بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 أبريل 2014

مقدمات من أجل ثورة عربية حقيقية كرم الحلو

رغم كل التضحيات التي قدمها العرب في تاريخهم الحديث والمعاصر، لم يرقوا الى ما رقى اليه غيرهم من امم العالم المتقدمة إن في الاقتصاد والسياسة او في الفكر والاجتماع. لكأن تضحياتهم ذهبت سدى او تكاد، فأنظمتهم قمعية استبدادية ومجتمعاتهم متخلفة وعلومهم عاثرة وانسانهم مستلب مقهور. وما ذلك في رأينا الا لأن الثورات
والانتفاضات العربية لم ترفدها مقدمات ثورية كتلك التي رفدت ثورات الحداثة، اذ هي لم تتصد للاشكاليات التاريخية التي وقفت على الدوام من دون اي تحول ثوري للمجتمعات العربية. ثمة مقدمات ايديولوجية وسياسية واجتماعية واخلاقية لا بد منها لانجاز ثورات عربية حقيقية لم تؤخذ في الاعتبار. ايديولوجياً لم يبلور العرب مفاهيم للدولة والمجتمع والفرد والمواطنة تؤسس لتحول نوعي في الاجتماع والسياسة. فالدولة في العالم العربي تعاني من معضلات كبرى مفهومية وتاريخية وتكوينية، ان لجهة الهوية او لجهة الدور والوظيفة والمشروعية. هل هي الدولة السلطانية او هي الدولة الدينية او هي الدولة الليبرالية الحديثة؟ هل هي دولة التجزئة القطرية او هي دولة الطبقة؟ هل هي واقع ثابت ونهائي ام انها مرحلة في الطريق الى ما يتعداها قومياً ام دينياً ام سياسياً؟ ازاء هذه التصورات الملتبسة بصدد الدولة ثمة تصورات اكثر التباساً بصدد الفرد والمجتمع والمواطنة فهل المجتمع هو تعاقد حر بين افراد احرار ام هو حلبة صراع بين هؤلاء وبين دولة تسلطية قاهرة تنظر اليهم كرعايا لا كمواطنين؟ هل «انتماء الفرد للوطن يستلزم ضمان وطنه له التمتع بالحقوق المدنية» على ما تصور الرائد النهضوي رفاعة الطهطاوي ام ان اولوية الانظمة والعقائد تتقدم على اولوية المواطنية ولو على حساب حقوق المواطن الانسانية والمدنية؟
الى جانب هذه المقدمات الايديولوجية لم تتصد الدولة العربية للانقسامات الاقلوية الممتدة في الجسم السوسيولوجي العربي ودورها في تهديد بنية الدولة من داخلها، لم تعبأ بما للديموقراطية من دور في وحدة الامة وقوتها، تعاملت بفوقية واستعلاء مع الشعوب، فكان ان تقدمت التسلطية القائمة على العصبية والعنف لتؤجج الصراع بين المجتمع والدولة، وتقودها الى خواء شامل عمم الفقر والامية والانحدار الثقافي والاخلاقي، وقمع عملية التحديث.
والدولة العربية لم تجابه اشكاليات الفقر والانفجار الديموغرافي وتريف المدن وتخلف المرأة، ما ادى الى انسحاب العقل الريفي واعرافه المتخلفة على العلاقات المدنية والمواطنية.
والدولة العربية لم تدرك التلازم الضروري بين الحرية والتنمية، فكان ان بقيت التركيبات القبلية المتخلفة تعمل في موازاة الافكار التحديثية، وهي لم تواجه مسألة الفصل بين السياسي والديني، فكان ان اكتسح الديني السياسي، والاصالة الحداثة، والماضوية العصرنة.
والدولة العربية لم تتعامل جدياً مع الفجوة الطبقية المتمادية بين الفقراء والاغنياء فكان ان بلغت هذه الفجوة حداً يهدد الاستقرار الاجتماعي وينذر بالحرب الاهلية.
والدولة العربية لم تجابه الفساد الاخلاقي حتى باتت البلدان العربية في اكثرها تحتل مواقع متقدمة في تقارير منظمة الشفافية الدولية عن حالة الفساد في العالم.
ان تجنب التفكير بهذه الاشكاليات المتمادية والمربكة وعدم التصدي لها بجدية، هو مصدر احباط الثورات العربية وانحدارها الى مآلات بائسة. فلم يكن مفاجأً اندلاع النزاع الطائفي والمذهبي والتعامل الاقصائي مع الآخر في مجتمعات الانتفاضات، ولم يكن مفاجئاً كذلك احساس شرائح واسعة من هذه المجتمعات بالغبن، ومنها الاقليات الطائفية والمذهبية والنساء والمثقفين، كما لم تكن خارج التوقع ضبابية الرؤية المستقبلية للانتفاضات التي بات يخشى على انهيارها وعودة رموز الانظمة البائدة، في ظل فساد اخلاقي مريب. تروي ناشطة تونسية بعضاً من مشاهداتها غب الثورة في تونس بقولها في «المرأة العربية» مركز دراسات الوحدة العربية 2014: «سجلنا ما يمكن ان نسميه انفلاتاً اخلاقياً ادى الى ممارسات همجية تمثلت بنهب وسرقة ممتلكات الغير وحرق المؤسسات العمومية ... اما الحقيقة الكامنة وراء هذه التعلة، هي الغياب التام للثقافة المدنية، ولأسس العيش والتعايش السلمي داخل مجتمع غاب عنه التنظيم الحقيقي وانعدم فيه مفهوم المواطنة» وتضيف الناشطة: «موكول الى الانظمة القادمة ان ترسي قواعد جديدة لمجتمع مدني مبني على احترام الفرد واشراكه الفعلي في بناء وطنه والسهر على حرمة ممتلكاته».
من هنا ان الانتفاضات العربية محكومة بمقدمات اساسية وضرورية كي لا تتراجع وتتهاوى كما اكثر الثورات في تاريخنا العربي الحديث والمعاصر. اولى هذه المقدمات تحديد مفهوم الدولة وماهيتها ودورها والانطلاق في الحراك الثوري من رؤية ليبرالية ثابتة تقدم حقوق الانسان وتعترف بالمساواة المدنية والمواطنية من دون مواربة وبصرف النظر عن الانتماءات الاخرى ما قبل الوطنية وما قبل القومية. وثانيتها تأكيد الفصل بين السياسي والديني وانتظام الدولة في السياق المؤسسي الحداثي، النقيض التام للتركيبات القبلية المتخلفة. وثالثتها التصدي لتنمية حقيقية تضيّق التفاوتات الطبقية بين الاغنياء والفقراء وتنزع فتيل الفتنة والحرب الاهلية. ورابعتها مواجهة الهدر والفساد الاخلاقي والانطلاق في العمل السياسي من مبادئ تقدم النزاهة والخير العام على المصالح الضيقة والشخصية. وخامسة هذه المقدمات اعادة نظر جدية وجذرية في واقع المرأة العربية، اعادة تذهب الى الاصول وتطاول الروح والاعراف والقيم والمفاهيم الجائرة والظالمة، تزلزل العقل الابوي وتطيح أسسه التاريخية ومنطقه المتخلف.
ان الثورة العربية الظافرة هي تلك التي تأخذ في الحسبان كل هذه المقدمات كي لا تولد مبتورة معوقة مهددة بالسقوط من بداياتها.

* كاتب لبناني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق