بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 25 أبريل 2014

حل السلطة الفلسطينية... خيار لا مجال لتنفيذه أسعد غانم

عاد الأسبوع الماضي إلى واجهة النقاش وإلى جدول الأعمال الفلسطيني والإسرائيلي إمكان حل السلطة الفلسطينية بعدما هدد بتنفيذ ذلك رئيس السلطة محمود عباس خلال لقاء جمعه مع أعضاء في الكنيست وقادة من اليسار الإسرائيلي، بهدف حضّهم على الضغط على حكومة إسرائيل لكي تُتم اتفاق إطلاق الأسرى والقبول بضرورة الاتفاق
على الحدود التي سوف تفصل بين الدولة الفلسطينية العتيدة وإسرائيل، خلال الشهر المقبل من المفاوضات. طبعاً ينطلق عباس من افتراض مؤدّاه أن هذا الموقف يمثل تهديداً لإسرائيل بإمكانه أن يفزعها، ويطرح ذلك بسبب غياب وسائل تهديد أخرى يستطيع وضعها على الطاولة، من وجهة نظره طبعاً.
لكن الواقع يشي بأن هذا التهديد هو تعبير آخر عن ضعف القيادة الفلسطينية وعدم قدرتها على قراءة إسرائيل، وحتى عن عدم قدرتها على قراءة الإمكانات المتاحة أمام الفلسطينيين لمواجهة إسرائيل، وهي بالتالي مستمرة في النهج الذي وثق في أوسلو وكان محمود عباس أحد مهندسيه. وهذه القيادة تزرع البلبلة حول نهجها بمجرد إطلاق فزاعة حل السلطة، بين الفلسطينيين بالأساس وبين مؤيديها، أو ما تبقى منهم في العالم بعد ذلك. فطرح حل السلطة وإن كان فكرة نظرية جيدة، لا يمكن تنفيذه عملياً، إلا إذا أتى من خارج السلطة، من الشعب الفلسطيني نفسه.
لماذا لا يمكن حل السلطة بقرار منها؟ أولاً، السلطة أقيمت في إطار اتفاق ثنائي بإشراف أميركي، بمعنى أن السلطة أقيمت بشراكة إسرائيلية تامة، وحتى من خلال هندسة إسرائيلية ولم يكن ذلك بقرار وطني فلسطيني ذاتي. وإسرائيل قامت بذلك من أجل إيجاد متعهد يحمي أمنها ويتكفل بإدارة الحياة اليومية العامة وتقديم الخدمات الأساسية للسكان، بهدف تقليل الأعباء المادية والأمنية عنها وتخفيف الضغط الدولي بسبب استمرار الاحتلال. وقد نجحت إسرائيل في ذلك، إلى حد بعيد، وإن ليس بشكل مطلق، وهي بذلك معنية ببقاء السلطة وتدخلت لإبقاء صبغة السلطة التي تريدها بعدما نجحت «حماس» في انتخابات 2006 في زعزعة أركان النظام الذي تريده إسرائيل وتعاونت مع الرئاسة الفلسطينية، أو أن السلطة تعاونت مع إسرائيل على إجراء الانقلاب ضد «حماس»، وهي تستطيع اليوم وغداً تنصيب رئيس سلطة جديد والمساهمة في أي جهد أمني أو مالي من أجل إقامة سلطة جديدة فوراً بعد إعلان انسحاب القيادات الحالية من مواقعها، والمستعدون لذلك من رجال السلطة الحالية أو الذين استبعدوا موقتاً عن مواقع اتخاذ القرار هم كثر، وعلى استعداد فوري للقيام بذلك.
ثانياً، أهم مما يمكن أن تفعله إسرائيل هو ما يمكن أن تفعله القيادات الفلسطينية نفسها والنخب الفلسطينية والمتحكمون في القرار الفلسطيني، والمستفيدون جميعهم من السلطة ووجودها، وأعني استفادة سياسية ومادية في آن واحد، فنخب وقيادات السلطة غامرت سياسياً، ولا تزال، بخيار إقامة دولة فلسطينية على أساس مسار أوسلو، والسلطة هي المعبر إلى هذا الحل، وبذلك فإن حل السلطة يعني أن خيار قيادات منظمة التحرير و «فتح» فشل وإن خيارها كان فاشلاً من بداية الطريق وإن ما جلبته هذه القيادات للشعب الفلسطيني هو حالة من التيه والضياع والخراب الوطني، بمعنى أن حل السلطة هو إعلان إفلاس لن تقدم عليه القيادات الحالية بنفسها، ولم تفعله أي قيادات قبلها، كما لن يكون ذلك مستقبلاً. والأهم من المردود السياسي والوطني هو المردود المالي الشخصي، فبالنسبة إلى قيادات السلطة والنخب وآلاف الأشخاص، تمثل السلطة مشروعاً استثمارياً ناجحاً وأداة لكسب الجاه والتهليل في التلفزيون الوطني والحصول على تسهيلات من الجانب الإسرائيلي، الخ... غالبية قيادات الصف الأول والثاني تحولت إلى أصحاب عقارات وشركات ومداخيل خيالية، فهل يتوقع أحد من مسؤولي السلطة المستفيدين التخلي عن ذلك؟
ثالثاً، العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة وأوروبا، معنيون بوجود السلطة واستمرار وجودها، وسوف يقومون بأي جهد مطلوب لاستمرار عملها. وبالنسبة إلى المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين وحتى العالم العربي، السلطة هي عنوان لقيادة الشعب الفلسطيني، من المفروض أن تتصرف بمسؤولية الدول كما يفترض المجتمع الدولي، وسوف تفعل كل ما بوسعها لمنع وقوع مغامرات أو حتى المساهمة في مواجهات داخلية وإقليمية، كما حصل في الأردن عام 1970، ولبنان واحتلال العراق، الخ... بالإضافة إلى ذلك فان هذه الدول استثمرت البلايين حتى الآن في السلطة وقياداتها. وقد ورد هذا الأمر في الرد الأميركي على ما قاله عباس في لقائه المذكور، إذ إن الناطق باسم الإدارة الأميركية ذكّر بالحرف الواحد بأن «الولايات المتحدة تكلفت الكثير في دعم السلطة ولن تسمح بأن يذهب دعمها هباء». ومن المتوقع أن تتخذ الدول الأوروبية وكندا وروسيا والصين ودول الخليج والأردن ومصر مواقف مماثلة لكونها هي أيضاً مستثمرة جدية في السلطة منذ قيامها وتريد استمرارها، حتى بعد تأكدها جميعاً من أن السلطة الوطنية ليست قناة للحصول على الاستقلال بل محطة دائمة، تتغير وفق الظروف، لكنها حالة من الاحتلال بأشكال أخرى غير التي عهدناها حتى أواسط العقد الأخير من القرن الماضي.
بعد مضي يومين من تصريح عباس، سارعت قيادات فلسطينية إلى نفي مشروع «حل السلطة»، لأنها أدركت أن هذا المشروع ليس لها، ولا يمكن أن يمثل حتى تكتيكاً إعلامياً، لإشغال الرأي العام الفلسطيني «بمشاريع» لا تؤدي إلى شيء سوى زرع الأمل مرة بعد أخرى في قلوب غالبية الفلسطينيين بأن السلطة تتقدم نحو الوصول إلى إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، علماً أن الحصول على دعم الناس وإخراجهم للتظاهر هو المشروع الأساسي للسلطة. وبذلك فإن السلطة تفعل هنا ما فعلته وتفعله من خلال المشاركة في مفاوضات ليست ذات جدوى باتجاه إقامة دولة حقيقية، أو حتى إعلان الدخول، مرة بعد أخرى، في مسار المصالحة الداخلية – وهذا تكتيك يعلو وينخفض بموازاة المفاوضات ومستويات المأزق مع إسرائيل – وذلك لأن شرعية السلطة مرتبطة عضوياً بالأمل المعقود فلسطينياً على مشروع الدولة، وإعلان السلطة أن ذلك أصبح غير ممكن في ظل التطورات في إسرائيل والمنطقة، سوف يعني أن قيادات أوسلو يجب أن تخرج من المسرح السياسي، بالضبط كما حدث في إسرائيل عندما أزيح منظرو أوسلو عن المسرح السياسي، بعدما ثبت أن مشروعهم فاشل من أساسه.
ويبقى السؤال: هل فعلاً لا يمكن حل السلطة؟ والجواب هو بالنفي: طبعاً يمكن حل السلطة، وذلك يكون فقط من خلال مشروع شعبي فلسطيني يمهد لقلب المبنى السياسي الحالي ويقوم به الشارع الفلسطيني عبر التحكم في الوضع السياسي وإعلان حل النظام، كما حدث في بلدان الربيع العربي. هذا يعني أننا أمام مشروع وطني فلسطيني شامل وطويل الأمد يتطلب العمل على بناء قيادة موحدة وشاملة للشعب الفلسطيني وبديلة للقيادة الحالية، وذلك من خلال إجراء انتخابات شاملة، وليس من خلال إعادة تقسيم الكعكة الوطنية، كما يتم في محادثات المصالحة في غزة الآن.
كاتب فلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق