين عرقلوا على الدوام محاولات العثور على حلول مقبولة للمسألة النووية. من المبكر ربما أن نتحدث عن تسوية نهائية للملف. وهذا لا يمنع توقُّع تقدم حقيقي قد يؤتي ثماره نهاية حزيران (يونيو) المقبل، وفق بعض التقديرات. السؤال الذي يفرض نفسه هاهنا هو: هل يمكن الفصل بين مسار المفاوضات بخصوص الملف النووي وبين الموقع الإقليمي المتزايد الاعتبار لإيران، على غير صعيد؟
السؤال يلقـــي الضوء على جملة من المسارات والتطورات التي يطاول بعضها خطوط اللعبة الدولية، فيما يطاول بعضها الآخر التسويات المفترضة في بلدان تشهد نزاعات مسلحة أشبه بالحرب الأهلية التي لا تفصح عن صفتها، كما الحال في سورية والعراق واليمن، إضافة إلى النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي وانسداد آفاق عملية السلام وخلط أوراق الاصطفافات، نظراً إلى تداعيات الحراك العربي وتقلبات الأوضاع التي أفضت أحياناً إلى انقلاب في ترسيمة القوى في بلدان وازنة كمصر.
ليس معلوماً إذا كانت المحادثات الإيرانية- الغربية حول الملف النووي تسير على إيقاع تسوية شاملة وإجمالية، لكننا نميل إلى ترجيح فرضية التسويات في كل حالة على حدة، أي بالمفرّق. وهذا ما يعيد رسم خريطة اللاعبين الدوليين والإقليميين في كل حالة وتبعاً لأحجام هؤلاء وحظوظهم في تثبيت مواقع نفوذهم في هذا البلد أو ذاك. ولن تكون هناك مبالغة في تقدير حصول بعض التعديل في التوازن الدولي وصعود الدور الروسي كما يتضح من الخطوط العريضة للمسألة الأوكرانية، بعد انضمام القرم إلى الاتحاد الروسي، ولمسار التفاوض الصعب حول سورية وشرنقة القوى الفاعلة فيها.
التطور الثاني يتعلق بقضية المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أعقاب الموقف الذي أفصح فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمام مجلس الشيوخ، إذ اتهم حكومة نتانياهو بتعطيل عملية السلام. وقد ترتبت على هذا الموقف سلسلة من التطورات اتخذ بعضها طابعاً إجرائياً، فيما يطاول جوهرها أفق التسوية التي يسعى الأميركيون إلى تحقيق الحد الأدنى منها. وبات واضحاً ارتفاع منسوب التأزم في ملف التفاوض بعد رفض الحكومة الإسرائيلية إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين وعقد السلطة الفلسطينية اتفاقات مع مجموعة من الهيئات والمنظمات الدولية ورد الإسرائيليين بإجراءات عقابية والتوعد بمزيد منها.
ما ينبغي التوقف عنده هنا هو إيحاء الإدارة الأميركية بأنها تسعى إلى احتواء الحليف الاستراتيجي واتهامه- وإن بطريقة غير مباشرة- بتعريض الموقع الأميركي في المنطقة لأخطار تآكل النفوذ. ليس أمراً غير مسبوق أن يحصل مقدار من التوتر في العلاقات الأميركية- الإسرائيلية. فقد شهدنا في السابق أشكالاً من اضطراب هذه العلاقات، وكان يجري تطويقها بطريقة لا تقلل من رصيد القوة الإسرائيلية واعتباراتها الخاصة بطموحاتها إلى السيطرة والتوسع. وغالباً ما كان التطويق هذا يحصل على حساب الفلسطينيين تحديداً، والعرب استطراداً.
سبق كذلك ان شهدت هذه العلاقات في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بعض التجاذب والتحـــدي، وخرج منهما نتانياهو منتصراً، بل حصـــل ما يشبه ليّ ذراع لرئيس القوة الأعظم بفعـــل اللوبي الإسرائيلي النافذ في الكونغرس.
صحيح ان بعض أركان الإدارة الأميركية أطلقوا تصريحات تحكيمية تطالب الطرفين بتقديم تنازلات من شأنها أن تدفع عملية السلام... لكن القاصي والداني يدركان أن هذه التصريحات بلاغة إنشائية تحجب واقع التعثر أكثر مما تفضحه. وكانت سياسة السلطة الوطنية المنضوية تحت السقف الأميركي والدولي للتسوية، قدّمت أقصى ما يمكن من التنازلات ومن تسليم الأمور عموماً إلى ما يسمى «المجتمع الدولي». هذه السياسة التي تتخلى، طوعاً او كرهاً، عن عناصر القوة المحتملة للمجتمع الفلسطيني وحركته الوطنية، باتت تحرج الراعي الأميركي بسبب مبالغتها في الليونة وفي تفويض الأمور إلى القوى الدولية بحيث تضع صدقية الإدارة الأميركية، والمجتمع الدولي، على المحك. في هذا المعنى، تضع التطورات الأخيرة إدارة أوباما أمام اختبارين، ليس من الصعب التقاط الصلة بينهما. فالجعجعة الإسرائيلية المتواصلة منذ ثماني سنوات، في أقل تقدير، والداعية جهاراً إلى توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وإن كانت غير مضمونة النتائج، ستظل على الأرجح ضرباً من الجعجعة. وهذا يعزز وجه الصلة بين المسألة الإيرانية ومسار التفاوض الفلسطيني-الإسرائيلي. وليس مستبعداً أن تكون السلطة الوطنية استفادت من تخبط حركة «حماس» واضطراب تموضعها السياسي بسبب التبدلات الدراماتيكية في المشهد الربيعي العربي والإسلامي، خصوصاً بعد الانقلاب على «الإخوان المسلمين» في مصر واضطراب أحوال سلطة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان الذي استعاد بعض مكانته في أعقاب فوز حزبه أخيراً في الانتخابات البلدية. ويستفاد من هذه التبدلات وسعي الأطراف الإقليمية النافذة إلى تدوير الزوايا وتحقيق تفاهمات لا تلغي الخلافات، أن السباق سيظل بين تعزيز المكانة الإقليمية، وبين الالتفات إلى الشأن الوطني حتى في المعنى المحلي والضيق للكلمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق