بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 18 أبريل 2014

اللامبالاة: سياسة الغرب الرسمية -حسام عيتاني

يميل «الغرب» الى تعامل متشابه مع الأزمة الاوكرانية والثورة السورية. يبدو مرتبكاً وراغباً في التصالح مع نظامين يعلنان العداء لكل ما يرفعه «الغرب» من شعارات وما يدّعي انه من قيمه المؤسِّسة.
تفضل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي التفاوض والتهادن مع الرئيسين فلاديمير بوتين وبشار الأسد رغم القناعة التامة بتجاوزهما لكل «الخطوط الحمر» التي رسمتها الادارة الاميركية واوروبا. يجري التعتيم على دخول الميليشيات الموالية لموسكو الى الاراضي الاوكرانية بالقدر ذاته الذي تتجاهل فيه وسائل الاعلام الكبرى استئناف نظام الاسد قصف القرى الثائرة بغاز الكلورين السام.
اللامبالاة وليس العجز، اقرب الى الصواب كتفسير للحالة هذه. في الطور الحالي من الرأسمالية، لا يرى الغرب مصلحة في التدخل لا في اوكرانيا ولا في سورية. حالة الانكفاء العامة التي تجلت منذ وصول باراك اوباما الى البيت الأبيض تعكس في واقع الامر تغيراً عميقاً في بنية الاقتصاد والاجتماع في الغرب. ورغم التشابه بين سلوك واشنطن وبروكسيل حيال الانظمة التسلطية في دمشق وموسكو، مع ذاك الذي اتبعته باريس ولندن حيال هتلر بين منتصف الثلاثينات وبداية الحرب العالمية الثانية وسمّي سياسة «التهدئة» وأفضى الى تسليم مقاطعة السوديت التشيكية الى المانيا والسكوت عن ضم النمسا او «الانشلوس» في 1938، الا ان في تصرف الدول الغربية شيئاً مختلفاً جداً عن سياسات تلك الفترة.

تعي القوى الغربية اليوم ان ما من شيء يهدد مصالحها، الاقتصادية والامنية، حتى لو تدهور الوضع تدهوراً مأسوياً في البلدين القريبين منها. اقصى ما تخشاه أوروبا، على سبيل المثال، هو موجات من اللاجئين الذين قد يتدفقون اليها عبر طرق التهريب البحرية والبرية. حتى اليوم، يبدو ان الاجراءات الاوروبية المتبعة منذ عقود تجعل من الصعوبة بمكان تحول هذه الظاهرة الى خطر داهم حيث تواجه سلسلة من العقبات اللاجئين المفترضين، تبدأ مع مافيات التهريب ولا تنتهي بخطر الترحيل والابعاد. أما مسألة انقطاع وارداتها من الغاز الروسي التي تمر عبر اوكرانيا فليست بالتهديد الجدي مع وجود عدد من البدائل والطرق الالتفافية.

أبعد من ذلك، يجوز الحديث بقدر من الثقة عن تغير كبير في مفهومي الرأسمالية والامبريالية في مرحلة ما بعد أزمة 2008 المالية. ورغم عدم اخلاء أي منهما لساحة الفعل في مجالي السياسة والاقتصاد، إلا انهما بدلتا من أدوات عملهما. لم نعد امام سلطة «الراج» البريطاني في الهند ولا حتى أمام امبريالية الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. فالمصالح الاقتصادية للغرب تكرست بما يصطلح على تسميته بالاستعمار الجديد (وتطبقه كل دولة على نحو مختلف من سياسة «فرانس افريك» الفرنسية السيئة السمعة الى الشراكات الامنية والاقتصادية الاميركية) الذي يكفل استمرار تدفق السلع الاولية الى دول المركز الآخذة في التغير بدورها بدخول الصين لاعباً كبيراً بينها.

تقول تجارب الفوضى المستمرة في افريقيا جنوب الصحراء منذ اكثر من عقدين، ان قدرة الغرب على استخلاص حاجاته من برك الدماء، لم تتأثر. وانه سيكتفي بتدخلات موضعية في الاماكن التي يعتبر نفسه مهدداً فيها، على ما تشير حالة التدخل الفرنسي في مالي. والارجح ان الحلف الاطلسي (الناتو) ليس في وارد تكرار ما جرى في ليبيا من تدخل، خصوصا بعد اغتيال السفير الاميركي هناك وهيمنة المسلحين المرتبطين بتنظيم «القاعدة».

بكلمات ثانية، يرفع «الغرب» أسواره عالياً ويحصن قلاعه وينقل وينحاز اكثر الى رؤية «سينيكية» (كلبية) فيقسم العالم اليوم قسمة تشبه ما كان عليه زمن الامبراطورية الرومانية: متوحشون يقتلون بعضهم بعضاً خارج الاسوار و»حضارة» مهددة داخلها. ليس لأنه لا يعرف المدى الذي بلغه اجرام بشار الاسد او صلف فلاديمير بوتين، بل لأنه مشغول عنهما بالحفاظ على نمط عيش لن يتخلى عنه حتى لو احترق الكوكب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق