بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 16 يونيو 2014

◘ داعش وسيناريوهات “القوة” أحمد غلوم بن علي


التحرك السريع لـ “داعش” في العراق لم يكن مفاجئا على خلاف ما يصفه الكثيرون, فجميع الأطراف المعنية بالشأن السوري كانت تحذر من ذلك, خصوصا بعد التراجع السريع لـ “داعش” في الأرض السورية (وإن كان لايزال الأقوى بين فصائل المعارضة المسلحة) ولعل أنباء تخوف العديد من البلدان من رجوع أبنائها “الداعشيين” لأوطانهم
كانت من مؤشرات ذلك, لكن المفاجئ هو القوة التي مكنته من التقدم السريع في الأرض العراقية باحتلال منطقة كبيرة كالموصل خلال ساعات.
كثيرة هي الأنباء والتفسيرات, فهناك من يدعي أن القوة المالية التي “غنمها” “داعش” من سورية; بالإضافة إلى غنائم الأسلحة, وبيع النفط, والتمويل المستمر من أطراف وجماعات إقليمية ودولية, التي لم تنقطع يوما, رغم جميع الإدعاءات بوقف التمويل, هو السبب الرئيسي في هذه “القوة” والسرعة في التقدم, فـ “داعش” يعتبر اليوم من أغنى الحركات الدينية المتطرفة, فحتى “القاعدة” لم تتخط ميزانيته 50 مليون دولار اميركي في حين قدر لميزانية حركة “طالبان” 400 مليون في حين تخطى “داعش” هذه الأرقام, ويكفي فقط الإشارة إلى ان موجودات البنك المركزي في الموصل الذي نهبه أبناء “داعش” تقدر بأكثر من 425 مليون دولار.
لكن أثبتت أحداث سورية أن المال لا يقلب موازين القوى, وإنما يربكه لبعض الوقت, فلا يمكن للمال والسلاح مع بضع آلاف من المقاتلين الذين يقاتل بعضهم من أجل المال, أي مرتزقة, من احتلال أجزاء من دولة كالعراق (فمحافظة نينوى مثلا أكبر من مساحة لبنان) ليس بسبب قلة المقاتلين فقط وإنما لعدم وجود حواضن شعبية لها في تلك المناطق باستثناء بعض المناطق, الصغيرة والمتفرقة جغرافيا, كما أنها تجاور دويلة الأكراد التي تحدهم من التمدد.
لهذا تعود أسباب تلك القوة (المتخيلة) التي توغلت في الداخل العراقي خلال ساعات لسيناريوهات عدة, منها الانقلاب, أي تعاون بعض قيادات الجيش العراقي عبر شراء الذمم أو التعاون المصلحي الستراتيجية مع “داعش”, ويدعم ذلك عدم حصول مواجهات واسعة في ظل وجود نحو مئة ألف جندي مقابل 15 ألف “داعشي” على أعلى التقادير, وتصريح رئيس الوزراء العراقي أكد وجود خدعة ومؤامرة في أحداث الموصل.
تدعم هذا السيناريو حقائق واضحة, فالبعثيون وأزلام النظام الصدامي لا يزالون في العراق إما كميليشيات, أو في الجيش العراقي الذي لم يستطع النظام اجتثاثه بالكامل بسبب معارضة بعض الأحزاب العراقية على حيثيات القانون وتطبيقه, وأيضا يدعم ذلك وجود أحزاب دينية متطرفة في الداخل العراقي, وهي متمازجة بين البعثيين والمتطرفين كالنقشبندية الذين يتزعمهم عزت الدوري كما هو معلن, والذي يمتزج فيه الاسلامي والبعثي, وكـ “أنصار السنة” و”الجيش الاسلامي” و”كتائب ثورة العشرين” بقيادة الشيخ حارث الضاري.
ويدعم هذا السيناريو أيضا الفساد المستشري في الأجهزة الأمنية, خصوصا الجيش الذي يعد منبعا لتجارة الاسلحة والابتزاز والأدلجة, ففيه تباع الآليات والأسلحة, والوقود, وتهريب السجناء, والابتزاز المالي, والاصطفافات الطائفية, مع العلم أن راتب الجندي العادي في الجيش نحو 1300 دولار ويفوق راتب أستاذ جامعي (1000 دولار) ويصل راتب اللواء وما فوق إلى 6 آلاف دولار, أي أعلى من راتب وكيل وزارة, كما يقول الخبير الستراتيجي الدكتور هشام الهاشمي.
كما تدعم هذه الفرضية حالة الاصطفاف الطائفي الكبير الذي تعيشه الدولة في أروقتها, التشريعية والتنفيذية, الذي تدعمه بعض الدول, ولعل فشل المالكي في إقرار قانون الطوارئ, أو السلامة الوطنية, في البرلمان بسبب غياب قوائم كاملة كـ “المتحدين” عن حضور الجلسة خير دليل على هذا الاصطفاف الذي يشل قدرة وقوة الدولة في مواجهة أي خطر والتنبؤ به, ويساعد هذا الشلل الوضع الأمني المضطرب منذ 2003 إلى اليوم.
السيناريو الآخر, وهو الأخطر, أن هذه القوة والتوغل السريع يعود إلى دعم اميركي, وأوروبي, وتركي, وبعض العرب, وبطبيعة الحال اسرائيلي أيضا, فالفشل المريع للأميركي في الأرض السورية, وسقوط أوراق القوة والتفاوض على مستقبل سورية الذي يعني سقوط جميع الخطط والتفاهمات في جنيف وغيرها دفع الأميركي إلى القفز للأمام, فالعراق كان بلا ريب الهدف الآخر بعد سقوط سورية, لكن التراجع في سورية دفعها إلى استعجال العراق عبر من لا تفضل التعامل معهم وهم “الداعشيون”, لكن عندما ترتبط المصالح الأميركية التي منها تفتيت وتقسيم المنطقة مع رغبات المتطرفين فلا ضير في ذلك في البراغماتية الأميركية.
كما أن هناك رغبة أميركية في حصار ايران بعد فشل العقوبات الاقتصادية في الملف النووي, وذلك بإكمال حزام التوتر الذي يحيط بها من أفغانستان إلى باكستان ثم العراق, كما أن ما يجري في العراق وفق العقلية الأميركية سيشتت جهود وقوة ايران و”حزب الله” في ما يسمى بخط وجبهة الممانعة.
ويدعم هذه الفرضية عدم دعم الأميركيين للحكومة العراقية (إلى هذا اليوم على أقل التقادير) والتأخر في تسليم العتاد العسكري منذ عام ضمن صفقة الاسلحة المبرمة بينهما رغم التصريح بالدعم مع حليفه التركي, الذي يرجح أنه رد على التصريحات الايرانية باحتمال التدخل, لكن يبدو أن تصريح أوباما الأخير يشير بوضوح الى عدم الرغبة في التدخل ولحقه التركي في ذلك.
جملة أخرى من الأسباب والعوامل تدعم هذه الفرضية, فالدعم الاميركي لـ “داعش” لم ينقطع يوما, إما بشكل مباشر أو غير مباشر, كما أن اتفاقات مع قيادات من البعثيين في الجيش العراقي لا يمكن أن يمر من دون تنسيق أميركي صاحبة قرار بريمر بحل الجيش العراقي باستثناء هؤلاء البعثيين, كما ان سكوت الأوروبيين وحلفائهم الاقليميين يشكل علامة استفهام, وبالنسبة للكيان الاسرائيلي يعد مأزق العراق فرصة لتسويق مبرراتها في التمسك بغور الأردن, ومواصلة دفع المجتمع الدولي بالضغط على من تسميهم “الارهابيين الدوليين”! وأخيرا وليس آخرا رغبة الأكراد الجامحة بكركوك في ظل علاقات متميزة مع الأميركيين! .
بالنسبة إلى الاميركيين تعد أحداث العراق صفقة مربحة لهم, وإن لم تمرر جميع مصالحها عبره, لكن ما يستغرب منه هو العائد على بعض الدول الإقليمية الأخرى من تفشي أشكال طائفية للتقسيم, وما يتبعه من احتراب طائفي في المنطقة, فالتقسيم الطائفي لن يقف عند حدود معينة, فبأقل التقادير سينتقل التعاطف الطائفي إلى تلك الدول الرخوة والتي لا تحتمل أي انفجار ولو صوتي!
كاتب كويتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق