بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 9 أبريل 2014

إيران والعراق.. قلق المصالح -حسن فحص

ما من شك في أن الزيارة التي قام بها الجنرال قاسم سليماني، المسؤول عن قوات فيلق القدس الإيراني، إلى العاصمة العراقية بغداد أواخر شهر مارس (آذار)، مع تصاعد وتيرة التحضيرات لإطلاق العملية الانتخابية، واللقاءات التي عقدها مع قيادات الكتل والكيانات البرلمانية والسياسية الشيعية على وجه التحديد، تعيد إلى الذاكرة الزيارات التي قام بها هذا الرجل إلى العراق بعد انتخابات عام 2010، والجهود التي بذلها لحل الخلافات نتيجة أزمة الصراع الشديد الذي ساد بين نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون ومساعيه لتجديد ولايته في رئاسة الوزراء مع إياد علاوي زعيم قائمة العراقية الذي رفض - شخصيا - التنسيق مع الإيرانيين، وإعطائهم ضمانات سياسية، مقابل موافقتهم على توليه أو عودته إلى منصب رئاسة الوزراء.
طهران في عام 2010 ضغطت باتجاه تشكيل تحالف واسع لقطع الطريق على وصول علاوي، وأثمرت زيارات سليماني المكوكية إلى بغداد مدعومة بزيارات دبلوماسية علنية، جر حلفائها الشيعة، خاصة التيار الصدري الشريك الأبرز على الساحة العراقية، والمجلس الأعلى، للاتفاق على تشكيل تحالف وطني مع دولة القانون يضم الكتل الشيعية الفائزة في البرلمان.
ولتأمين وصول المالكي على قاعدة تقاسم السلطات والمواقع، عملت إيران على إدخال التحالف الكردستاني في لعبة التقاسم هذه، مستثمرة التنازلات الأمنية التي قدمها المالكي قبل الانتخابات لإقليم كردستان، خاصة في منطقة كركوك والموصل، ما سمح لإيران بتوجيه أول ضربة لتحالفات إياد علاوي داخل الطائفة السنية داخل العراق وخارجه، عندما استطاعت وبمساعدة سورية استمالة أسامة النجيفي وكتلته البرلمانية حينها إلى جانب المالكي ومنحه أصواتها وتمهيد الطريق لعودته إلى رئاسة الوزراء، على قاعدة حصول النجيفي على رئاسة البرلمان.

في عام 2010، كان التدخل الإيراني لاحقا على الانتخابات البرلمانية، انطلاقا من اعتقادها بالقدرة على ضبط قواعد اللعبة قبل الانتخابات بالاعتماد على الجهود التي بذلتها في إعداد فرق العمل الانتخابي وتدريبها. وهو الأمر الذي سهل لها استكمال هذا الدور عام 2012 عندما أفشلت مساعي سحب الثقة من المالكي، ودفعت لإخراج مؤتمر أربيل ونتائجه التي لم يلتزم بها أحد، عندما مارست ضغطا على مقتدى الصدر لإفشال جهود تأمين النصاب البرلماني القانوني للقيام بهذه الخطوة.

اليوم يبدو أن قلق طهران في قدرتها على ضبط الصراع والتنافس بين حلفائها، يبدو معقدا وأكثر عمقا، ما استدعى منها تدخلا مسبقا. فالحديث عن توقيع «وثيقة شرف» بين حزب الدعوة بقيادة المالكي والمجلس الأعلى بقيادة عمار الحكيم، جاء نتيجة جهود بذلها الجنرال سليماني في محاولة لتأمين توافق بين الطرفين ما بعد الانتخابات، مدفوعا بهاجس إيراني يقوم على ضرورة إيصال شخصية قريبة منه إلى رئاسة الوزراء لاحقا. وثيقة الشرف بين الدعوة والمجلس الأعلى سبقها لقاءات وتوافقات بين المجلس الأعلى والتيار الصدري بجهود إيرانية أيضا، تمهد لتشكيل كتلة شيعية أكثر انسجاما وتفاهما بوجه المالكي في معركة رئاسة الوزراء.

هذا الحراك الإيراني تجاه حلفائه العراقيين، يدفع إلى الاعتقاد بوجود أزمة «ثقة» بين طهران ورئيس الوزراء نوري المالكي، أزمة ثقة مزدوجة، رغم مسارعة المالكي إلى زيارة طهران والحفاوة التي حظي بها وعبرت عنها اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين الإيرانيين، خاصة المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي.

فمن جهة يدرك المالكي أن إيران قد تكون غير متمسكة ببقائه بسبب الآثار السلبية لسياساته الإدارية والأمنية، خاصة في ظل مساعيها والجهود الواسعة التي تبذلها لتهدئة الجبهة العراقية ومنع تفجرها، من أجل التفرغ وتركيز الجهود على الساحة السورية ومنع سقوط النظام الحليف لها في دمشق.

المالكي من جهته، يدرك جيدا أن طهران قد تلجأ إلى عقد صفقة، أو الدخول في تسوية سياسية مع دول إقليمية معنية بالعراق وغير موافقة على تفرد طهران بهذه الساحة، وأن ثمن هذه التسوية قد يكون التوافق على وصول شخص آخر إلى رئاسة الوزراء وبناء تركيبة سياسية قادرة على إيجاد نوع من التهدئة الإقليمية، لذلك فقد يسعى، وهو يسعى، إلى بناء تحالفات تضمن له العودة إلى موقعه أو فرض أمر واقع يصعب تجاوزه في السباق إلى رئاسة الوزراء.

وقد تكون طهران مجبرة أو مضطرة للقبول بعودة المالكي إلى الوزارة، في ظل غياب البديل القوي بين حلفائها، خاصة أن الأسماء المطروحة كبدلاء للمالكي لا يوجد عليها إجماع لا داخل العراق ولا بين الجهات الإيرانية المقررة في الشأن العراقي، وأن الأقوياء الذين لديهم فرصة البديل، قد يشكلون استفزازا لجهات إقليمية في حال كانت طهران ترغب في التوصل إلى تفاهم معهم في العراق.

إن تكرار تجربة 2010 وحصول المالكي على عدد من المقاعد البرلمانية يتراوح بين 60 و90 معقدا، سيجبره على اللجوء إلى طهران لإقناع حلفائها بقبول عودته إلى موقعه، حتى وإن كان مقابل تنازلات جوهرية يعتقد أنه قادر على التمصل منها كما فعل على مدى رئاسته لمجلس الوزراء. من هنا يأتي الحديث المتزايد عن ضرورة تشكيل حكومة أغلبية لوضع أسس تفاهم وتحالف للعب دور بعد الانتخابات وليس قبلها.

لكن الخوف الإيراني من أن يتمكن المالكي من حصد مقاعد في البرلمان تفوق 90 مقعدا، ففي هذه الحالة قد لا يكون محتاجا إلى دور إيراني مساعد، وقد يذهب إلى عقد صفقات سياسية مع كتل وائتلافات ومكونات صغيرة تكون فاتورة التحالف معها أقل بكثير من الثمن الذي قد يكون مجبرا على دفعه لطهران وحلفائها.

وقد يستغل المالكي التمسك المصلحي لإقليم كردستان بالعلاقة مع الحكومة المركزية والحصول على الحصة المخصصة له في الموازنة العامة للعراق، ويجبرهم إلى عقد تحالف معه مقابل التساهل أمام بعض المواضيع الخلافية بين بغداد وأربيل. عدم قدرة الأطراف والمكونات السياسية والمذهبية المعارضة لاستمرار المالكي وللنفوذ الإيراني على إقناع الشارع العراقي، الشيعي والسني، بقدرتها على تشكيل بديل أو الارتقاء إلى مستوى الشريك، سيعيد تحويل العراق إلى ساحة إيرانية ومنصة توجه عبرها طهران رسائلها الإقليمية والدولية.

في المقابل، قد يدفع ذلك المالكي في حال عودته من دون رعاية إيرانية مباشرة، إلى فتح معركة مع المكونات المعارضة له، خاصة السنية، والتصعيد العسكري ضدها تمهيدا لإخراجها نهائيا من الساحة السياسية، وبالتالي رفع وتيرة الاحتراب الطائفي بين الطرفين.

يبقى أن طهران تسعى للتوصل إلى تركيبة سياسية بعد الانتخابات تقوم على تقاسم السلطة، والمصالحة السياسية التي تساعد على لجم التدهور والتراجع الأمني، الأمر الذي يشكل لها مخرجا آمنا من مأزق مواجهة أزمة متفجرة في العراق قد تضعف الجهود والاهتمام الذي تبذله في سوريا، وبالتالي يسهم في إضعاف موقعها وموقفها التفاوضي مع القوى الكبرى على الملف النووي والملفات الإقليمية الأخرى.

*كاتب لبناني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق