بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 7 يونيو 2014

غرائب التحقيق البريطاني في حرب العراق مالك التريكي

كان من المقرر أن ينشر تقرير لجنة تقصي حقائق تورط بريطانيا في العدوان على العراق عام 2011. 
وإذا كنا لا نزال ننتظر، فذلك لأن هنالك تأخيرا طفيفا، لا يتجاوز ثلاثة أعوام، يعود في الأساس إلى اضطرار رئيس اللجنة السير جون تشيلكوت لخوض مفاوضات لا نهاية لها مع السير جريمي هايوود الوزير المكلف بديوان الحكومة (وهو من سلك الخدمة المدنية، أي أنه يمثل الدولة في استمراريتها المتعالية على تعاقب الحكومات، إلا أنه كان يضطلع بوظيفة السكرتير الشخصي لرئيس الوزراء، آنذاك، توني بلير) حول مسألة نشر نص المكالمات والمراسلات بين بلير والرئيس الأمريكي الألمعي جورج بوش الابن.
إلا أن الفرج قد أتى قبل أيام. وها هي ملامح الوليد الذي تمخض عنه جبل الأرشيف المحكوم بالمساومات: لن يسمح بنشر نص الاتصالات بين بلير وبوش، ولن يعرف الجمهور عند إعلان التقرير أواخر هذا العام ـ أي بعد أكثر من خمسة أعوام من بدء التحقيق! ـ سوى ملخصات واقتباسات من اتصالاتهما التي بلغت 25 مراسلة و130 محادثة تلفونية.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد من الشفافية المنبئة براحة الضمير. بل إن هنالك شرطا إضافيا لضمان استكمال الصورة: وهو أن استخدام لجنة التحقيق للوثائق والمعلومات المتوفرة «يجب أن لا يعكس آراء الرئيس بوش»..! هكذا! متهمان ليس للادعاء الحق في إطلاع هيئة المحلفين على ما دار بينها من محادثات ولا ما كان يفكر فيه المتهم الرئيسي ويخطط له قبيل اقتراف الجريمة! 
ورغم هذا الإيغال السوريالي في ظلمات التعتيم حول الملابسات التي حفت بتحالف بلير مع بطل «الحرب الاختيارية» التي يتحمل الشعب العراقي الآن تبعاتها الكارثية إنسانيا ووطنيا، فإن هدف لجنة التحقيق المعلن لا يزال على حاله لم يتغير: إنه «استخلاص العبر» من حرب العراق! ولأن الأمور على هذه الدرجة من الوضوح، فقد اعتبر الرأي العام البريطاني أن هذا مجرد تمرين بيروقراطي لن يكون له من نتيجة فعلية سوى «تبييض صفحة» بلير.
إذ المعروف أن أقوى الشبهات التي تحوم حول بلير منذ 2003 هي أنه قد ألزم بلاده بخوض الحرب من قبل حتى أن يستدعى البرلمان للتصويت، حيث يعتقد أنه قال لبوش متعهدا: «أيا كان قرارك، فإني ناصرك». وضع شاذ، بل مخز، دفع برئيس الوزراء السابق جون ميجور إلى حث خلفه بلير على نقض قرار ديوان الحكومة والسماح بنشر نص اتصالاته مع بوش، وإلا فالعاقبة أن الشبهات حوله سوف تتفاقم و«تتعفن».
بالتزامن‪،‬ نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن تقريرا يحمّل الساسة العراقيين مسؤولية الوضع البائس الذي تتخبط فيه البلاد، ولكنه يتضمن إقرارا بأن «العراق يقاسي الويلات جراء تركة الأخطاء التي ارتكبتها أمريكا أثناء الغزو، عام 2003، وبعده».
أرقام محزنة: يقع العراق في المرتبة الـ201 من مؤشر البنك الدولي للاستقرار السياسي والمرتبة الـ205 لسيادة القانون والمرتبة الـ193 للتحكم في الفساد. 
ورغم عائدات النفط، لا يتجاوز معدل الدخل السنوي للمواطن العراقي ألف دولار (المرتبة الـ141 دوليا)، بحيث أن البلد الذي كان ذا نهضة صناعية واعدة قد صار الآن في المرتبة الـ131 من مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق