بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 22 أبريل 2014

أَجُنَّ هؤلاء أم نحن مَنْ جُنِنَّا!؟ صـلاح بوسـريف

لا يمكن لأيٍّ كان أن يَدَّعِي أنَّ من يحكموننا، اليوم، ليسوا غارقين في فَهْمٍ مقلوبٍ للِدِّين، وأنَّهُم لا يخلطون السياسة، بالدِّين، أو بفهمهم الضَّيِّق والمُغْلَق للدِّين، وهو، على أيٍّ، فهمٌ خاصٌّ، ليس هو ما يعرفه الناس، وما نشأوا عليه، أو تعلَّمُوه. 
فهذا الذي يخرج علينا به رئيس الحكومة من تفادي تقبيل التلاميذ، وما صدر عن صديقه في الحزب وفي الحكومة، من سلوك تجاه إحدى الصحافيات بالبرلمان المغربي، التي رأى أنَّ لباسها يخدش الحياء، أو ما رآه هو بهذا المعنى الأخلاقي الذي لم يخرج عن جوهر فكر هؤلاء الذين استعملوا الدين لبلوغ السلطة، بكل ما يحمله هذا الفكر من رجعية وتخلُّف، وانتماء لعصور القهر والظلام، كل هذا وغيره مما رأيناه وما لم نره بعد، هو غيض من فيض، وليس هو كل ما في رؤوس هؤلاء من أعطاب وتوتُّرات، ترتبط بطبيعة الفكر الذي يصدرون عنه، وهو فكر يعتبر المرأة عورةً، ويعتبر الجسم جريمةً، أو بعض أطراف الجسم عراءً ومَسّاً بالأخلاق، وكل ما يوحي، في ما يتصوَّرونه كذلك، بالشهوة أو الجنس، مما لا يوجد إلاَّ في عقولهم المخنوقة، التي لا تَعْرِفُ معنى الانشراح، ومعنى أن تكون المرأة صاحبة رأي واختيار وقرار، ولها سيادة على نفسها وسلوكاتها وطريقة رؤيتها للأشياء، بل إنهم اعتبروا الرجل، من منطلق فكرهم أوفهمهم هذا، هو النقطة التي تحت الباء، كما يقول كبار المتصوفة، وهو من ينظر ويفكر، وهو صاحب القرار، والمرأة مجرد تابعةٍ وخاضعة، أو هي آلة، لا تتحرّك إلا بفعل فاعل، ولا رأي لها، بل إنَّ رأيها هو مايصدر عن غيرها، لا ما تقترحه هي، باعتبارها شريكةً في القرار وفي الحوار، وإدارة شؤون الحياة.
فِكْرٌ كهذا، هو نفسه فكر إخوان مصر. هو فكر حسن البنا، وسيد قطب. وفكر السلفيات المريضة التي استعملت الدين لإفساد الدِّين نفسه، أو استعملت الدين لاخْتِلاق دِينٍ آخر، مليء بالتَّشَوُّهات والأعطاب، لا علاقةَ له بالدين، كما جاء في القرآن، وفي بعض ما يمكن أن نثق فيه من أحاديث. لا عقل يحكم مثل هذا الفكر الماضوي الغارق في ماضويته، المتطرف في سلوكه، رغم اختفاء أصحابه وراء أقنعة الوسطية والاعتدال والرغبة في الإصلاح. ومن يعرف بعض بديهيات علم النفس، سيُدرك أنَّ مثل هذه السلوكات أو الأفعال، أو ما يفلتُ من ألسنة هؤلاء من كلام، مثل ما صدر عن رئيس الحكومة وعن أحد وزرائه، هو فَلتات لسانٍ، وهي تعبير عما يَحْكُم تفكير وانشغال هؤلاء، وما يطبع حقيقة فكرهم، لا ما يدَّعُونَه من أفكار، يعتبرونها مجرد تكتيك مرحلي، من خلاله يمكنهم إخفاء حقيقة الألسنة التي هي ألسنتهم، والوجوه التي هي وُجوهُهم، دون مكياج أو ترقيع.
ليس من حق أيٍّ كان أن يحكمنا باسم الأخلاق، أو يدَّعِي علينا، أنه هو النبي المُخَوَّل بنشر الفضيلة في الأرض، أو مُحاربة ‘الشر’ باسم ‘الخير’، وأنَّ ما في يده من سُلَط يسمح له أن ينوب عنا في تربية أبنائنا، أو ينوب عن المعلمين والمدرِّسين والآباء، في تحديد المفاهيم، وما قد تحمله من معاني ودلالاتٍ، أو شحنها بما يفترضونه من تأويلاتٍ، فيها من الحهل والشطط، أكثر مما فيها من الحكمة والحَصافة وبُعْد النظر.
لا تضعوا أيديكم على أفواهنا، ولا تُحاوِلُوا تقييد عقولنا، أو وضعها في قفص فكركم المغلق. فنحن نشأنا على فكر الحداثة والانفتاح والإنصات والحوار، وقيم التنوير التي تدخُل في فكرنا هذا، وهي قيم تقبل الانشراح وتؤمن به، باعتباره الضوء الذي يقودنا نحو التجَدُّد والانطلاق. لم نعد نقبل بالظلام، ولا بما يوحي بهذا الظلام الذي نسيتم أنَّ الله حين تكلم عن العلم، اعتبره نوراً، كما تحدَّث عن نور السماوات والأرض، بما يعنيه ذلك من اسْتِبْصار وتمييز، واحتكام للعقل في النظر للأشياء. لن نكون أدوات تستعملونها في الترويج لجنونكم ولحماقاتكم التي تعتبرونها ديناً، أو لها علاقة بالدِّين، وتستعملون ذراعكم الدعوي، أو الماضوي، لتبرير هذا الجنون، باعتباره هو العقل، وهو الصواب. فالمجتمعات الإنسانية، اليوم، هي أكثر انفتاحاً، وتتبادل المعارف والقيم، كما تتبادل الخبرات والتجارب، وتحتكم في رؤيتها للعالم لهذه القيم الإنسانية التي تعتبر الحق في الاختيار وفي التعبير، هي بين أهم ما يمكنه أن يساعد على توسيع فكر هذا الإنسان، ووضعه، بالتالي، أمام ذاته، باعتبار ذاته هذه هي المرآة التي يرى فيها وجودَه، وهي ما يخرج به من كل أشكال الاستلاب والاستعباد، مهما يكن مصدرُها.
اكْتَفُوا بأبنائكم، وببيوتكم، وبزوجاتكم، أو بمن رَضوا بأن تكونوا أئمَتَهُم، وعقولهم التي يُفَكِّرون بها، ولا تعملوا على سلبنا الحق في تربية أبنائنا، وعلاقاتنا بزوجاتنا وبناتنا بالطريقة التي نراها تسمو بهم عن الانغلاق، وتخرج بهم من هذا الفهم المخنوق للدين، وما تسعون لفرضه علينا من ظلام واحْتِقان. فنحن نحب الشمس، نحب النور والهواء ونحب الجمال، ولنا وجه واحد هو هذا الذي ترونه وتعرفونه، ربما، بعكس ما تصدرون عنه أنتم، أو ما تظهرون به من وجوه ليست هي وجوهكم، أو ما تُسَمُّونه، أنتم قبل غيركم، بالنِّفاق، ولهذا، ربما أنتم تخافون الضوء، لأنه يكشف ويفضح، ويُزيل كل المساحيق التي تضعونها على هذه الوجوه، قبل أن تجلسوا على كراسيكم التي اسْتَطَبْتُم نُعومَتَها، واستبدَّت بكم السلطة، إلى الدرجة التي خرجتم فيها عن المهام التي من أجلها انتخبكم الناس، مثل محاربة الفساد، الذي تراجعتم عنه، ولم يَعُد وارداً في كلامكم، لتكتفوا بمحاربة ‘العراء’ كما ترونه وتفهمونه، أو يبدو لكم أنه عراء.
لن أقبل أن يكون عقلي وفكري رهينةً في يدكم، ولن أقبل أن يصير بنكيران ومن معه، حتى من تحالفوا معه، وهم في غير وادِه، أن يكون هو اللسان الناطق باسم الفضيلة وباسم الدِّين، أو الناطق باسم الله. فالدِّين لله، والإنسان مسؤول أمام ربِّه على كل ما يفعله ويقوم به، وليس أمام حزب العدالة والتنمية، ولا أمام دُعاتِكُم، الذين تستعملونهم ككتيبة احتياط، في قول ما تُخْفُون، أو تخافون الجَهْر به من موقعكم السياسي، اللهم ما يفلت من بين شفاهكم من كلام، هو تعبير عن مرضٍ قديم، أو مرض انتقل إليكم بعدوى الإخوان، هذا الوثن الذي تعتبرونه مصدر معرفتكم ووحيكم، وقد ظهر اليوم، بما لا يدع مجالاً للشك، أنهم كانوا طُلاَّبَ سُلطةٍ لقهر الإنسان، ولجم حريته، كما تفعلون أنتم، بما لا تستطيعون إخفاءَه، لأنَّ الهوى غَلاَّب، بتعبير أم كلثوم.
إننا أمة فيها علماء وفقهاء ومفكرون ورجالات علم ومعرفة وإبداع، وما يتعلق بالفقه والفكر والعلم والمعرفة والإبداع، ليس من اختصاصكم، ولا تملكون أهلية الخوض فيه، فما لله لله وما لقيصر لقيصر، فدعوا عنكم حرية الناس جانباً، واعملوا على تدبير حياتهم، بتوفير فرص الشغل والعيش الكريم، لا بإغناء الأغنياء وتفقير الفقراء، أو بمثل ما يصدر عنكم من خطاباتٍ شعبوية سطحية، قد تخدمكم اليوم، لكنها لن تكون صالحةً لكل زمان ومكان، لأنها، في أصلها، لا تصمد أمام الواقع، وما يراه المناس من اختلالات بين ما تقولونه وما تفعلونه.
إنَّ السلطة وديعة في يدكم، فلا تخذلوا من وضع في يدكم هذه الوديعة، ولا تتجبَّروا باستعمال السلطة كعصاً، أو كسلاح لفرض أفكاركم على الناس، بعنجهية وتَجبُّر، فالفكر اختيار، وليس إجباراً، وهو ما يسري على الأخلاق، وعلى ما يتعلق بحرية الإنسان في اختيار طريقته في العيش، وفي النظر للأشياء. فكما اخترتم أنتم أن تعيشوا في الظلام، فنحن اخترنا أن نعيش في النور، ولن يكون الوجود عندنا كهفاً مُغلقاً لا صلةَ لداخلة بخارجه، أم أنَّ الخارج، في ما يبدو لكم، هو الداخل نفسه، أي الظلام الذي يعشي الأبصار، ويحجب عنها نور الله، لأنَّ لا سماءَ يمكن أن تكون قفصاً، اللَّهُمّ إذا كانت طبيعة النظر هي قفص في ذاتها، آنذاك، ستكون السماء ليست قفصاً، فقط، بل سجناً، وهذا ما ترومونه في فكركم الذي هو فكر بئيس في جوهره، ولا علاقةَ له بالدِّين نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق