بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 22 يونيو 2014

الرواية العبرية «فليكن فجرا» نقد تقاليد المجتمع الأبوي وصراع الهويات داخل اسرائيل - سعاد العنزي

الكاتب العربي الإسرائيلي سيد كاشو في روايته «فليكن فجرا» قدم رؤية مغايرة للواقع الفلسطيني من داخل دائرة العزل داخل إسرائيل، مقدما تفاصيل حياة عرب إسرائيل وما يلاقونه من عزل وتهميش في دائرة مغلقة وحياة رتيبة
تعيد نفسها بشكل دوري على إيقاع البساطة ، من دون محاولة جادة في تطوير الواقع المعيش لأهل القرية المعزولة خارج منظومة العالم المتقدم.رواية كوشا المكتوبة أساسا باللغة العبرية والمترجمة إلى الإنكليزية بواسطة مريم شيليسينقر هي لا تتقاطع بشكل مفصلي ورئيس مع الأحداث السياسية، أي لم تحمل تلك الرؤى السياسية العميقة بشكل مباشر وصريح ولكنها حملت ما هو أكثر إيلاما والكامن بآثار هذه الأحداث السياسية التي يتأثر بها أبطال الرواية بشكل مباشر.


من الممكن قراْءة الرواية من خلال عدة مداخل من خلال عناصر السرد أو المضمون الحكاية زمنيا ومكانيا أو بشخصياتها، ولكنني في هذه القراءة أؤثر التحليل الموضوعاتي لما فيه من غزارة دلالية يعكس جانبا مغيبا من القضية الفلسطينية في الداخل الإسرائيلي حيث سأعرض ملخصا سريعا للرواية من ثم اتطرق لثيمات الهجنة والتبعية والتغييب وواقع المرأة المغيب كذلك.

ملخص الحكاية: 
لا أستطيع أن أزعم إن الرواية لم تترجم إلى العربية ولم تقرأ ولكن وفق البحث السريع عنها بغوغل في العربية لم أجد لها ولا لكاتبها ذكرا مما يجعل من المهم أن نقدم ملخصا لها للقارئ العربي حتى يطلع على الفرشة الحكائية لها. 
تاريخيا تدور أحداث الرواية بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية عندما قرر ساردها مجهول الاسم ولكنه غير مجهول الهوية الفلسطينية بترك العيش في المدينة تل أبيب والعودة إلى قريته العربية في إسرائيل ، ليكتشف بهذه العودة بعد غياب عشرة أعوام في المدينة مدى عبثية الحياة وهامشيتها وهامشية أهداف سكانها. بشر يعيشون في دائرة مغلقة بعيدة عن الاهتمام الحكومي الإسرائيلي ومواطنون معزولون عن دائرة الضوء والاهتمام ويبدون قد اقتنعوا بهذه التفاصيل اليومية البسيطة. يعرض السارد للعديد من يوميات أهل القرية عاكسا بحساسيته النقدية المفرطة عدمية ولا جدوى الحياة ، ومخفيا فصله من وظيفته ككاتب صحفي في صحيفة إسرائيليه حيث يضطر يوميا الادعاء بأنه خارج للعمل لكي لا يعلم أهله بذلك ، وهو هنا يعكس حالة عدم وجود أمان وظيفي ولا استقرارية العربي في إسرائيل. يسترجع السارد عبر ضمير الأنا بالسرد ليعرض بعضا من طفولته وعلاقته بأمه الخاضعة لعوامل الكراهية كما يعرض لمراهقته وبداية بلوغه الحلم. أيضا من استرجاعاته يمكنا من التعرف على الطريقة التي تزوج بها من زوجته بزواج تم على الطريقة التقليدية سنعرض لها لاحقا في هذه القراءة.
الحدث الأهم في الرواية هو محاصرة القرية وانقطاع الماء والكهرباء عنها لعدة أيام من دون أن يعي سكان القرية ما يحدث لهم ومن دون حتى سابق إنذار. مثل هذه الحادثة يعكس أزمة إنسانية كبرى تكمن في الحصار وما يترتب عليه من فقد لمصادر العيش أهمها الأكل والماء وكيف إن مبادئ التكاتف والتعاون بين أبناء القرية الواحدة تصبح هشيما متطايرا مع الرياح أمام بقاء الأنا والدفاع عن وجود الإنسان. بوصف دقيق وإنساني محض يعكس لنا السارد ويصور بلقطاته الحية صورا مرئية لحالة الهلع والجوع واستجداء الآخر من أجل الطعام كأن تسألهم جارتهم عن حليب لرضيعها ولكنهم يؤكدون إنهم لا يملكون شيئا وهم يكذبون. فهو يريد القول إنه في حالة الحروب تتداعى القيم الإنسانية والكبرياء والشموخ ينهار أمام صرخة طفل جائع. تعود الكهرباء والماء وتعود الحياة للقرية وتتجسد الكثير من مظاهر الحياة والبقاء في مقابل مظاهر الموت القاتمة في الأيام الماضية التي يرصد لها السارد ببراعة حقيقية تنقل الإحساس إلى قارئها بالمرارة والشفقة.
ماهو صادم للقارئ إنه يعرف إن هذا الحصار كان من أجل التوافق الفلسطيني الإسرائيلي على تحويل بعض القرى العربية في إسرائيل تحت الحكم الفلسطيني حيث أصبح أهل القرية فلسطينيين بنهاية الرواية من دون سؤال لهم أو معرفة مسبقة بذلك!

الهجنة:
من المؤكد إن عرب إسرائيل هم نصف مواطنين يعيشون هجنة حقيقية عرضت لها الرواية بين عربية الانتماء والاهتمام وإسرائيلية الوجود. مواطنون يعيشون وجودا اشكاليا حقيقيا فبينما هم يحملون الولاء لهويتهم الأولى فلسطين العربية الأصيلة يحملون عاداتها وتقاليدها وطقوسها يقعون جغرافيا في إسرائيل البلد المحتل الذي حرمهم من حمل اسم بلدهم كهوية لهم. فبدلا من عرب إسرائيل كان الأفضل فلسطينيو الداخل أو فلسطينيو إسرائيل، ولكن هذا ما لا تقبله الدولة الإسرائيلية من ذكر لاسم فلسطين الذي حاولت وتحاول طمسه بشتى الصور وما هذه التسمية إلا واحدة من أشكالها. فلسطينيو الانتماء نصف مواطنين للدولة الإسرائيلية معزولون عن حقوقهم السياسية والسيادية يعيشون وضع الأقلية وطقوسها، فالعربي يبقى عربيا بالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية، كما يذكر السارد. هذه أقل إشكاليات حياة العرب في إسرائيل.

التبعية:
رصدت الرواية لأشكال عديدة من التبعية وصيغة المبني للمجهول تمثلت في العديد من الحالات الإنسانية التي تماست معها الرواية بشكل كبير وجلي. لعل أوضح حالات هذه التبعية إن سكان القرية بقرار سياسي تحولوا من مواطنين إسرائيليين إلى فلسطينيين بعد هذا الحصار الذي يبين مدى تبعية أهل القرية بوصفهم مملوكين للإرادة السياسية الإسرائيلية، تحرمهم من الحياة الطبيعية وقتما تريد وتمنحهم إياها وقتما تشاء. فبينما كان السارد مجهول الاسم، وهذا تبيان آخر لهامشية السارد ومن معه غير معلوم الهوية ينقل مثل الشطرنج من مكان لمكان (من العمل إلى اللاعمل إلى العمل بنهاية الرواية) من (مواطن اسرائيلي إلى فلسطيني)، يظن إنه حدثا طبيعيا يتبين إن هذا الحصار كان بسبب القرار السياسي الذي تمت المخاطرة بحياتهم من أجله حتى لا يعترضوا على القرار ومن هنا هم محرومون من حق الاعتراض على هذا التحويل في الهوية الهجينية. يتبين هذا الامتعاض من خلال حديث أب السارد بشأن مستقبل أبنائه وابنه الأصغر حيث لا يعلم أين سيكمل تعليمه مما يعكس وضع فلسطين السيىء من حيث البنية التحتية.
بآخر الرواية يتصل محرر الصحيفة التي كان يعمل بها السارد ليخبره بأنهم بحاجة إلى عودته إلى العمل للكتابة عن الأوضاع بفلسطين ولكن الراتب سيكون أقل لأن تكاليف الحياة أقل بفلسطين وهنا هو يقرر نيابة عن السارد ما يكفيه للعيش، كما إنه يحيل إلى قضية رخص الحياة بفلسطين ويرمز فيها إلى وضعية الحياة في فلسطين وقيمة الحياة فيها مقابل غلاء المعيشة في إسرائيل رغم إنهما يقعان في بقعة جغرافية واحدة ولكن يبدو إن الغلاء والرخص ينظر له بميزان القوى السياسية.
من أهم طقوس التبعية في الرواية والذي يشترك الجو العام بالرواية والبيئة العربية والخليجية بشكل خاص هو نظرة الأسرة العربية للمرأة المتعلمة حيث يفضل أن تكون مدرسة وأن يعرف السرير الذي تنام به للتأكد من شرف المرأة وأخلاقها وحفاظها على عادات وتقاليد المجتمع الأبوي المعاش به، وإلا لا تكون امرأة مؤهلة للزواج من الرجل المناسب لخروجها عن جادة الطريق مما يعكس استاتيكية نظرة أهل القرية المتوارثة للمرأة والتي هي بحاجة إلى تحول جاد وفعلي كما تحول أهل القرية من عرب إسرائيل إلى فلسطيني الهوية والانتماء.
من اللافت للنظر في هذه الرواية الجريئة هو جرأة السارد في نقد الأوضاع المجتمعية في إسرائيل، فلسطين، العرب، أفراد أسرته، زوجته، وحتى ذاته إلا أن استطراداته في العودة إلى تفاصيل الماضي لم تكن بذات أهمية في السرد ومعطلة للأحداث السردية كما تقول كاثرين روتنبيرغ في قراءتها للرواية.

*ناقدة وكاتبة كويتية.

*كاشو ، سيد، « فليكن فجرا» رواية، ترجمة : مريم شليسينغر، نيويورك: جروف/ أتلانتك، الطبعة الأولى ، 2006م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق