بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 18 أبريل 2014

في أولويات التفاوض الإسرائيلي - محمد خالد الأزعر

في سياق مقاربة عربية مغايرة ومفارقة لأهداف وسياسات وشعارات ما قبل حرب حزيران (يونيو) 1967، أبرمت إسرائيل معاهدتَي سلام كاملتَي الأوصاف مع كل من مصر والأردن، بما أراحها تماماً من عناء الاستنفار والتعبئة الدائمة على أطول جبهتين عسكريتين عربيتين. كما نالت تسليماً عربياً عاماً وفلسطينياً خاصاً بوجودها وإمكانية
التعايش والجوار السلمي معها، بشروط تفاوضية غير مستحيلة التحقق. ومع ذلك، مازلنا نجد بين الإسرائيليين من يتأففون من هكذا مكتسبات ولا يرونها غاية المراد.
لو كان الصراع الإسرائيلي العربي يدور في فلك المواجهات أو المنازعات المعتادة بين الدول والكيانات السياسية، لثمَّن الإسرائيليون هذه التحولات والمستجدات عالياً وعضُّوا عليها بالنواجذ. لِمَ لا وهي تضمن لهم الاستقرار والأمن الوجودي والحدودي، وتعبِّد السبل وتهيىء المناخات اللازمة لحقن الدماء والموارد وإقرار التعاون الإقليمي التنموي البنَّاء، وتؤدي إلى الالتفات والتفرغ إلى ما يشبع من جوع ويؤمن من خوف.
لكن إسرائيل ليست كسائر الدول والكيانات ولا الصراع معها كسائر الصراعات. مناط الاختلاف هنا هو في جوهرها الاستعماري الصهيوني الاستيطاني، الذي يُعلي من شأن التوسع الجغرافي والاجتهاد في استئصال سكان الوطن الأصليين. نحن بصدد دولة ذات شراهة فطرية للتمدد عضوياً على الأرض. دولة تحوي نخباً أيديولوجية سياسية وأطيافاً شعبية لا يستهان بحجمها، تسخر من معاهدات السلام واتفاقات التسوية مع العرب، فرادى أو مجتمعين، وفقها تحول دون إشباع هذه الشراهة. فالمعاهدات والاتفاقات ليست عند هؤلاء سوى أوراق وأضابير وملفات تحمل توقيعات وتتحدث عن ضمانات وأمنيات حالمة، ذات قيمة معنوية، بيد أنها لا تضيف إلى الدولة مساحات جديدة من الأرض ولا تطفىء شهوتها للتوسع الإقليمي.
انطلاقاً من هذه القناعة، كثيراً ما علَّق غلاة الصهاينة على حصاد التسويات مع الأطراف العربية، بأن إسرائيل تعيد إلى العرب أرضاً وموارد ملموسة، مقابل بعض التعهدات والعقود القابلة للنقض، التي قد تتقادم مع مرور الزمن وتغير الشخوص والنفوس وموازين القوى. وهكذا فإن هؤلاء المتعصبين يعضون على أناملهم من الغيظ، بالنظر إلى اعتقادهم بأن الصلح مع مصر والأردن، مثلاً، أخرج إلى الأبد كلاً من سيناء وشرق الأردن من دائرة احتمال التوسع الإسرائيلي إلى الجنوب والشرق. ويتضاعف هذا الغيظ عندما تهيج في خواطر أصحابه ذكرى التطورات التي أجبرتهم عنوة على استبعاد كل من جنوب لبنان وقطاع غزة من هذه الدائرة.
بين يدي هذه المشاعر المنحرفة المهتاجة، عادة ما يثير المتعصبون الصهاينة والإسرائيليون التساؤل عن جدوى حروبهم بعامة وحرب 1967 بخاصة، مادام أنها لا تؤدي إلى استحواذهم على مزيد من الأرض. يدور هذا الاستفهام أو الاستنكار في عقولهم ويجري صراحة على بعض ألسنتهم، على رغم مساهمة بعض هذه الحروب العدوانية في تحقيق تسويات، من شأنها دفن خطيئتهم الأولى المتعلقة باغتصاب المساحة الأكبر من وطن الفلسطينيين. ومما يعزز هذا التصور الاستثنائي في تواقحه وجرأته على أخلاقيات الأمم المتحضرة والشرائع السماوية والوضعية، أدراك هؤلاء القوم أن أحداً من العالمين لم يعترف بعمليات الضم والقضم لأقسام من الأرض العربية التي احتلت عام 1967. وهذا ما يقودهم إلى الاستماتة في تحصيل هذا الاعتراف وشرعنته، لاسيما من جانب الطرف الفلسطيني بالنسبة إلى مناطق الاستيطان في الضفة ورحاب القدس.
لا يريد الإسرائيليون تسوية تخرجهم خالي الوفاض جغرافياً من نتائج احتلالهم المديد لبقية فلسطين التاريخية منذ 1967. فكيف الحال بهم إذا أنجبت هذه التسوية دولة للفلسطينيين؟ ومن الواضح أن أصحاب هذا العقل التوسعي المقيت، يتجاهلون أن التسوية الجاري إعدادها، ستثبت احتلالهم نحو 22 في المئة من فلسطين التاريخية. وهي المساحة التي تمددت عليها دولتهم منذ حرب 1948/1949، زيادة على الحصة التي خصصها لها قرار التقسيم المنكود لعام 1947. في جدل التسوية الراهن، يتعامل الإسرائيليون مع هذه المساحة وكأن الفلسطينيين سلموا كلياً بضياعها. مع أن غياب استطراد المفاوض الفلسطيني إليها، يمثل واحداً من أهم تنازلاته من أجل التوصل إلى السلام الدائم. وإذا ما استمر الإسرائيليون في مهاتراتهم التفاوضية، فمن الوارد أن يعيد الفلسطينيون النظر في هذا التنازل، ضمن عملية أشمل لإعادة تصفيف أوراقهم. بل وربما تعين عليهم أن يفعلوا ذلك قريباً، على اعتبار أن أفول آمال التسوية السلمية، قد يستدعي العودة إلى بعض مربعات الصراع القديمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق