بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 2 أبريل 2014

اردوغان و’رابعة’ وحادثة الطربوش!

كانت مصر أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع تركيا بعد تأسيس جمهوريتها الأتاتوركية عام 1923، غير أن هذه الخطوة ذات المغزى حملت معها أيضاً نوعاً من النزاع بين البلدين استمر، متقطعاً، منذ ذلك الحين.
تكشف بعض الحوادث التاريخية عن خلفيّات عن هذا النزاع، ومنها ‘حادثة الطربوش’ حين حضر السفير المصري في أنقرة حفل استقبال عيد الجمهورية التركية عام 1929 لابساً طربوشه الأحمر في تحد لقانون أصدره أتاتورك بحظر الطرابيش. أمُر السفير بخلع الطربوش فامتثل ولكن الأتراك اعتذروا لاحقاً على إهانتهم لسفير مصر.
تستعيد تحيّة رجب طيب إردوغان الجماهير التركية المحتفلة بانتصاره في الانتخابات البلدية بإشارة ‘رابعة’ هذه الحادثة الشهيرة مع انقلاب دراميّ في المعاني والأدوار.فالإشارة المعروفة المحيلة على فضّ اعتصام شعبيّ بالقوة وعزل رئيس منتخب وفرض مسار جديد للحكم في مصر تكون فيه اليد العليا للمؤسسة العسكرية، تمتلك من الدلالات التركيّة الداخليّة بقدر ما هي تمثيل لمآلات الصراع بين نموذجي تركيّا ومصر.
كان تاريخ تركيا الحديث، عملياً، صراعاً مديداً بين الجيش والإسلاميين، وكانت الأنشطة الإسلامية، السياسية وغير السياسية، ممنوعة فيها حتى عام 1970. ردّ الإسلاميين على ذلك كان بتبنّي استراتيجيتين: الأولى، بناء تحالفات وكيانات سياسية استطاعت تمثل قانون التطوّر الدارويني، تدريجياً، بتطوير بنيتها لتتلاءم مع حاجات البقاء، والثانية تشتغل في أطر التعليم والثقافة والإغاثة الإنسانية لإعادة وصل ما انفصل بين الشعب التركيّ وثقافته الإسلامية، ولتجمع بين الأيديولوجيا والخدمات الاجتماعية، فالناس لا يعيشون على الأيديولوجيا وحدها.
تتشابه تركيا مع مصر في معادلة الصراع بين العسكر والإسلاميين، وتفترق معها في أن ظروفها الخارجيّة والداخلية فرضت عليها تبنّي النموذج الديمقراطي الذي شهد انكسارات عديدة مع تدخلات الجيش وانقلاباته (1960 و1971 و1997) على نتائج صناديق التصويت والمؤسسات المنتخبة.
هناك لحظتان رمزيّتان شديدتا الدلالة في تاريخ اردوغان، اولاهما كانت عام 1998 حين ألقي القبض عليه بعد خطاب له اعتبر فيه المساجد ثكنات وقبابها خوذات ومآذنها حرابا ومصلوها جنود الجيش المقدس الذي يحرس الدين، والثانية، فوزه الانتخابي قبل أيام وإشارة ‘رابعة’ المصرية لجماهيره، فهاتان اللحظتان تلخّصان تاريخ الفرد والتيّار الذي ينتمي إليه، وهما لحظتان تركيّتان في الصميم، ولكنهما، بالقدر نفسه مصريتان.
يمكن القول ان تركيا خرجت من عنق الزجاجة بين طربوش السفير المصري وقبعة الحداثة الأتاتوركية (ولاحقاً، بين العمامة والخوذة العسكرية) بسبب قدرة الحركة الإسلامية التركيّة على تطوير خطابها وأدواتها وتحالفاتها وكذلك بقوّة التطوّر التاريخي الذي فرض التغيير على مفاهيم الأتاتوركية ومؤسساتها ممثلة بالجيش و’كيانه الموازي’ الذي يقف فوق الدولة (مجلس الأمن القومي)، وأخضعها، الى حد كبير، للقانون والمؤسسات المنتخبة.
والدرس التاريخي الكبير الموجّه لمصر من كل ذلك لا يجب أن يفهم تحدّياً تركيّا لأرض الكنانة ولمؤسستها العسكرية، بقدر ما هو موجّه لكلا الطرفين الكبيرين المتنازعين فيها وهو ان ما يحمي الاسلام والعلمانية معاً هو اعتماد النظام الديمقراطي، وأن ما يحمي الديمقراطية من التحوّل إلى أداة للاستبداد باسم الدين او العلمانية هو دستور متوافق عليه سياسياً وشعبياً وليس منزّلاً من فوق، ومؤسسات تشريعية وقضاء لا تتلاعب فيهما السلطات الأمنية والعسكرية والتنفيذية، وخضوع المؤسسة العسكرية للدولة ومؤسساتها لا الحاقها بها، ومنع تحويل الأغلبية الديمقراطية الى دكتاتورية تحت أي عنوان.
تعرّض الشعب التركي لمحن هائلة لحلّ هذه المعضلة التي استغلقت على العرب، والنتيجة التي توصلت اليها تركيا، بانتظار وصول مصر اليها، هي قبول العسكر لارادة الشعب الشعب ولاحتضانه تراثه وثقافته الإسلامية، من جهة، واحترام التيارات السياسية الاسلامية لمبادئ الديمقراطية وللحريات التعبيرية والشخصية ولمبدأ تداول السلطة، دون افتئات على مؤسسة الجيش وأسس العلمانية التي انبنت عليها تركيا الحديثة، من جهة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق