بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

انتخابات العراق… عندما يغيب الوطن وتحضر الطائفة

بينما ينطلق قطار الانتخابات التشريعية العراقية، وهي الاولى منذ انسحاب القوات الامريكية، يصعب على المراقب ان يجد نظيرا لها من جهة اهميتها في تاريخ العراق، وكذلك من حيث ما يصحبها من معطيات التدهور الامني والاقتصادي، وطغيان ‘الشبح الطائفي’ على العملية السياسية التي يعتبرها كثيرون شبه منهارة، ما يجعل السؤال مشروعا بل ومصيريا ان كانت نتائجها ستكرس هيمنة الطائفة او ستعيد للوطن مكانته؟
ويعتبر مراقبون ان رئيس الوزراء نوري المالكي مازال المرشح الاقرب للفوز رغم انه يواجه تحديا ‘غير مسبوق’ في هذه الانتخابات بعد انصراف بعض حلفائه عنه بسبب ما يعتبرونه تفردا بالقرار وعودة للديكتاتورية وتسترا على الفساد في حكومته.
الا ان اخرين يعتبرون ان الانتخابات حسمت سلفا باجرائها في ظل تهميش لاهل السنة، بينما تتعرض محافظة الانبار (تمثل 30 بالمئة من مساحة البلاد) لحرب شعواء ظاهرها ‘محاربة الارهاب’، وباطنها قمع المعارضة السلمية للمالكي وحكومته. وقد اعترفت المفوضية الانتخابية نفسها بصعوبة اجراء الانتخابات في بعض المناطق السنية غرب بغداد، ما يمثل نوعا من ‘التزييف’ لارادة الناخبين، قد يعبر عن نفسه بنوع من المقاطعة او ضعف المشاركة في بعض المحافظات.
وليس متوقعا ان يتمكن اي حزب او ائتلاف من تحقيق الاغلبية المطلقة، ما يعني ان نتائج الانتخابات الحقيقية ستقررها ‘حرب اللتحالفات’ التي تليها، وهنا تبرز اهمية الاعتبارات الطائفية والعرقية وغيرها في تقرير تأثيرها على الساحة السياسية.
وللاسف لم تبرز اي تكتلات انتخابية ‘عابرة للطائفة’ تبدو قادرة على تحقيق نتائج قوية في الانتخابات، كما ان التناقضات الداخلية بين خصوم المالكي، قد تمنعهم من تشكيل تحالف حقيقي، يمكن ان يكون بديلا عن نظامه. ما يعني ان النتائج لن تختلف كثيرا عن سابقاتها، حيث تتقدم الهوية الطائفية للمرشحين على توجهاتهم السياسية، وبرامجهم الانتخابية، كما لا تنجح النساء الا عبر امتياز الكوتة، اي النسبة المقررة لهن وليس الانتخاب الحر الحقيقي. ويطرح هذا الواقع الحزين اسئلة تتعلق بالوعي الديمقراطي للناخبين، الذين يتعرضون لقصف اعلامي على مدار الساعة من قنوات طائفية تعمل على نشر خطاب الكراهية والتحريض عبر ابتزاز المشاعر الدينية واستنفار روح الانتقام وتصفية الحساب التاريخية.
وينبغي التذكير بأنه لولا تشكيل ما سمي بـ ‘التحالف الشيعي’ لما تمكن المالكي من تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الاخيرة، حيث ان ‘القائمة العراقية’ بزعامة اياد علاوي كانت في صدارة الكتل الفائزة حينئذ. واذا كان من رسالة يبعث بها هذا الحضور الطاغي للطائفة على حساب الوطن، فهي ان المعركة الحقيقية في العراق وكثير من البلاد العربية، ينبغي ان تكون ‘معركة الوعي الديمقراطي’ قبل ان تكون معركة سياسية او ايديولوجية. حيث انه لا يمكن الالتحاق بركب التحول الديمقراطي، بينما تغيب الاعتبارات الوطنية لمصلحة الطائفية او العرقية او غيرها سواء امام صندوق الاقتراع او في ممارسة العمل السياسي داخل الحكومة والبرلمان وباقي مؤسسات الدولة.
وما من شك في انها معركة صعبة تتطلب برنامجا شاملا من الاصلاحات التربوية والتعليمية والتشريعية والسياسية في مواجهة ثقافة ‘شيطنة الاخر او تكفيره’. وهذا لا يمكن ان يتحقق الا في ظل مجتمع مدني قادر على التصدي لماكينة القمع الامني والاعلامي من جهة وموروثات عقائدية دخيلة تمثل اساءة للفكر الديني.
وحتى يتحقق هذا، للاسف يبقى الخوف مشروعا من ان الانتخابات يمكن فقط ان تصب في خانة التكفير بجدوى العملية السياسية، والتكريس للتقسيم على اساس طائفي، واللجوء للعنف كوسيلة للتغيير، وما قد يسببه ذلك من نتائج كارثية، لا قدر الله.
فهل سيفاجئ العراقيون الجميع، فيجعلون هذه الانتخابات مناسبة للانتصار للوطن على ما سواه من اعتبارات طائفية اوعرقية او مصلحية او شخصية. ليتهم يفعلون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق