بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 16 يونيو 2014

العراق: مدرسة الأكاذيب القومية والطائفية كريم عبد

يتشكل المجتمع العراقي بقومياته المتعددة من غالبية مسلمة، وكل واحدة من القبائل العربية، التي تُشكل أكثرية المجتمع، تحوي المذهبين في داخلها، الشيعي والسني. واجتماعياً لا توجد خلال القرون المتأخرة احتكاكات طائفية، وما سجله المؤرخون من احتكاكات متباعدة كان انعكاساً للصراع الإيراني التركي على العراق، حيث خيض الصراع بالنيابة عن الاحتلالين التركي والايراني بأقنعة طائفية وشعارات مغرضة خدمت وما تزال تخدم طغما سياسية ذات نزعات تسلطية لا علاقة لها بتقاليد المجتمع الذي كان وما يزال ضحية لهذه الصراعات.
لقد استجاب العراقيون لشروط التمدن التي اجتاحت بلداننا مع بدايات القرن العشرين بعد عزلة حضارية طويلة، وسرعان ما تشكلت أجهزة الإعلام الحديثة بموازاة تشكل الجامعات والمدارس وأيضاً الجيش والشرطة، وأية عودة لمؤسسي تلك الدوائر نجدهم ينتمون لمختلف القوميات والأديان والمذاهب، ما يدل على هامشية النزعة الطائفية أو العرقية عند الفئات التي أسست الدولة وأدارت الخدمات العامة، لكن بالمقابل اتخذت التكتلات السياسية داخل أجهزة الدولة طابعاً طائفياً مُقنّعاً أو معلناً أحياناً، إلى أن أهترأ القناع القومي الذي استخدمه البعثيون منذ انقلاب 1963 إلى 1973 تاريخ محاولة انقلاب ناظم كَزار مدير الأمن العام، حيث كانت بمثابة إعلان عما كان يدور داخل الحكم بين حزب البعث السني بقيادة البكر – صدام، وحزب البعث الشيعي بقيادة ناظم كَزار وآخرين! 
لكن القناع الطائفي لا يقلّ كذباً عن القناع القومي، فإذا كانت أجهزة البكر ـ صدام قد قامت بتصفية المجتمع السياسي السني المعارض أو المختلف داخل الحزب وخارجه، فإن ناظم كزار الشيعي ابن الجنوب هو الذي صفى الحركات اليسارية والشيعية المعارضة ووقائع كل ذلك مدونة ومعروفة.
إن تحالف الأحزاب الدينية والكردية الذي استلم السلطة بعد نيسان/ابريل 2003 ينتمي للمدرسة نفسها، مدرسة الأكاذيب القومية والطائفية، وما يجمعهم أو يفرقهم هو الصراع من أجل الغنيمة: السلطة وامتيازاتها. أما الأحزاب السنية التي التحقت بالوضع الجديد فهي وجه آخر لهذا التحالف، لذلك ظلت خيرة الكفاءات الكردية والشيعية والسنية خارج المسؤولية، لأن أحزاب المحاصصة لا يهمها طائفة أو قومية بقدر ما يهمها الولاء لضمان فرصة الاستئثار بالمغانم والامتيازات ما أغرق العراق في هذه الدوامة المأساوية التي لا يعرف أحد متى يخرج منها.
وأحد أخطر الأدلة على إهتراء أقنعة الأحزاب الدينية نجده في تصريح مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان صيف 2013، حين كانت المناطق الشيعية ما تزال تغرق بدماء ضحايا الارهاب يومياً، قال برزاني لفضائية الشرقية (قتلة الشيعة موجودون في مكتب المالكي)! لقد صُدم مقدم البرنامج فقال للضيف: ولكن هذا تصريح خطير! فردَّ بارزاني طالباً منه تثبيت التصريح كما هو. 
ولأن الكثير من العراقيين مازالوا مُضلّلين، سنورد وقائع تؤكد إن المالكي وأجهزته على اطلاع تام بجميع الجرائم التي ارتكُبت وترتكب بحق العراقيين عموماً والشيعة ضمناً، وهو مساهم فيها عملياً أو متواطئ، ولنبدأ من الجريمة الإرهابية التي استهدفت جامعة الإمام الكاظم في بغداد قبيل الانتخابات وذهب ضحيتها أكثر من ثلاثين قتيلا وجريحا! وما أثار علامات الاستفهام هو إن الكلية محاطة بكتل كونكريتية والشارع المحاذي لمدخلها تسيطر عليه نقطة تفتيش لا تسمح بدخول اي شخص باستثناء اساتذة الكلية والطلبة. 
ولنقرأ في موقع (صدى الحقيقة) الإخباري في 20 نيسان/ابريل الماضي (اكدت وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية انها اخطرت مكتب القائد العام للقوات المسلحة بنية مجاميع ارهابية مهاجمة كلية الامام الكاظم. وقال مصدر امني لموقع (صدى الحقيقة) ان الجهد الاستخباري للوكالة اكد قيام مجموعة ارهابية بالتخطيط لهجوم انتحاري على كلية الامام الكاظم، وتم اعلام مكتب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة بموعد الهجوم. ولكن مكتب المالكي أصدر امراً بالتريث والتحقق بشكل اكبر من هذه المعلومة لحين عودة رئيس الوزراء من حملته الانتخابية في محافظات الوسط والجنوب ولا يجب اثارة الرعب في النفوس قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية)! وكانت عمادة الكلية قد أكدت أنها أبلغت الأجهزة الأمنية مراراً بأنها تلقت تهديدات ارهابية بالهجوم على الكلية ولكن لا حياة لأجهزة المالكي!
وبعدما سالت دماء الضحايا وترافسوا حتى الموت، حدثت جرائم إرهابية أخرى أكبر فنسي الناس ما حدث في الكلية مثلما نسوا مئات الجرائم الإرهابية السابقة وتواطؤ السلطات المعنية! وكمتابع ما زلت أتذكر تكرار المآسي والاحتجاجات على حدوث جرائم ارهابية في النجف والكاظمية وغيرهما، حيث ردّدت أصوات مفجوعة ووجوه حائرة من وسط مواقع الجريمة: إن هذه الأماكن محمية تماماً ولا يمكن وصول أرهابيين إلى هنا إلا بتدبير مسبق، فإين الأجهزة الأمنية ومن هو المسؤول عن تكرار هذه الجرائم؟ 
وعن تواطؤات مريبة لأجهزة المالكي خصوصاً في قضية تكرار هروب إرهابيين خطرين من السجون متورطين بقتل مئات الأبرياء قالت النائبة مها الدوري مؤخراً لـ(فضائية البغدادية): ( .. معي ثلاث برقيات تدلل على معرفة الحكومة المسبقة بهروب السجناء من سجن ابو غريب ولم تحرك ساكناً، الاولى سرية وفورية بتاريخ 2/7/2013 من هيئة التنسيق الاستخباري خلية الاستخبارات الوطنية الى كل من: جهاز مكافحة الارهاب، جهاز الامن الوطني، وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية، قيادة عمليات بغداد، المديرية العامة للاستخبارات والامن، مركز القيادة الوطني، مركز العمليات الوطني، مكتب القائد العام للقوات المسلحة الاستخبارات والامن، قيادة القوات البرية، قيادة عمليات الانبار، إلحاقاً برسالتنا السرية والفورية رقم 8193 في 27/6/2013 اعلمنا جهاز المخابرات الوطني العراقي برسالة سرية وفورية انه ما تزال النية قائمة لاستهداف سجن ابو غريب لغرض اطلاق سراح عدد من قيادات تنظيم القاعدة خلال الايام القليلة القادمة) وبعد ذلك ارسلت رسالتان متتاليتان بالتواريخ التالية 17/7/2013، 20/7/2013 تحوي نفس المحتوى ولكن الرسالة الاخيرة المؤرخة في 20/7/2013 افادت بانه حدد الوقت في خلال الساعات القليلة القادمة، وحددت اساليب الهجوم بقنابل الهاون والعجلات المفخخة والاحزمة الناسفة، ومن ثم تم هروب السجناء في اليوم التالي 21/7/2013 ولم تحرك الحكومة ساكناً..)!
وإذا كان المالكي قد ظل صامتاً إزاء اتهامات النواب والمواطنين والإعلاميين، فإن أسئلة أخرى أكثر خطورة تخص قتل وارهاب العراقيين عموماً، بل وقتل العراق نفسه، بحاجة لإجابة. في المقال القادم نضع القارئ أمام المخطط الإيراني الجهنمي الهادف لتدمير العراق بأيدي العراقيين أنفسهم!

٭ كاتب عراقي يقيم في لندن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق