بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 27 أبريل 2014

ممنوع على الفلسطينيين المطالبة بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم! - سليم نصار

ردد محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، أمام أعضاء المجلس الثوري، في مقر الرئاسة في مدينة رام الله، ما قاله للوزير جون كيري من أنه يريد القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
ثم كرر هذا الموقف أثناء اجتماعه بأعضاء اللجنة المركزية لحركة «فتح»، مؤكداً تمسكه بالثوابت الوطنية، مع الأخذ في الاعتبار «أن القدس الشرقية ستظل المطلب الأول في قائمة حقوقنا التاريخية».
ويُجمع المؤرخون على القول إن هذه المدينة المقدسة تعرضت للحصار عشرين مرة على امتداد 38 قرناً من وجودها. وبعد أن دُمِّرَت سبع مرات، تناوبت على حكمها قيادات مختلفة، زاد عددها على 25 قيادة.
وفي مطلع القرن الماضي، مهّدت الصهيونية للسيطرة على فلسطين والقدس بإحياء مملكة اليهود في العهد التوراتي. وسخّرت من أجل تحقيق حلمها التاريخي الدول الكبرى، مدّعية أنها وحدها تملك الحق المطلق لإعلان القدس الموحدة عاصمة نهائية لإسرائيل. وبعدما واصلت العصابات الصهيونية تفريغها من سكانها الأصليين، مسلمين ومسيحيين، ضغطت على الكونغرس الاميركي للمصادقة على قرار يقضي بإعلان القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. ومع أن جورج بوش الأب كان معارضاً لهذه الخطوة، إلا أن اللوبي اليهودي أحرجه عندما نجح في جمع تواقيع 83 شيخاً من أصل مئة في الكونغرس... و378 نائباً من أصل 435 في مجلس النواب.
والملاحظ في هذا السياق أن الموقف الاميركي الرسمي بدأ في الاهتزاز عقب صدور قرار التقسيم عام 1947. وهو القرار الذي يضع مستقبل القدس ضمن صيغة غامضة كجسم منفصل Corpus Separatum على اعتبار أن التدويل يجعل من هذه المدينة جسماً لا يخص العرب أو اليهود. وبعد مضي سنتين، عارضت إدارة ترومان هذا القرار لأسباب انتخابية، وادّعت أن مضامينه ليست عملية بسبب غياب القوة التنفيذية القادرة على فرضه. وانتقده السفراء العرب، وكتبوا له رسالة يتهمونه فيها بأنه تخلى عن معتقده وإيمانه المسيحي من أجل اليهود الذين حققوا له طموحاته السياسية بالمال.
عام 1953 نقلت اسرائيل مركز وزارة الخارجية من تل أبيب الى القدس. ورأى الرئيس ايزنهاور في تلك الخطوة عملاً استفزازياً مناقضاً لكل الأعراف الدولية. لذلك أبلغ طاقم السفارة بألا يطبّق قرار الانتقال.
وبعد سنة، قام السفير الاميركي لوسون بتقديم أوراق اعتماده في القدس، منهياً قرار المقاطعة.
واللافت أنه عندما دشّنت الحكومة الاسرائيلية مبنى وزارة الخارجية في القدس عام 1966 امتنع الديبلوماسيون الاميركيون عن حضور حفلة الافتتاح. في حين حرص عدد كبير من أعضاء الكونغرس على تلبية الدعوة.
وكان هذا التباين والتعارض، بين موقف الادارة وموقف الكونغرس، موضع استهجان الصحف التي وصفته بالسخافة والتفاهة. وعندما تولى جيمس بيكر مهمات وزارة الخارجية الاميركية، في عهد الرئيس جورج بوش الأب، انفجر الصراع بين العرب واليهود حول مشاريع التوطين في الجزء الشرقي من المدينة.
وكان من الطبيعي أن ينعكس ذلك الخلاف على دور بيكر الذي شعر بأن مسألة القدس ستنسف كل محاولاته بشأن فرض مفاوضات على الفريقين، خصوصاً عندما رفضت حكومة إسحق شامير قبول مشاركة أي عضو مقدسي في المفاوضات. وقد وجد شمعون بيريز لهذه المشكلة العصية مخرجاً ديبلوماسياً يقضي بالموافقة على مشاركة عضو مقدسي شرط أن تكون إقامته أو عنوانه خارج القدس.
وقال في محاولة تخفيف أثر الاقتراح على شامير إن الاميركي الذي يصوّت في سفارة بلاده في باريس لا يعطي الولايات المتحدة الحق في ممارسة سلطتها على العاصمة الفرنسية. ويبدو أن هذا الاجتهاد لم يُقنِع الحكومة التي اتهمت بيريز بالتملق لواشنطن، وبالتنازل عن حق اسرائيل في القدس.
وفي نهاية الأمر، رفض المقدسيون القبول بأي اقتراح مبهم، وأعلنوا المقاطعة باسم 150 ألف فلسطيني يعيشون في القدس الشرقية. وقد دأبت الحكومات الاسرائيلية على مضايقتهم، وإرغامهم على المغادرة، ومصادرة منازلهم وأملاكهم.
الأسبوع الماضي، اقتحم أكثر من ألف جندي اسرائيلي باحة المسجد الأقصى، وأطلقوا الغاز المسيل للدموع على المصلّين. واعتبرت الهئية الاسلامية-المسيحية في القدس أن هذه الانتهاكات تمثل استفزازاً خطيراً، وتهديداً متواصلاً، لكل المقدّسات الاسلامية والمسيحية في المدينة المحتلة.
وبدأت محاولة الاقتحام عندما أدخلت قوات الاحتلال مجموعة من السيّاح برفقة عدد كبير من المستوطنين من «جماعة نساء الهيكل».
وقال مدير المسجد الأقصى المبارك، عمر الكسواني، إن المواجهات دارت في باحات الأقصى. في حين قامت قوات الاحتلال بمحاصرة المصلّين المعتكفين داخل المسجد القبلي المسقوف وإطلاق القنابل الصوتية والغازية باتجاههم واتجاه موظفي الأوقاف.
وفي رأي شيوخ المدينة، فإن توقيت الحادث مرتبط بعيد الفصح المجيد. أي عندما يحتفل المسيحيون بالعيد في كنيسة القيامة.
ويغتنم الفلسطينيون المسلمون هذه المناسبة لمشاركتهم في احتفالات شعبية داخل المسجد الأقصى. وبما أن هذه الاحتفالات تُضفي على القدس طابعاً غير يهودي، فإن حكومة بنيامين نتنياهو قررت التصدي لها ومنع حدوثها.
الإجابة الوحيدة على استفزازات القوى المحتلة تتمثل في تظاهرات الاستنكار والاعتراض والتحدي.
ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه في القدس وسط ظروف مكررة تجمع بينها أسباب متشابهة.
وكما كانت المدينة المقدسة في بداية القرن الماضي، ممثلة لأخطر جوانب القضية الفلسطينية... هكذا تحولت تدريجاً الى نقطة مركزية تجمع الاسلام والمسيحية في مواجهة موقف اسرائيلي يسعى منذ عام 1919 الى الاستيلاء على الجزء الشرقي.
والواقع، ان أحداث العنف التي أعقبت عمليات الاستيطان في «حي النصارى»، ترجع في جذورها الى تظاهرات قديمة مشابهة جرت في آذار (مارس) عام 1919. ويتذكر زعماء فلسطين أن «الجمعية الاسلامية-المسيحية» في القدس أصدرت بياناً دعت فيه الشعب الى التظاهر، احتجاجاً على هجرة اليهود.وفي الموعد المحدد انطلقت الحشود من ساحة المسجد الأقصى يتقدمها كاظم الحسيني وعارف الدجاني اللذان سلّما مذكرة احتجاج الى قناصل الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا.
وبعد يومين قدّمت الطائفة اليهودية مذكرة اعتراض الى السلطات البريطانية تطلب فيها حصر الاضرابات والتظاهرات بالأحياء العربية.
الجمعيات العربية دعت الى التظاهر مرة ثانية. وبدأ التجمع في ساحة الحرم الشريف، ثم اتجهت الى «الساحة المسكوبية» حيث إستُقبِلت بخطب حماسية تناوب على إلقائها: خليل بيدس ومحمود عزيز الخالدي وعبدالفتاح درويش وموسى كاظم الحسيني.
وقبل أن تتفرق الحشود، ألقى الشاعر العراقي معروف الرصافي قصيدة حيّا فيها التلاحم الاسلامي-المسيحي في مواجهة موجات الاستيطانأخطر التظاهرات وأكثرها حدة كانت التظاهرة الثالثة التي وصفتها الصحافة الاوروبية يومها بـ «ثورة القدس». والسبب أنها جمعت أضخم حشد شعبي، ودفعت المواطنين الى مقاومة مشروع التوطين بوسائل أكثر عنفاً. وحدث بعد اكتمال التجمع (4 نيسان-ابريل 1920) أن أطل على المتظاهرين الحاج أمين الحسيني من فوق شرفة عمارة «دير الروم».
وحذر في خطابه من الممارسات الاسرائيلية، ومن خطر تواطؤ الدول الغربية، وخصوصاً بريطانيا التي قدّمت وعد بلفور ودعمت سبل تحقيقه.
وفجأة، أطلت على الساحة تظاهرة يهودية ضخمة يقودها الارهابي المعروف فلاديمير جابوتنسكي، معلم مناحيم بيغن وإسحق شامير.
وعلى الفور، فتح أفرادها النار على الجماهير الفلسطينية من دون تمييز. وانقضّ عليهم هؤلاء بالسكاكين والعصي. وبادر الجنود البريطانيون الى إطلاق النار على الفلسطينيين لحماية اليهود. ثم سارعوا الى سدّ منافذ المدينة ليمنعوا التسلل والمؤازرة من الخارج.بعد يومين، هاجم شبّان القدس وطلابها حارة اليهود، واصطدموا مع القوات البريطانية في عراك طويل. ولما ازدادت حدة الاشتباكات، فرضت سلطات الانتداب نظام منع التجول على الأحياء العربية في القدس، وأمرت باعتقال الحاج أمين الحسيني. ولكن أنصاره نجحوا في إنقاذه بينما كان يُقاد مخفوراً الى السجن، ثم نقلوه تحت جنح الظلام الى شاطئ البحر الميت، قرب أريحا. وهكذا اعتُبِرَت «ثورة القدس» المدخل السياسي لثورة فلسطين الأولى.
لوحظ بعد فشل الوزير الاميركي جون كيري في مفاوضات السلام الأخيرة، أن العقدة الأساسية كانت تكمن في رفض نتنياهو بأن تكون القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين.
ونقلت صحيفة «هآرتس» على لسان رئيس الحكومة، إنه لن يوقع على اتفاق إطار تُذكر فيه، ولو بصورة عامة، عاصمة فلسطينية في منطقة من مناطق القدس. ولما سئل عن الحل الطبيعي لهذه الأزمة، قال «إن رام الله اتخذها ياسر عرفات عاصمة لحكمه. وأنا بدوري أزكي هذا الخيار لأنني أبلغت الوزير كيري بأن الحديث عن «القدس الشرقية»، كعاصمة للدولة الفلسطينية، هو أمر من رابع المستحيلات».
لذلك كتب صاموئيل باركوفيتش، خبير الشؤون المقدسية، مقالة قال فيها إن مستقبل «القدس الشرقية» كان الموضوع الأصعب في المفاوضات الأخيرة.
قبل حرب حزيران (يونيو) 1967 كانت مساحة القدس الغربية لا تتعدى الـ 38 كلم مربع، بينما مساحة القدس الشرقية لا تزيد على الـ 6 كلم مربعة. وبعد فترة قصيرة ضمّت اسرائيل الى «القدس الشرقية» 28 قرية اعتبرتها جزءاً من يهودا والسامرة. واليوم أصبحت مساحتها 127 كلم مربع، عقب ضم مناطق أخرى من غرب القدس. والسبب أن ارييل شارون اختار لعائلته منزلاً في القدس الشرقية (غير المنزل القائم في مزرعته الواسعة) كي يضمن تنفيذ ضم هذا الجزء من القدس الى القدس الغربية، بحيث تصبح العاصمة الموحدة الأبدية لدولة اليهود.
 * كاتب وصحافي لبناني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق