بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 يونيو 2014

الغاء وزارة الاعلام في مصر: «سيرك الفضائيات» الى متى؟


للمرة الأولى منذ عقود، خلت الحكومة المصرية التي ادت القسم قبل عدة أيام من وزير للاعلام، بعد فترة من الغموض احاطت بمصير الوزارة المثيرة للجدل، خاصة ان الدستور المعدل نص على انشاء مجلس وطني للاعلام، يقوم بدورها في ظل ميثاق شرف اعلامي.
وكان من الممكن ان يكون الغاء الوزارة خبرا جيدا وتحولا
مستحقا نحو استعادة المهنة لمصداقيتها واصولها التي دهستها بعض الابواق المحسوبة ظلما على الاعلام تحت اقدام النفاق والانتهازية وتحويل الشاشات والبرامج الى ادوات امنية تتآمر على المشاهدين، لولا المعطيات المثيرة للجدل التي اتخذ فيها القرار، من حيث الاسباب والتوقيت والنتائج، والتي لا تدع مجالا للتفاؤل، ومنها:
اولا ـ ان الغاء الوزارة جاء بعد حملة شعواء شنتها الفضائيات الخاصة على وزيرة الاعلام السابقة و«الاخيرة» درية شرف الدين بسبب اتفاقية وقعتها مع ادارة قناة ام بي سي السعودية الشهر الماضي للتعاون في مجالات الدراما والبرامج، بما يفتح امام التلفزيون الحكومي المصري المجال لزيادة حصته من «كعكة الاعلانات التجارية» التي شهدت انكماشا خلال السنوات الاخيرة بسبب التدهور الاقتصادي، ما ادى الى «حرب اعلانية شرسة من اجل البقاء» بين بعض تلك الفضائيات. وبالطبع فان اي زيادة في نصيب التلفزيون الحكومي كانت ستأتي على حساب الفضائيات الخاصة، ما يعني احتمال تعرضها للاغلاق. وما ان نشر خبر الاتفاقية حتى قام احد البرامج بالاتصال على الهواء، في منتصف الليل برئيس الوزراء ابراهيم محلب ليجدوه في زيارة لغينيا، واخبرهم انه لا يعرف شيئا عن الاتفاق وسيتصل بالوزيرة لدى عودته للاستيضاح.
وتواصلت ضغوط الفضائيات على رئيس الوزراء منذ تلك الليلة لاقالة الوزيرة، ووصل بعضها الى الابتزاز العلني، فلم تتورع احدى المذيعات عن تذكير محلب بانه لولا «الدور الذي قامت به مع قناتها في 30 ـ 6 لما اصبح هو رئيسا للوزراء».
وهكذا جاء القرار بالغاء الوزارة باكملها، حتى لا يبدو رئيس الحكومة وكأنه خضع لضغوط الفضائيات باطاحة الوزيرة، والاهم من ذلك جعل اتحاد الاذاعة والتلفزيون تابعا لرئاسة الوزراء، ما يعني ان الفضائيات الخاصة تستطيع ان تطمئن، من ان التلفزيون الحكومي سيظل غارقا في ديونه التي تزيد على عشرة مليارات جنيه، ومشاكله البيروقراطية المزمنة (يوظف اكثر من اثنين واربعين الف شخص، وهو ما يزيد عن عديد جيوش دول اوروبية مثل السويد وسويسرا، وعربية مثل سلطنة عمان). وهو ما يطرح سؤالا مشروعا حول حقيقة دور الفضائيات كـ»مركز قوة» في ادارة دفة الحكم، دونما اي شرعية.
ثانيا: ان الغاء وزارة الاعلام لم يترافق مع البدء في تنفيذ اجراءات او اي خطة واضحة لوقف النزيف الهائل من الاموال والمصداقية الذي يمثله استمرار الوضع الحالي في مبنى ماسبيرو الذي يضم ذلك الجيش المترهل من الموظفين.
وقد شكا الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه من ان الميزانية العامة تتكبد نحو مئتي مليون جنيه شهريا رواتب للعاملين في ماسبيرو، ما يعني ضرورة اتخاذ اجراءات اصلاحية دون هضم حقوقهم، الا انه لم يتخذ ايا من تلك الاجراءات.
ثالثا: أما انشاء المجلس الوطني للاعلام وميثاق الشرف الاعلامي، فقد اصبح يبدو مثل «حلم وردي» نجحت الفضائيات الخاصة في اجهاضه عبر نفوذها السياسي في الحكومة. والسبب هو انها ستكون اول المتضررين من وجود اي سلطة مهنية او اكاديمية تراقبها وتعمل على وقف التجاوزات والانتهاكات الصارخة للمهنة التي اصبحت «محل مزايدة» فيما بينها، حتى اصبح المشهد يبدو كسيرك فضائي، من يقفز فيه اعلى، يحصل على فوائد اكبر، حتى وان ادى ذلك الى كشف عورات المهنة، وبعض المحسوبين عليها، ناهيك عن سوءات النظام السياسي نفسه عندما يظهر في معسكر واحد مع تلك الجوقة من «المخبرين والفلول والرداحين».
ولا يعني ما سبق ان اداء التلفزيون الحكومي كان افضل حالا تحت قيادة وزارة الاعلام، فقد استعان برموز مقيتة من الوجوه التي طالما دافعت عن حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك سواء محليا او شاشات عربية وخاصة في بعض دول الخليج وحتى اجنبية كالـ«بي بي سي» والـ«سي إن إن»، في محاولة حثيثة لادارة عجلة الزمن الى الوراء عندما كان الفساد هو العنوان الوحيد للعمل في ماسبيرو.
واخيرا فان الحاق ماسبيرو برئاسة الحكومة يعني تسليمه ضمنيا لاجندة الفضائيات الخاصة، وبالتالي لا يمكن الا ان نتوقع انتقال «السيرك الفضائي» باسلوبه بل وبعض رموزه الى تلفزيون دافعي الضرائب، وهو ما يمكن ان يقوض اي مصداقية لنية العهد الجديد في اجراء اي اصلاحات من اي نوع.
وبكلمات اخرى فان مكافحة الباعة الجائلين والبلطجية ربما ينبغي ان تبدأ على الشاشات قبل الشوارع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق