بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 28 يونيو 2014

كيف نتدارك تفكك العرب وتقاتلهم - باسم الجسر

الحديث عن تقسيم العراق وإعادة رسم خريطة الشرق الأدنى التي وضعتها اتفاقية سايكس - بيكو عام 1917. وتفكيكه إلى دويلات طائفية ومذهبية صغيرة، يطغى، اليوم، على كل حديث آخر، مع حديث مرادف عن «الحرب على الإرهاب» وتعديل في بعض التسميات، من «القاعدة» إلى «داعش». مع العلم بأن هذه العناوين الجديدة للصراعات التي تمزق المنطقة ليست سوى عناوين صغيرة آنية وثانوية، مقارنة بعناوين الصراعات الحقيقية والعميقة والأخطر، ونعني الصراع المذهبي الذي حركته إيران في أكثر من بلد عربي، والصراع الإسرائيلي - العربي الذي بات يقسم الصفوف العربية أكثر مما يوحدها، والتنافس الدولي بين الشرق والغرب الذي لم تتقلص تداعياته في الشرق الأوسط رغم انتهاء الحرب الباردة.
كان القلق الدولي على الدول العربية التي عصف الربيع العربي بأنظمتها، قد تركز منذ سنتين على الصراع الناشب في سوريا. ونجحت موسكو - وإيران - في تعطيل المحاولات الأممية والأميركية الأوروبية لحسم المعركة سياسيا أو عسكريا. كما نجح النظام السوري في تخويف الغرب والعالم وبالتالي تجميد الدعم الدولي للثوار والمعارضين، بإبرازه للدور العسكري الكبير للفصائل الإسلاموية المقاتلة - ولا سيما «داعش» و«النصرة» وغيرهما.. - ولما ينتظر الشعب السوري - والعالم - من مصير في حال سقوط النظام السوري على يدها، إلى أن وصل الأمر إلى نوع من شبه حياد دولي إزاء ما يجري في سوريا، وإلى انتقال ميدان الصراعات إلى العراق.

لقد فوجئ العالم بعجز الجيش العراقي البالغ عدد أفراده مئات الألوف والمسلح بالدبابات والطائرات والصواريخ عن صد هجوم بضعة آلاف من مقاتلي تنظيم إسلاموي جهادي واحتلالهم لقسم كبير من المناطق العراقية ذات الأكثرية السنية. كما فوجئ العالم بخروج الحكومة العراقية عن صفتها الوطنية المركزية ودعوة رئيسها لتسليح ميليشيات مذهبية لمقاتلة الثوار الجدد. وهو يعرف جيدا، كما الجميع، بأن تحويل الصدام بين القوى الحزبية السياسية إنما يؤدي إلى حرب طائفية متداخلة مع الصراعات الدولية وبالتالي إلى تقسيم العراق أو تفكيكه، أو إلى حرب أهلية مستدامة على غرار ما يجري في سوريا.

ثمة أبعاد أخرى وأخطر ربما من انتقال الحرب الأهلية من سوريا إلى العراق، ألا وهي:

1 - انفصال الشمال العربي أي العراق وسوريا - عن جنوبه، أي مصر والسعودية. 2 - تقدم هموم الصراع بين الأنظمة العربية الحاكمة والجماعات الإسلاموية، على هموم الصراع العربي - الإسرائيلي. 3 - تراجع الدور القومي والسياسي العربي أمام أدوار إيران وتركيا وإسرائيل في الشرق الأوسط.

ثمة أسئلة كبيرة أخرى تفرض نفسها أمام هذا المشهد المفجع والمتفاقم:

1 - هل سيساعد حل الصراع في العراق على حلحلة أو حل الصراع في سوريا.. أم سيغذيه ويضاعفه ويدفع بالبلدين العربيين إلى التفكك والخروج من الرابطة القومية العربية؟ 2 - هل من مصلحة الدول الكبرى التدخل لإطفاء هذه الحرائق العربية أم تركها تتمادى أم عدم التدخل فيها؟ 3 - هل فقد الأمل نهائيا من قدرة الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي على العثور على حل سياسي عملي لهذه النزاعات؟

في نظر البعض ليس هناك سوى نافذة واحدة أمام أي دور عربي - إسلامي في خنق هذا البركان الذي يهدد العرب والمسلمين بنيرانه ألا وهو قيام جبهة نواتها مصر والسعودية والدول الخليجية والمغرب والأردن، تلقي بوزنها في الصراع بالتعاون - إذا لزم الأمر، مع الدول الكبرى. وأيا كان المدخل إلى الحل فإنه يبدأ بوقف القتال وليس بمد الأنظمة والثوار بالسلاح وبالمال. كما يمر بقيام حكومة وفاق وطني انتقالية في سوريا والعراق وبوضع ميثاق قومي عربي جديد.

ولم لا. إنشاء قوات سلام عربية للتدخل في النزاعات المسلحة العربية - العربية أو الحؤول دون تفاقمها.
وأهم من ذلك كله ربما هو اقتناع الجماهير العربية بأن معالجة محنة العرب والمسلمين إنما تمر بالديمقراطية والتنمية وبالتضامن القومي، وبالانفتاح على العالم والعصر وليس ببعث نزاعات مذهبية عمرها ألف وأربعمائة عام.
لقد كلفت حربا العراق وأفغانستان الخزينة الأميركية 4 تريليونات دولار أي أربعة آلاف مليار. أما ما أنفقت بعض الدول العربية على التسلح (لمواجهة إسرائيل مبدئيا وهدرت فعليا في حروبها الداخلية في الأربعين سنة الأخيرة) فيفوق هذا الرقم. ولو أنفقت هذه التريليونات على مشاريع التنمية الاقتصادية والبشرية لكانت كل الدول العربية - لا بعضها - في الصفوف الأولى من الدول المزدهرة والمتقدمة والراقية، ولما كانت الدماء تسيل في دمشق وبغداد، ولما كانت الأمة العربية تتمزق وتتفكك، ولما كان أبناؤها يقاتلون بعضهم البعض كما يفعلون اليوم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق