بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 يونيو 2014

معارك الظلام - ابراهيم حاج عبدي

تتواتر الأخبار، هذه الايام، عن تنظيم غزا العراق، فاحتل عدداً من المدن والبلدات شمال بغداد، وهو يتوسع ويتأهب لاقتحام العاصمة، بينما تتزايد التصريحات والجهود الديبلوماسية الدولية في سبيل احتواء الأزمة، والمخاوف تكبر في منطقة تعيش زلزالاً سياسياً وأمنياً مزمناً.
التنظيم اسمه «داعش» الذي ينوي إقامة دولة اسلامية تضم دولاً في الشرق الأوسط، وهو يبسط سيطرته على مناطق تمتد من حلب السورية إلى ديالى العراقية. لكنّ لا صور توثق كل ذلك، فما نراه من انجازات هذا التنظيم، الذي يوحي اسمه بكل ما هو سلبي، مجرد مقاطع فيديو رديئة عن عملية عسكرية هنا، وتفجير انتحاري هناك.
لا يأبه هذا التنظيم، كما يبدو، بالجانب الإعلامي وبالدعاية السياسية، بل إن كل ما يسوّقه من صور ومقاطع، وهي قليلة على أي حال، يدينه أكثر مما يجمّل صورته. كل ما يتسرب هو مجرد صور لإعدامات ميدانية لبشر لا حول لهم ولا قوة، وفي أمكنة قصية منسية بالكاد نتعرف الى معالمها، وحتى الأشخاص الذين يظهرون، وهم ينفذون الإعدام، لا نرى ملامحهم، فهم ملثمون؛ يضعون أقنعة سوداً لا تشير إلا إلى «وحشية تعيد إلى الأذهان كل العصور المظلمة التي عرفتها البشرية خلال تاريخها».
إنها معارك تشغل العالم، شرقاً وغرباً. لكنها تدور في الظلام، ويقودها «أشباح أسطوريون» يثيرون الهلع والخوف. الجميع يتحدث عنهم وعن ممارساتهم وحروبهم بينما هم صامتون، وكأن هذه السرية هي جزء من تكتيكاتهم، إن كان لديهم أي تكتيك أصلاً، ففي غياب الصور والوثائق تكبر الاشاعات وتتعاظم الأكاذيب، وبذلك يأخذ هذا التنظيم حجماً أكبر من حقيقته، وكلما أمعن في الغياب والتخفي عن الشاشات ظهر في المخيلة بصور مبالغ فيها، تغذيها الروايات الكثيرة التي تتحدث عن طموحاتهم التي لا تنتهي. لم يظهر أحد من الأهالي الذين يقطنون المناطق التي يسيطر عليها هذا التنظيم ومدحهم، ولم يظهر له قائد يوضح أهداف التنظيم وبرامجه، فمن هم هؤلاء «الداعشيون»؟، وكيف قيّض لهم أن يحققوا هذه «الانتصارات»؟ ولماذا انهارت المحافظات العراقية أمامهم كأحجار الدومينو؟ وهل للسياسة أي مكان في قواميسهم؟
كل ما يقال في هذا الصدد هو مجرد تحليلات واجتهادات لا تستطيع فك اللغز، والكشف عن الشيفرة السرية لتنظيم زئبقي متنقل، يحصد أرواح العباد ويدمر البلاد، ولا يلتفت، قط، الى ما يقال عنهم وفيهم عبر المنابر والمؤتمرات.
الفضائيات، بالطبع، تتابع هذه التحولات الدراماتيكية، لكنها تفتقر إلى المصادر، فهي تنتقل بين العواصم المختلفة وتقترب، أحياناً، من ساحات الوغى. لكنها تعود، في كل مرة، بحصيلة مبهمة؛ عاجزة عن تفسير هذه التطورات والمستجدات المتلاحقة. وهنا نعود الى المقولة الشهيرة التي تفيد بأن «العالم أصبح قرية صغيرة»، غير أن «داعش» أربك هذه القناعة، وها هو يقضم الأرض بعيداً من العدسات، وكأنه غير مرئي، فلا يظهر إلا ليرتكب مجزرة ويختفي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق