بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 10 أبريل 2014

◘ انتخابات تنافسية أم استفتاء؟ حسن نافعة

بدأ العد التنازلي للانتخابات الرئاسية في مصر. ووفقاً للجدول الزمني الذي حددته اللجنة المسؤولة عن هذه الانتخابات فقد بدأت اللجنة في فتح الأبواب للتقدم بأوراق الترشيح اعتباراً من 31 آذار (مارس) الماضي، تمهيداً لإعلان القائمة النهائية للمرشحين المستوفين الشروط في موعد غايته يوم 2 أيار (مايو) المقبل، وتم تحديد يومي 26 و27
أيار موعداً لإدلاء الناخبين بأصواتهم، وستقوم اللجنة بإعلان النتيجة في موعد غايته 5 حزيران (يونيو). فإذا تبين أن أحد المرشحين حصل على أصوات تتجاوز نصف عدد الناخبين المشاركين في التصويت فسيتم إعلان فوزه رسمياً بالمنصب الرفيع، أما إذا لم يحصل أي منهم على هذه النسبة فستجرى في 15 حزيران جولة ثانية بين المرشّحََين الحاصلين على أعلى الأصوات. وسيكون لمصر، في كل الأحوال، رئيس منتخب قبل نهاية حزيران المقبل، حتى ولو لم يتبقّ سوى مرشح واحد على قائمة المرشحين. ويشترط في هذه الحالة الأخيرة حصول المرشح على نسبة من الأصوات لا تقل عن 50 في المئة من مجموع المسجلين على القوائم الانتخابية، وإلا تعين فتح باب الترشح من جديد.

تختلف الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر عن كل ما سبقها من انتخابات رئاسية على مدى تاريخها، وذلك لسببين رئيسيين على الأقل:
السبب الأول: أنها تجري تحت إشراف حكومة يشكك بعضهم في شرعيتها، تأسيساً على قناعته بأن ما جرى في مصر يوم 3 تموز (يوليو) ليس سوى انقلاب عسكري على حكومة منتخبة، وتخيم عليها أجواء تتسم بنزعة متزايدة لاستخدام العنف كوسيلة لحسم الصراع المستمر على السلطة، سواء تم ذلك من خلال الجماعات التي تشكك في شرعية السلطة أو من جانب نظام حاكم يرى أنه يخوض حرباً مشروعة على الإرهاب. ولأن الجماعات المناوئة للنظام الحاكم تبدو مصممة على إفشال الانتخابات الرئاسية المقبلة، فسوف يعد مجرد النجاح في تنظيمها، بصرف النظر عن نتائجها، إنجازاً يحسب لهذا النظام.
السبب الثاني: محدودية عدد المتنافسين المحتملين، مقارنة بانتخابات 2012، وبالتالي عدم قدرة هذه الانتخابات على اجتذاب ممثلين لمختلف ألوان الطيف السياسي، إذ يلاحظ أنه ما إن أعلن المشير السيسي نيته في الترشح حتى أحجم معظم المرشحين المحتملين عن النزول إلى حلبة المنافسة، إما لاعتقادهم بأن وزير الدفاع السابق هو المرشح الرسمي للدولة العميقة أو خوفاً من شعبيته الكبيرة. ولأن نتيجتها النهائية تبدو معروفة سلفاً، يعتقد كثيرون أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر أصبحت شكلية نظراً لافتقارها إلى معظم عناصر التشويق والإثارة التي يتسم بها عادة هذا النوع من الانتخابات الرئاسية، خصوصاً في بلد كمصر.
لم يجرؤ أحد في مصر، حتى كتابة هذه السطور، أن يعلن عزمه خوض الانتخابات الرئاسية في مواجهة المشير السيسي، باستثناء مرشح واحد فقط هو حمدين صباحي. ولأن من المستبعد أن يحذو حذوه آخرون من ذوي الحيثية، فالأرجح أن تنحصر المنافسة في انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة بين مرشحين لا ثالث لهما، وهو ما من شأنه أن يضفي على هذه الانتخابات مذاقاً خاصاً. ومن المعروف أن عدداً ممن خاضوا انتخابات الرئاسة السابقة، وأبدوا في مرحلة ما استعدادهم لخوض السباق الحالي أيضاً، عادوا وتراجعوا لأسباب ودوافع مختلفة. فعمرو موسى لم يكتف بالإفصاح عن نيته عدم الترشح، إذا قرر السيسي النزول إلى الساحة، بل تحمس لترشيحه وأصبح مديراً لحملته الانتخابية أيضاً! أما عبدالمنعم أبو الفتوح، المرشح الإسلامي المحتمل، فقد قرر مبكراً اتخاذ موقف مغاير تماماً ولم يتردد في إعلان رفضه المشاركة في انتخابات وصفها بـ «المسرحية الهزلية»، وانتظر المرشح اليساري خالد علي صدور قانون الانتخابات ليعلن انسحابه من السباق، احتجاجاً على تحصين قرارات اللجنة المشرفة ولاعتقاده بعدم توافر ضمانات الحياد والنزاهة والشفافية في هذه الانتخابات. ومن المعروف أيضاً أن بعض قدامى الجنرالات كانوا يصرون على مزاحمة المشير السيسي حتى وقت قريب، غير أن الإعلان المتأخر عن انسحاب كل من الفريق سامي عنان والفريق أحمد شفيق أخلى الساحة للمشير، لتصبح المنافسة محصورة في النهاية بينه وبين صباحي. فلماذا قَبِل صباحي ما رفضه الآخرون؟ وعلى ماذا يراهن في انتخابات يبدو للوهلة الأولى أنه ما كان للسيسي أن يخوضها لو لم يكن واثقاً من قدرته على حسمها لمصلحه؟
يعتقد بعضهم أن حمدين صباحي لم يقدم على هذه المغامرة إلا بناء على ترتيب مسبق مع النظام، في إطار صفقة تسمح له بحجز مقعد مريح في مستقبل الأيام. وليس لهذا الاعتقاد، في تقديري، ما يبرره أو يدعمه على أرض الواقع، خصوصاً في ظل صعوبة إخفاء هذا النوع من الصفقات التي لا بد أن تتكشف معالمها حين تحل مواعيد الاستحقاق. لذا يرجح أن تكون لحمدين حسابات أخرى. ومن الواضح أنه يراهن على عدد من الأمور، ربما كان أهمها ما يتمتع به من شعبية عكستها أصوات كثيرة حصل عليها في انتخابات 2012 واحتل بها المركز الثالث، بعد مرسي وشفيق مباشرة. ولا يستبعد حصول صباحي على أصوات أكبر بكثير مما حصل عليه في انتخابات 2012، بالنظر إلى محدودية عدد المرشحين واحتمال حصوله، إضافة إلى أصوات مؤيديه التقليديين، على كل الأصوات الرافضة لتولي المشير السيسي منصب الرئيس، وهي أصوات لن تقتصر على أصوات القوى المنتمية لمعظم فصائل الإسلام السياسي ولكنها ربما تشمل أصوات كل المتخوفين من عودة رموز النظام القديم، أو الهيمنة المباشرة للجيش على السلطة، بكل ما تمثله هذه الهيمنة من احتمال إجهاض عملية التحول الديموقراطي وقطع الطريق عليها نهائياً. فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن حمدين صباحي يملك ورقة ضغط إضافية قد لا يتردد في استخدامها عند الضرورة، ألا وهي التهديد بالانسحاب من السباق في حالة إقدام مؤسسات «الدولة العميقة» على ارتكاب مخالفات من شأنها التأثير في إرادة الناخبين، لسهل علينا أن ندرك أن صباحي يملك من الأوراق ما يبرر إقدامه على هذه المغامرة.
يتضح مما تقدم أن حصر المنافسة في انتخابات الرئاسة المقبلة في مصر بين عدد محدود جداً من المرشحين، أحدهما المشير السيسي، يحيلها إلى شيء أقرب إلى الاستفتاء منه إلى الانتخاب، غير أن قرار حمدين الجريء بخوض المغامرة يضفي على تلك الانتخابات في الوقت نفسه جواً من الغموض والإثارة ويجعلها مفتوحة على كل الاحتمالات. فرغم الشعبية الهائلة، والحقيقية، التي تمتع بها السيسي في البداية، بسبب دوره الحاسم في إزاحة حكم «الإخوان»، إلا أنه ليس من المستبعد أن تكون هذه الشعبية قد تآكلت بعض الشيء، وذلك لأسباب كثيرة، منها: 1- الارتباك الذي بدا واضحاً عند تشكيل أول حكومة بعد ثورة 30 يونيو واضطرار «صانع القرار» إلى تعيين محمد البرادعي نائباً لرئيس الجمهورية ثم قيام الأخير بتقديم استقالته في ظروف شديدة الحرج. 2- سوء أداء حكومة حازم الببلاوي وافتقادها رؤية سياسية قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية الثالثة بصورة أفضل من سابقتيها وعجزها عن تحسين أحوال عموم الناس على مدى أكثر من ستة أشهر 3- ارتكاب الأجهزة الأمنية انتهاكات جسيمة والقبض على معارضين سياسيين لا علاقة لهم بجماعة «الإخوان»، وهو ما قد يراه بعضهم مؤشراً إلى شكل وطبيعة النظام القادم. وسوف يكون بوسع حمدين صباحي استثمار هذه السلبيات لمصلحته وتحميل السيسي جانباً على الأقل من المسؤولية. فإذا أضفنا أن السيسي لن يتمتع، لأسباب أمنية، بقدر كاف من حرية الحركة يسمح له بالمشاركة في مؤتمرات جماهيرية، وربما لا يتحمس أيضاً للمشاركة في مناظرات تليفزيونية، فسوف يتضح أن حمدين سيكون في وضع يسمح له بقدر أكبر من المناورة، وهو ما قد يمنحه فرصة أكبر لكسب المزيد من المتعاطفين.
وأياً كان الأمر فسوف يتعين على الحكومة المصرية أن تدرك أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون الأخطر في تاريخها وأن العالم سيتابعها بكل دقة. فإذا لم تنجح في إقناع العالم بسلامة الانتخابات وشفافيتها فسوف تتحول في النهاية إلى عبء على المستقبل، وبدلاً من أن تكون جزءاً من الحل وخطوة على طريق إخراج البلاد من أزمتها الراهنة ستصبح جزءاً من المشكلة وعقبة إضافية على هذا الطريق.
ليس مهماً من يفوز في هذه الانتخابات بمقعد الرئيس، ولكن المهم أن تفوز مصر وأن تتمكن من كسر عزلتها الراهنة حتى يصبح بمقدورها المشاركة بفعالية في إنقاذ المنطقة العربية برمتها من أخطار جمة تحيط بها من كل الاتجاهات وتكاد تعصف بها وتحيلها إلى هشيم تذريه الرياح.
* كاتب وأكاديمي مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق