بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 4 أبريل 2014

◘ خطر العودة إلى ما كان - حسام عيتاني

ضئيلة هي الخلاصات التي يخرج بها القارئ والمستمع إلى الجدال المصري في شأن المستقبل. ترشيح المشير عبد الفتاح السيسي إلى منصب رئيس الجمهورية والذي طال انتظاره، لن يغير الكثير في المسار الذي تمضي فيه مصر منذ اتضاح الحدود القصوى التي يمكن «ثورتها» أن تبلغها.

خطاب ترشيح السيسي جاء ضمن منطق «أجوْد الموجود». الدعوة إلى التكاتف والعمل البناء لعلاج المشكلات الضخمة التي تواجه مصر، لا تخرج من نطاق المزاج العام الذي تعب من انفلات الأمن ومستوى من الفوضى السياسية والأزمة الاقتصادية القاسية. بيد أن هذا الخطاب وحده لا يكفي لتأسيس رؤية مستقبلية.
تبرز هنا مشكلة في تعامل المعترضين على ترشيح المشير إلى رئاسة الجمهورية. ذلك أن أكثرية الاعتراضات تصدر عن تصورات مسبقة عن العودة إلى الحكم الأمني وقمع الحريات والتجارب غير المشجعة في المرحلة الانتقالية. لكن الأهم من ذلك كله، هو التساؤل عما في حقيبة أنصار ترشيح السيسي من تصورات لمستقبل البلاد، ما دام أن الانتخابات الرئاسية ستجرى في مناخ حماسة جماهيرية للسيسي، وبغض النظر عن الكيفية التي صنعت هذه الحماسة فيها.
والحال أن أفضل ما يمكن تصوره دعاة «الأمن أولاً» هو أن استعادة زمام الوضع الأمني والقضاء على البؤر الإرهابية في سيناء وغيرها، سيفضي إلى تحسن الأجواء الاقتصادية وعودة الاستثمارات وتحريك عجلة الصناعة والسياحة شبه المتوقفتين. بكلمات ثانية، استئناف السيرة السابقة للطريق الاقتصادي- الاجتماعي وبالتالي السياسي الذي عاشته مصر في العقود الأربعة الماضية.
وهنا مكمن الداء. ذلك أن «عودة الأمور الى نصابها» ولو في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، تنطوي على إعادة إنتاج ظروف التهميش والإقصاء والتفاوت الاجتماعي التي كانت سائدة في «أزهى عصور الديموقراطية» أو أثناء ما اصطلح على تسميته «الشدّة المباركية» مقارنة لعهد حسني مبارك بعهد الخليفة الفاطمي المستنصر الذي شهدت مصر في ظله الضنك والجوع والفوضى أي ما سمي «الشدّة المستنصرية».
ولا مفر من الاعتراف أن حجم التراجع الاقتصادي في مصر بات من الخطر بحيث لم تعد تجدي معه علاجات من نوع «إعادة تسيير العجلة» القديمة والمتهالكة. ومجيء الأفواج السياحية، قد يضفي مظهراً براقاً على الوضع لكنه لا يعالج قطاعات تضررت بشدة مثل الغزل والإسمنت والحديد والصلب وخسرت الكثير من مكانتها ومن قدراتها على ما تشهد سلسلة لا تنتهي من الإضرابات التي ربما لا تنذر بانهيار سريع لكنها تقول إن الاقتصاد المصري في حاجة إلى ما يزيد عن «إعادة العجلة إلى الدوران» وأكثر من الاعتماد على مساعدات عربية محدود النتائج مهما كبرت أرقامها.
ودعونا من التمنيات عن «استعادة مصر موقعها ودورها» العربي والدولي. ففي الوقت الذي تعيش البلاد انفجاراً سكانياً لا يقوى اقتصاد دولة صناعية كبرى على احتوائه، تشهد مصر تدهوراً في مستويات التعليم والعناية الصحية وما يعقب ذلك من تفشٍ للأمراض والخرافات وتراجع لدور الثقافة والعلم في المجال العام.
بهذا المعنى، ومن دون الفصل بين الظروف التي ترشح السيسي على خلفيتها والمأزق السياسي الذي تراوح مصر فيه مكانها، يبدو أن ثمة «سلفية مباركية» تروج لعصر زاهٍ آخر لا يختلف كثيراً عما خبره وعاشه ملايين المصريين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق